بقلم غالب قنديل

باسيل والحريري وإيران

baseelo

غالب قنديل

تعرض وزير الخارجية جبران باسيل لهجمات عنيفة وقاسية نظمها تيار المستقبل وزعيمه الرئيس سعد الحريري ردا على موقفه في مجلس الجامعة العربية وامتناعه عن التصويت على بيان صدر بناء على طلب سعودي في إطار الحملة العدائية على إيران وقد زعم الحريري في رده ان وزير الخارجية ” لا يعبر عن رأي غالبية اللبنانيين، الذين يعانون من التدخل الإيراني في شؤونهم الداخلية” من غير ان يفوت الفرصة للثناء والتبجيل بحق المملكة السعودية .

أولا انطلقت في ضوء هذا التعليق حملة من الهجمات التي تستهدف وزير الخارجية وتورط بعدها رئيس الحكومة تمام سلام الذي سبق له التنويه بموقف باسيل فألقى خطابا ضد إيران خلال مشاركته في منتدى دافوس مما يفيد ان ضغوطا سعودية حريرية كثيفة مورست على سلام لإخراجه من لغته الدبلوماسية الهادئة اتجاه دولة كبرى في المنطقة سبق له ان قال الكثير عن أهمية العلاقة بها وقد تميزت لقاءاته بمسؤوليها الذين زاروا السراي بأجواء ودية وإيجابية فماذا عدا ما بدا ؟

مبدئيا ألزمت حكومة “المصلحة الوطنية ” نفسها بالنأي عن المحاور الإقليمية في سياستها الخارجية ومعنى ذلك بالتحديد عدم دخول الدولة اللبنانية على خط الاستقطاب السعودي الإيراني بالانحياز إلى اي من الجهتين وهذا هو بالتحديد معنى ما فعله وزير الخارجية جبران باسيل الذي هو رئيس حزب تربطه بإيران علاقة صداقة معروفة والوزير باسيل في قراره بالامتناع عن التصويت وفي تصريحاته خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري العربي كان محايدا ولم يدلي برأيه الشخصي او الحزبي وهو كوزير للخارجية يقيم صلات طبيعية بالممكلة السعودية وبسفيرها ويحرص على لغة إيجابية في التعبير عن تلك العلاقة ولا يمكن لأي كان ان يقدم واقعة واحدة تظهر تغليب باسيل لرأيه الشخصي على حساب موقعه الرسمي وعن صيغة الموقف المتوافق عليه بين مكونات الحكومة التي يشغل فيها منصب وزير الخارجية وقد سبق لحرص الوزير باسيل في هذا المجال ان دفعه للمشاركة في إعلان الحلف الأميركي السعودي المزعوم ضد الإرهاب واضطر إلى التصريح بعدها من باريس لتوضيح مضمون مشاركته في الاجتماع الذي عقد في المملكة السعودية بحضور وزير الخارجية الأميركية جون كيري .

ثانيا من الوجهة المبدئية والسياسية وبمنطق القواعد الدستورية يضغط الحريري على الحكومة اللبنانية ورئيسها لأخذهما إلى المحور السعودي وتحويل الحكومة اللبنانية إلى موقع ملحق بسياسة المملكة خلافا لإرادة قوى لبنانية وازنة وشريكة في السلطة وضد المصلحة اللبنانية وهو يعلم ان ذلك يعرض الائتلاف الحكومي لازمة خطيرة سيكون أقل نتائجها المزيد من الشلل والعجز عن الحكم وإدخال البلاد في فراغ تام للسلطة الإجرائية فمعنى استقالة الحكومة هو تصريف أعمال مديد يفاقم الأزمة الدستورية والسياسية والاجتماعية الخطيرة التي يجتازها لبنان والسؤال هل يريد الحريري تفجير الحكومة وهل ترغب السعودية في نسف كل الجسور بين القوى السياسية الرئيسية في البلد وما هي وظيفة هذا التطور التصعيدي في سلوك السعودية وفريقها اللبناني ام ان الغاية الكامنة هي حرق فرص الرئيس سلام في العودة إلى السراي وهو هدف ليس بعيدا عن تطلع الحريري للعودة شخصيا بعد الانتخابات الرئاسية كما يتردد في الكثير من التقارير الصحافية المتداولة.

خرج الحريري عن التفاهم الذي ادى لتشكيل الحكومة واخرج سلام عن موقعه التوافقي ومن سلوكه العقلاني فورطه في تبني اللغة السعودية ضد إيران والحريري ينهي بذلك صفحة المساكنة التي ارتضاها مع الخصوم عندما وافق بناء لطلب اميركي على سحب شروطه العدائية اتجاه حزب الله ومبدأ مشاركته في الحكومة.

ثالثا إذا كانت “المصلحة اللبنانية” هي قاعدة القياس فالأكيد ان مصلحة لبنان هي الاحتفاظ بعلاقات متينة مع إيران التي تدخلت لدعم الشعب اللبناني في مجابهة إسرائيل وحروبها العدوانية منذ انتصار الثورة وكرست جمهوريتها علاقاتها في لبنان للحث على التوافق والتفاهم بين الأطراف اللبنانية وعزفت عن الدخول في أي مناكفة مع أي جهة لبنانية رغم الفجور وقلة الأدب في الكثير من الخطب والتصريحات اللبنانية ورغم التلاعب والتقلب والسمسرة التي حكمت مواقف الحريرية وحزبها السياسي وبعض حلفائها من طهران وينبغي على الحريري أن يعود إلى الأرشيف القريب والبعيد ليراجع تصريحاته وكلاما كثيرا لوالده الراحل عن جدوى العلاقة مع إيران .

الولايات المتحدة وسائر حكومات الغرب تطلب ود إيران والحريري يريد للبنان ان يشتري عداوة مرهقة ومكلفة لحساب الحكم السعودي المتورط في مآزق كثيرة يسعى للتستر عليها بذريعة الدور الإيراني ومن المأساة ان يدفع شخص كالرئيس تمام سلام لتبني مثل هذا الكلام الذي لا يعبر عن الوفاق اللبناني ولا عن المصلحة الوطنية.

يبدو اننا في مناخ التصعيد السعودي ومحاولات زج لبنان إلى مواقع لا تخدم مصالحه الفعلية بتنا احوج ما نكون إلى انتخابات نيابية الآن وفورا عل الشعب يحسم الصراع الذي يطال كل شيء في الداخل والخارج فهل استقالات النواب هي الحل وليأت قانون الانتخاب بعدها من مجلس جديد؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى