بقلم غالب قنديل

بين سورية وأفغانستان

rosya syr

غالب قنديل

ماهي الفوارق الكبرى بين أفغانستان الثمانينيات وسورية اليوم التي تجعل من الرهان الأميركي السعودي القطري على استنزاف روسيا وإفشال مبادرتها الاستراتيجية ضربا من الغباء ؟

أولا أين تقف الغالبية الشعبية؟

1-    عندما قرر الاتحاد السوفياتي تدخله في أفغانستان كان يسعى لدعم حكم تقدمي شبه معزول في معادلات التوازن الأفغاني الداخلي وحتى قبل ظهور تدخلات اميركية او سعودية او باكستانية منظورة لدعم معارضيه المتجذرين في المجتمع القبلي الذي جابه لعقود الأقلية التقدمية التي تضم فئات متعلمة من البرجوازية الصغيرة ذات توجهات إصلاحية في حين كانت الغالبية الشعبية الراجحة تقاوم جميع البرامج التنويرية وتصدها بقوة عنيفة باسم الدين وقد عطلت جميع مبادرات الحكومة المركزية المتعلقة بالإصلاح الزراعي والتعليم ومحو الأمية فقد كانت المجموعات الأفغانية الأخوانية والوهابية المتطرفة تقود جمهورا محافظا شديد التطرف جرت تعبئته ضد اليسار الأفغاني باسم الإلحاد والكفر قبل تشكيل مكتب المجاهدين بزعامة أسامة بن لادن الذي أعقب دخول الجيش الأحمر وبالمقابل فالدولة الوطنية السورية التي تدعمها روسيا اليوم اظهرت تماسكا في وجه حرب كونية قادتها الولايات المتحدة والناتو والمجموعة الإقليمية التابعة للغرب لخمس سنوات ولم تدخر تلك الجهات المكونة لحلف العدوان العالمي جهدا ولا قدرات عسكرية او مالية او إعلامية لتصعيدها في حين ان حشد “الجهاد العالمي ” إلى سورية يكاد يكون استنفذ قدراته على التوسع بينما الحكومات المتورطة انتقلت من وهم الإسقاط إلى الاستنزاف.

2-    اظهرت الكتلة الشعبية السورية الوازنة التي تضم غالبية واضحة انحيازها للدولة الوطنية ورفضها لعصابات الإرهاب والتكفير ولواجهات العملاء طيلة السنوات الخمس المنصرمة وهذا العامل يتطور بصورة تصاعدية وتغذيه تفاعلات الأحداث التي كشفت للشعب العربي السوري حقيقة القوى التي اعتمدها حلف العدوان ونوعية السلطة التي تفرضها في مناطق سيطرتها ولابد من الأخذ بالاعتبار للبعدين الوطني والقومي في وعي الشعب السوري لجهة هوية دولته الوطنية وأثر انكشاف الدور الصهيوني في الحرب وكذلك مستوى التحضر الثقافي والاجتماعي في سورية الذي يجعل المفاضلة بين سلطة الدولة وإرهاب العصابات محسومة لدى المواطن العادي وبهذا المعنى فإن التوسع النوعي للعامل الروسي في سورية يحظى بمساندة غالبية شعبية واضحة لأنه يعزز فرص ترجيح كفة الدولة الوطنية ويسرع التخلص من ويل الإرهاب والتكفير بينما كان العكس قائما في أفغانستان.

ثانيا توقيت التدخل الروسي وهويته

1-    في المقارنة على مستوى مسار الأحداث بين أفغانستان الثمانينات وسورية اليوم نجد ان التدخل السوفياتي لدعم حكم تقدمي معزول تقلصت شعبيته وسيطرته على الأرض شكل المبادرة الهجومية التي جاءت بعدها حرب “الجهاد ” الوهابي المدعوم من الحلف الأطلسي وحكومات باكستان والسعودية ومصر وغيرها من اجرام الهيمنة الاستعمارية في العالم الإسلامي وأعطيت عنوان محاربة الشيوعية والدفاع عن الشعب الأفغاني المسلم بينما المسار الروسي في سورية معاكس كليا.

2-    تتحرك روسيا الاتحادية إلى سورية بعد خمس سنوات من الصمود السوري استهلك خلالها حلف العدوان وأداته عصابات التكفير على أرض سورية جميع الهوامش والإمكانات المتاحة للحشد وتعبئة الموارد البشرية والمادية وبصورة بات معها التوقيت ملائما لحركة هجومية لدعم دولة وطنية تحتفظ بقاعدة شعبية صلبة تضم غالبية سورية عابرة للطوائف والديانات وهي تتوسع باضطراد وتجذب مزيدا من السوريين عبر المصالحات ومن خلال استثمار القيادة السورية لتفاعلات الخبرة والتجربة المرة في بلدان النزوح ومناطق سيطرة العصابات الإرهابية.

3-    إن هوية هذه الروسيا ليست صورة الاتحاد السوفياتي ودولة العقيدة الشيوعية التي ألصقت بها صفة العداء للدين وتمت شيطنتها في نظر شعوب العالم الإسلامي منذ مطلع القرن الماضي كما أن النظرة إلى روسيا كبلد صديق تمثل قيمة مشتركة بين معظم السوريين بفضل ذاكرة الدعم السوفياتي لسورية في الصراع ضد العدوانية الصهيونية ومع وجود عشرات آلاف السوريين ممن تعلموا اللغة الروسية وتخرجوا من جامعات ومعاهد روسية وهذان عنصران رئيسيان في احتضان شعبي واسع لتصاعد الدور الروسي المرجح لكفة الدولة الوطنية ضد خطر الإرهاب .

ثالثا تعدد جبهات الإرهاب العالمي

1-    قبل ثلاثين عاما كرس التنظيم العالمي للأخوان والمؤسسة السعودية الوهابية بالشراكة مع الولايات المتحدة والناتو جميع جهود الحشد والتعبئة إلى أفغانستان وكانت الجبهة الوحيدة التي تخاض فيها الحرب وهو ما سمح بدفع عشرات الآلاف من الشباب الساخط والمتطرف من جميع بلدان العالم إلى ذلك البلد اما اليوم فتخوض شبكات التكفير الإرهابية مجموعة من المعارك دفعة واحدة وفي العديد من الدول إضافة إلى سورية وهي إن ركزت جهودها على سورية دون سواها سوف تخسر وجودها في العديد من البلدان وقيمة دراسة التوقيت الروسي انه جاء زمنيا بعد انحدار وتراجع حملات الحشد إلى سورية إثر الذروة التي بلغتها عام 2012 بينما اليوم تحظى ساحات قتال أخرى بأهمية كبرى مثل السودان واليمن وشبه الجزيرة العربية ونيجيريا وليبيا ومصر والعراق ناهيك عن آسيا الوسطى والمهاجر الأوروبية التي تمثل وجهات مفضلة للهروب والارتداد عند جموع كبيرة من مقاتلي جماعات التكفير القاعدية والداعشية متعددة الجنسيات .

2-    تواصل الدولة الوطنية السورية بنجاح حركتها لتفكيك التورط السوري في الإرهاب من خلال المصالحات وعبر متابعة العمل على مشروعها للمصالحة المحلية وفي مناخ استعدادها المبكر للحوار مع المعارضة الوطنية وتحركها يسترد المزيد من السوريين المتورطين في صفوف العصابات التكفيرية الإرهابية التي باتت العناصر الاجنبية والخليجية تمثل غالبية وازنة في هياكلها القيادية مما يعزز نزعة العزوف الشعبي عن دعمها او احتضانها في المناطق السورية التي تسيطر عليها فصائل الإرهاب والتطرف بينما الواجهات السياسية المفككة والعاجزة تعيش عزلة واسعة وفضيحة سياسية امام الراي العام السوري ويعود جانب كبير من الفضل في تظهير تلك الحقائق إلى الذكاء الاستراتيجي للرئيس الأسد ومبادراته المتلاحقة منذ اندلاع الاحداث في سورية وتجاوبه مع جميع المبادرات السياسية التي انتهت إلى تكريس تلك الصورة امام مواطنيه الذين حرص على اخراجهم من تأثير الدعاية المضللة وآلتها الجبارة عالميا وإقليميا وهذه العوامل ليست وحدها التي تقود إلى ترجيح فرص انتصار الدولة السورية والخيار الروسي الاستراتيجي الذي غير قواعد الصراع العالمي وللبحث صلة غدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى