بقلم غالب قنديل

دوافع بوتين – 2

poteen9

غالب قنديل

الأهداف المبدئية والواقعية الدافعة استراتيجيا لقرار الرئيس فلاديمير بوتين كما بينا آنفا تتحدد في العناوين التالية :

1 – تعجيل وضع خاتمة للعدوان على سورية من موقع الشراكة مع الرئيس بشار الأسد والدولة الوطنية السورية في التحالف الدولي الإقليمي المناهض للهيمنة الأحادية الأميركية الذي تقوده روسيا مع شركائها في الصين وإيران ومجموعة البريكس ومنظمة شانغهاي.

2- تصويب مسار الحرب على الإرهاب باتجاه حسم المعركة ضد الإرهاب بعد فشل حملة اوباما وانكشافها كخيار يهدف لاحتواء الإرهاب بدلا من سحقه ولابتزاز الجمهورية العربية السورية والنيل من استقلالها الوطني وسيادتها التي يجسدها رفض الرئيس الأسد لجميع التدخلات والضغوط الاستعمارية الصهيونية في سورية التي برهنت على انها حليف صلب موثوق في مقاومة حرب كونية .

3– حماية الأمن القومي الروسي والمصالح الاستراتيجية الروسية في حوض المتوسط والقضاء على خطر ارتداد الإرهاب الداعشي والقاعدي والأخواني الذي يهدد روسيا ومجموعة الدول المستقلة الآسيوية إنطلاقا من المهد السوري حيث حشده الغرب الاستعماري إليها برهانات فاشلة على إسقاط سورية وباستثمار مستقبلي محتمل لرد هذا الإرهاب وإعادة توجيهه لاستنزاف روسيا وإيران والصين ضمن عقيدة عرقلة نهوض القوى العالمية المنافسة .

4- فرض امر واقع جديد على الأرض تتيح توازناته المتغيرة بقوة الحضور الروسي المباشر إلزام الولايات المتحدة والغرب بسد منافذ دعم الإرهاب وتمويله وتسليحه ومده بشريا بالمقاتلين من الحدود السورية مع تركيا والأردن عبر التعجيل بتطبيق القرارات الدولية التي يعطلها الأميركيون وهذا ما يتوقع المراقبون والخبراء ان يكون جزءا من كلمة بوتين المرتقبة في نيويورك .

5- لجم التدخلين التركي والصهيوني في سورية مباشرة وعبر استخدام العصابات الإرهابية لاستنزاف الدولة الوطنية السورية وحلفائها الأوفياء الذين يقفون معها وفي المقدمة روسيا وإيران وحزب الله والصين.

اما الأهداف الأخرى لمبادرة بوتين فهي التالية :

أولا تطوير البناء السياسي والاستراتيجي الروسي على صمود سورية في تعظيم وتظهير دور روسيا المحوري في المعادلات الدولية الجديدة وهذا مسار انطلق في خريف عام 2011 بالفيتو الروسي الصيني المزدوج الذي منع الولايات المتحدة من غزو سورية تحت غطاء مجلس الأمن الدولي واستكمل بتسوية الكيماوي التي شكلت الإطار السياسي المتقن الذي رسمه الرئيسان بوتين والأسد لاحتواء تراجع الإدارة الأميركية عن قرار ضرب سورية بنتيجة اختبار معادلات الردع التي ظهرت بخطوات مدروسة في آب وأيلول 2013 انطلاقا من إرادة القتال السورية وحضور إيران البحري وإنذاراتها الجوية والصاروخية ضد المواقع والمصالح الأميركية والغربية وضد الكيان الصهيوني ومن خطوة روسيا الجريئة بالتنسيق مع سورية في اعتراض الصواريخ الباليستية الاختبارية التي اطلقها الأميركيون وتدميرها في حوض المتوسط وفي ظل جاهزية حزب الله للقتال دفاعا عن سورية على أرضها ومن لبنان واحتمالات إشعال جبهة ممتدة من المثلث الأردني إلى رأس الناقورة مرورا بجبهة الجولان وبما يعنيه ذلك من تهديد وجودي للكيان الصهيوني تحدث عنه الخبراء الغربيون والصهاينة رغم صمت قيادة حزب الله الذي كان لغزا محيرا لواشنطن وباريس ولندن وتل أبيب أشد فاعلية من أي إنذار معلن فقد ظل السؤال عن موقف السيد حسن نصرالله آنذاك مصدرا لحيرة غرف العمليات الاستعمارية والصهيونية منذ حشد أوباما للأساطيل الأميركية لتنفيذ تهديده بضرب سورية في صيف 2013 .

ثانيا استثمار التحول الدولي الكبير المتمثل بالاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وهو إنجاز ثمين لجميع الدول المناهضة للهيمنة الأحادية الأميركية شاركت فيه روسيا والصين عن قرب من موقع التحالف والشراكة مع الجمهورية الإسلامية وحيث توظف إيران الأثر السياسي والاقتصادي لانتصارها في تسريع انعطاف وتكيف المواقف الغربية من الوضع السوري وهو ما بينته تصريحات الحكومات الغربية المتهافتة إلى طهران على أبواب اكتمال دورة رفع العقوبات وفك قيود الحصار عن الاقتصاد الإيراني وحيث تمثل الشراكة الروسية الإيرانية الوثيقة في دعم الجمهورية العربية السورية تجسيدا لتحالف استراتيجي قابل للتطور خلافا لما يروجه الغرب عن تنافس وتجاذب بين القوتين على أرض سورية فالعلاقة السورية الإيرانية مع إيران توثقت وتعمقت في العقود الماضية بالتوازي مع تحالف الدولة السورية الوطنية العلمانية مع روسيا السوفياتية الشيوعية وكذلك اليوم مع روسيا الرأسمالية بقيادة بوتين ويمكن للقيادة السورية مع تعظيم الدعم الروسي ان تعطل المحاولات الرجعية والاستعمارية للطعن بحقيقة حربها على الإرهاب بالتحالف مع إيران عبر السعي السعودي الأميركي والغربي والتركي لتشويهها بالأكاذيب والخرافات المذهبية والمبادرة الروسية ترسخ الطابع الوطني للمقاومة السورية ضد العدوان الاستعماري وتعزز الصورة الحقيقية للدعم الإيراني لسورية بوصفه شراكة عنوانها مناهضة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وليس كما تقول الدعاية الاستعمارية الصهيونية انخراطا في صراع مذهبي مزعوم على مساحة المنطقة وهذا امر حاسم ومفيد لكل من روسيا وسورية وإيران وللمنطقة وشعوبها.

ثالثا تقديم النموذج الاستراتيجي والعلمي لطريق مواجهة خطر ارتداد الإرهاب وتدفق النزوح اللذين يقضان مضاجع قادة الغرب من خلال تحالف ميداني يقاتل الإرهاب في سورية والمنطقة يضم الحكومات والقوى الجدية والحازمة في مجابهة مصدر الأخطار خصوصا مع فرصة توسع الحلف المتبلور في الميدان السوري نحو كل من العراق ومصر واليمن لاحقا وهذا ما يوليه الرئيس فلاديمير بوتين اهتماما خاصا في اتصالاته وتحركاته منذ أشهر وتدلل عليه تصريحاته واستقبالاته المكثفة لرؤساء وقادة من دول المنطقة وبما في ذلك فتحه بالتنسيق مع إيران لفرص التواصل الممكن مع المملكة السعودية وحكومات الخليج المتورطة في العدوان على سورية والواجفة من انتصار إيران ومن انتهاء وظيفتها الأميركية والغربية التي انطلقت مع انتصار الثورة الإيرانية وشارفت على نهايتها لتثير ارتباكات كثيرة وقلقا غير مسبوق في تاريخ هذه الدول المضعضة من خطر الإرهاب الظاهر داخلها ومن تغير بيئتها الإقليمية خصوصا بعد التورط السعودي في المستنقع اليمني .

رابعا التعجيل بفرض وقائع يصعب الارتداد عليها قبل نهاية ولاية الرئيس اوباما والانتخابات الرئاسية الأميركية فالرئيس بوتين ومن موقعه يدرك جيدا حجم محاولات اليمين الأميركي والمحافظين الجدد لتحويل المعركة الرئاسية الجمهورية إلى فرصة محتملة لإحياء المغامرات الاستعمارية الأميركية العدوانية وبروز دعوات معلنة ومفضوحة للتورط في تصعيد عسكري واسع مباشرة وبالواسطة في اكثر من مكان في العالم وبالتحديد استهداف روسيا كأولوية استراتيجية وبواسطة الإرهاب المتشكل في المختبر السوري وتعرف روسيا بدقة ان هذا المبدأ طبقه الأميركيون بإعادة تصدير المحاربين الشيشان من الميدان الأفغاني بواسطة شبكة القاعدة التي شكلها زبيغنيو بريجنسكي وبندر بن سلطان تحت عنوان مكتب المجاهدين ضد الجيش الأحمر وبالتالي فالتوقيت الذي قررت فيه روسيا مبادرتها مدروس على إيقاع النقاشات الاستراتيجية الجارية في قلب المؤسسة الحاكمة الأميركية حول المرحلة المبقلة وبعد انتخاب رئيس جديد من المرجح ان يكون من اليمين الجمهوري ومن شأن تعجيل إيقاع الحسم ضد الإرهاب في سورية والعراق ان يعدم فرص إعادة التوجيه او يحد من خطورتها على الأقل وهو موضوع امن قومي روسي كذلك لمن يرغب بالفهم والتحليل العقلاني .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى