بقلم غالب قنديل

لبنان : حكم المافيا المتوحشة

nifayat1

غالب قنديل

شكلت أزمة النفايات تعبيرا صاخبا عن حقيقة ديكتاتورية المافيا اللصوصية المتوحشة التي تحكم لبنان وتسيطر على كل شيء منذ اتفاق الطائف ولمن يمحص قليلا تظهر ذات الوجوه والأسماء في جميع الملفات وليس النفايات وحدها فالمافيا تتقاسم الشاردة والواردة وهي التي تعمل في خدمة الاحتكارات المصرفية والمالية التي تتحكم بالدين العام ومالية الخزينة وهي التي خصخصت جباية الكهرباء وتقاسمتها وتسعى لتمرير خصخصة محطات الإنتاج الكهربائية وخطوط النقل والتغذية لتتقاسمها وهي التي تقاسمت جبنة الهاتف الخلوي وتتسابق على مناقصاتها مجددا .

إنها المافيا التي شبكتها وكونتها الحريرية منذ اتفاق الطائف ووهبت أركانها أسهما مجانية في سوليدير رشوة لتمرير مصادرة حقوق المالكين والمستأجرين في وسط بيروت واغتصابها بقوة القانون وهي المافيا التي تاجرت بسندات الخزينة وغطت ولا تزال تغطي تراكم الدين العام الذي اكل الخضر واليابس في البلد بورم الفوائد الربوية التي جنتها بنوك الحريرية وهي المافيا التي سعت إلى خصخصة الضمان الاجتماعي وتعميم سياسة اليد المرفوعة عن التقديمات والخدمات وهي المافيا التي تعمل في خدمة حيتان الطغمة المالية العقارية المهيمنة.

المافيا المتوحشة التي تشارك إسرائيل في السر والعلن وشركات رأسمالها صهيوني وتجلبها إلى البلد وتقدم لها واجهات وتغطيات لتدخلها في المناقصات هذه المافيا هي الحزب الواحد الحاكم الذي يديرالتحكم بكل شاردة وواردة في حياة اللبنانيين وهي تحتمي بالعصبيات الطائفية فتستنفرها لمنع تجذر المزاج الشعبي في زمن الأزمات وتمنع بقوة الطائفية والمذهبية أي مساءلة أو محاسبة بتحويل لصوصها أبطالا لطوائفهم ومذاهبهم يحظر التعرض لهم بالمساءلة والمحاسبة تحت القانون .

هي مافيا سوليدير وسوكلين والسيليلور والآتي في قائمة الشركات المتوحشة التي يعدونها بالتهام كل ما تبقى من وجوه الحياة في البلاد أعظم وأدهى ، هي المافيا التي تفرض قانونا انتخابيا بالنظام الأكثري وتقسيما للدوائر الانتخابية يعيد إنتاج سلطتها وحين تخاف قيادتها الحريرية من الانتخابات يتم تأجيلها ويمدد للمجلس النيابي لسنوات بألف ذريعة أمنية وسياسية وهي المافيا التي رعت الإرهاب وادعت محاربته لما تصدى له الجيش والمقاومة وهي التي طعنت المقاومة في ظهرها وانكرت انتصارها وهي المافيا التي استقوت بسوريا ثم انقلبت عليها لحساب أميركا والسعودية وإسرائيل.

أزمة النفايات ببساطة ناتجة عن اختلاف في صفوف المافيا التي عطلت أي معالجة وطنية شاملة لهذا الملف ونهبت اموال البلديات وتقاسمت أرباح سوكلين والقصة المتداولة مؤخرا تقول إن نزاعا بين جناح فؤاد السنيورة في المافيا وهو إدارة سوكلين وكل من جناح جنبلاط وولديه وشريكهم رياض الأسعد وجناح احمد الحريري خلف جهاد العرب وبفعل هذا الخلاف اوقفت سوكلين جمع النفايات وأغرقت البلاد بالروائح والجراثيم لتبتز الناس ولتعجل في حسم تناهش الذئاب لحساب جناح السنيورة بتمديد العقد .

اللبنانيون يتعاملون مع النتائج كالعادة ويصبح لديهم هم التخلص من النفايات بأي ثمن هو الأولوية وليس التدقيق في العقود وفضح السرقات ومحاسبة اللصوص فالرأي العام بات مدجنا وإن تمرد سرعان ما يخمده الخطاب المذهبي الذي تحرك المافيا أوتاده وتعممه بواسطة إعلام المحاصصة الذي تقاسمت تراخيصه ومنعت محاسبته على تلقي المال من الخارج وعلى خرق القواعد القانونية واستباحة جميع الأطر الناظمة وحمت ترويجه للتكفير والإرهاب على حساب الكرامة الوطنية والأمن الوطني وشرف المؤسسة العسكرية الوطنية.

في بلد طبيعي وظروف طبيعية تصبح الانقلابات البونابرتية او الثورة الشعبية هي الحل لكن في لبنان الذي غلبته العصبيات الطائفية والمذهبية وأغرقته الأزمات تربض المافيا اللصوصية المتوحشة على صدورالناس الذين يسهم في ترويضهم طاقم خاص من الكتاب ومنتحلي الثقافة والإعلام يسبحون بحمد اللصوص ويرفلون بعطاياهم ليؤبدوا سلطانهم الملوث بدماء الفقراء والبسطاء وبينما تتحول النخب المتعلمة إلى جيش الاغتراب الطويل في بلاد الله الواسعة يبقى القليل من مقاومي العفن في وجه طوابير المرتزقة والمتنفعين والأزلام الذي يكررون كل يوم في مقالاتهم وخطبهم حكايات الفاخوري وأذن الجرة .

ليس الوضع يائسا ومسدودا إلى درجة العقم لكن زحزحة الصخور الثقيلة عن الأدمغة والإرادات عملية صعبة تحتاج الكثير من الحفر والصبر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى