بقلم غالب قنديل

اتفاق فيينا والارتباك السعودي

irann

غالب قنديل

يعيش الإعلام السعودي حالة من الاضطراب بعد اتفاق فيينا تعكس قلقا كبيرا في دوائر القرار التي تجدد عزمها على مواصلة حروبها في اليمن وسوريا خصوصا بينما تعمل على ترميم علاقاتها بالتنظيم العالمي للأخوان المسلمين في المنطقة باستقبال وفود قيادية تزور الرياض ويتواصل دعمها لجماعات الإرهاب والتكفير العابرة للحدود على الرغم من تعاظم مخاطر ارتدادها داخل المملكة الحاضنة لمواردها الفكرية والعقائدية والمالية في آن معا ويسير ذلك كله في خط متصل بعملية التنسيق الجارية مع الكيان الصهيوني تحت مظلة التصدي للتهديد الإيراني المزعوم.

أولا يكرر الإعلام السعودي مقولة نتنياهو واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة عن كون تفاهمات فيينا بما تضمنته من إفراج عن الودائع المجمدة سوف تتيح للقيادة الإيرانية فائضا ماليا يوسع من قدرتها على دعم الحلفاء في الساحات الإقليمية المشتعلة وهو ما يعني مضاعفة قدرات القوى المنضوية في محور المقاومة وهذه حقيقة ناتجة عن الجوهر السياسي لاتفاق إيران مع المجموعة الدولية حيث تمسكت إيران بثوابتها ومبادئها ورفضت التخلي عن تحالفاتها وهو ما يثبت مصداقية الموقف الإيراني الذي رفض منذ البداية البحث بأي بند خارج الملف النووي .

الأهم في ذلك كله هو ان إيران رفضت الاعتراف بالكيان الصهيوني كشرط للتفاهم النووي كما رفضت تضمين الاتفاق أي التزامات او تعهدات تتعلق بأمن الكيان الصهيوني لا في الوقت الحاضر ولا مستقبلا وهذا الأمر الذي يطمسه الإعلام السعودي هو العلامة الفارقة والفاصلة في تفاهمات فيينا وهي علامة فاضحة لسلوك الرجعيات العربية المتهالكة على التعامل مع الكيان الصهيوني منذ امد بعيد والتي وجد بعضها كالمملكة السعودية في صعود قوة إيران ذريعة لتصعيد الالتصاق بالكيان الصهيوني ولتطوير الشراكة معه في رعاية عصابات التوحش التكفيري في سوريا كما تظهر يوميات العدوان على جبهة الجولان وقرب الحدود مع الأردن بينما ادارت قيادة المملكة ظهرها لنداءات إيران وسوريا إلى توحيد الجهود في مقاومة إسرائيل وتعزيز القدرات العربية الرادعة للعدوانية الصهيونية بوصفها مصدر التهديد الرئيسي لجميع شعوب المنطقة وخطرا وجوديا على العرب.

ثانيا تطرح الحملات الإعلامية السعودية بصدد الاتفاق رهانات وافتراضات محورها التعويل على اللوبي الصهيوني وضغوطه في الكونغرس لعرقلة الاتفاق وهي تتبنى ما تعممه دوائر هذا اللوبي عن حتمية مواجهة خطر القنبلة النووية الإيرانية التي يؤجلها الاتفاق ولا يمنعها كما يقول أصحاب هذا الخطاب وطبعا يحاذر الإعلام السعودي في هذا المجال تظهير الحقيقة التي يثبتها هذا المنطق نفسه وهي صلابة الموقف الإيراني وبراعة المفاوض الإيراني بينما السيد الأميركي والغربي الذي يرفع إلى مرتبة السلطان الأعلى والمطلق على العالم في المنطق السعودي يبدو عاجزا ومستسلما رغم كل ما بذله من جهود كانت المملكة في صدارتها لتطويق إيران ولشيطنتها ولاستنزافها منذ فجر الثورة والزج بجيش العراق في حرب السنوات الثماني وصولا إلى الاحتلال الأميركي للعراق برعاية سعودية مالية وسياسية وبعد كل ما شهدت العقود الماضية من حروب إسرائيلية بقيادة اميركية ، كل ذلك لم يعرقل صعود القوة الإيرانية وامتلاك إيران لبرنامج نووي وطني ركيزته القوة البشرية العلمية والهندسية المؤهلة تقنيا وليس الأموال التي تتيح شراء أي شيء في العالم المعاصر.

الثروة الحقيقية التي ثابرت إيران على التمسك بها في مفاوضاتها النووية هي تلك القوة العلمية والتقنية المؤهلة التي تضم جيشا من المهندسات والمهندسين والعلماء والخبراء والباحثين المكون مما يزيد على ربع مليون إمرأة ورجل كما تفيد مراكز التخطيط الأميركية وهؤلاء سوف يضعون جهودهم بعد الاتفاق في إنتاج الطاقة النووية السلمية التي ستصبح عملية تسويقها من أهم موارد القوة الإيرانية في العقود المقبلة وهي رافعة الثورة الصناعية المتقدمة للبلاد وهذا الجانب يشكل احد أهم عناصر التفوق الإيراني على الدول العربية الدائرة في الفلك الغربي والخاضعة للهيمنة تتقدمها المملكة السعودية التي تستورد الكثير من احتياجاتها وهي أبعد ما تكون عن الثورة التقنية والصناعية التي تخوضها إيران بقدراتها الذاتية المتقدمة رغم الحصار والضغوط الاستعمارية فيما تكرس المملكة الكثير من جهودها ومواردها في تطوير حملات التكفير والتوحش وتصنيع عقائد الإرهاب وابتداع الخطب الخادمة للهيمنة الاستعمارية الصهيونية في المنطقة.

ثالثا يتجاهل الإعلام السعودي معنى ومغزى التهافت الغربي على زيارة إيران وتطبيع العلاقات معها سياسيا واقتصاديا وما برز من مواقف في هذا الاتجاه على مسافة ساعات بعد اتفاق فيينا ومن دول كفرنسا التي اركن القادة السعوديون إلى دورها المتعنت في المفاوضات النووية ودفعوا غاليا ثمن التصريحات التي صدرت عن الرئيس الفرنسي وعن وزير الخارجية فالحقيقة الباقية هي توسل باريس إلى طهران عدم إهمال عروض وملفات الشركات الفرنسية انتقاما من تلك المواقف السياسية اما اللهفة الألمانية والبريطانية على العلاقة مع إيران فهي تحصيل الحاصل امام شهية الشركات الأميركية التي حملتها وفود جرارة سبقت إعلان فيينا وذلك يجري في حين استهلكت المملكة قدرات كثيرة في طلب الود الغربي لتأخير تلك الساعة التي تحكمها المصالح وحيث السوق الواعدة تبدو اشد فتنة من السوق السعودية المستنفذة وحساب الرساميل الغربية لا يضيع البوصلة فالوجهة إلى طهران تغلب أي اتجاه آخر وحتى إشعار آخر.

تجاهل الحقائق ورفض التكيف معها يعكس عجزا عن أخذ العبر من أخطاء الماضي والتعنت لا يخدم سوى استمرار التوظيف الأميركي الصهيوني للموقف والقدرات السعودية في مواصلة استنزاف المنطقة بواسطة التحالف الصهيوني التكفيري وهذا رهان سيؤخر انبثاق التغييرات القادمة لكنه لن يحول دونها كما تبين في معركة إيران لفرض الاعتراف بحقوقها النووية فالمراوغة والحصار والعقوبات والحملات السياسية والإعلامية أخرت الحدث لسنوات كلفت المنطقة وشعوبها الكثير ومن ثم كانت النتيجة ذاتها ورضخ الغرب بكل جبروته المتخيل … ولكن هذه المرة ستكون الكلفة السعودية اكبر من السابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى