بقلم غالب قنديل

الدور السعودي في لبنان

p04 20070818 pic1

غالب قنديل

أشاع معظم الساسة اللبنانيين منذ ما قبل الحقبة الحريرية صورة “فاعل الخير” عن دور المملكة السعودية وحضورها في لبنان ونزههوها عن الأغراض والأهداف الخاصة وصار “فاعل الخير” السعودي هو المتبرع بالمساعدة والدعم وهو السائح السخي الذي يقصد لبنان للتنزه في الصيف والشتاء وينثر امواله او ينقل ودائعه ” لدعم الاقتصاد اللبناني “.

أولا هذه الصورة الزائفة التي عممها النادي السياسي التقليدي منذ عهد الاستقلال اخفت على الرأي العام حقيقة بديهية عن المملكة الدولة الفاعلة والرئيسية التي تشكل قوة مهمة في منظومة الهيمنة الغربية على المنطقة ولديها ارتباطات مباشرة والتزامات اتجاه الولايات المتحدة الأميركية وضمنا اتجاه إسرائيل تترجمها عبرسياسات وخطط ومواقف تسخر في خدمتها جميع ما لديها من علاقات وشبكات داخل المنطقة كما لديها كسواها جهاز استخبارات وعملاء ومخبرون في لبنان وقد شكل الحضور السعودي الكبير في الإعلام اللبناني من خلال المنح المالية المشروطة بأجندات سياسية ميزة ملازمة لتاريخ لبنان المعاصر طيلة العقود السبعة الماضية وكان بعض هذا الإعلام ساحة الاشتباك السعودي مع الزعيم جمال عبد الناصر ولم تقطع حملاته على سوريا تدفق المال السعودي في عز التفاهمات بين الرياض ودمشق كما كان العديد من الساسة المرتبطين بالمملكة يعبرون على الدوام عن أصداء مواقفها وخياراتها داخل الواقع السياسي اللبناني خصوصا في مسائل الصراع العربي الصهيوني وعبر التحريض ضد خيار المقاومة مبكرا وقبل الثورة الإيرانية او انبثاق حزب الله وبالترويج لحتمية الاستسلام وتجميل محاسن الرضوخ للشروط الأميركية الإسرائيلية وما يسمى بمشاريع السلام ولطالما أسند إلى “أصدقاء” المملكة في لبنان من ساسة وإعلاميين دور المجاهرة الصريحة بما تبطنه الرياض من مواقف حادة وهجومية او عدائية هنا او هناك عندما تكون المملكة محرجة لدواعي حساباتها ومناوراتها وعلاقاتها.

ثانيا تميزت الحقبة الحريرية بتطور جديد هو دخول السعودية مباشرة وعبر الوكيل المحلي الفاعل والحصري غالبا كقوة اقتصادية وسياسية رئيسية في معادلات الداخل اللبناني وهو ما ارتبط بتوسع نمط الاستخدام السعودي في السياسة والإعلام والاستخبارات وحيث تتواجد في السفارة السعودية منذ أعوام غرف تخطيط وإدارة لشبكات سياسية وإعلامية وامنية ( كما تكشف في أيار 2008 عندما قاد السفير السعودي إجلاء بحريا لوحدة المخابرات التي عملت في ميليشيات المستقبل ) ومنذ عقود يجري تحريك شبكات المملكة في حملات سياسية وإعلامية وانشطة داخل لبنان وفقا لأجندة مرسومة في الرياض تبعا للتحولات والظروف وفي هذا السياق نشأ الحضن المالي والسياسي اللبناني الذي أقيم برعاية سعودية قطرية للجماعات الإرهابية التي أعدت للحرب على سوريا وتمت إدارة الحملات الإعلامية والسياسية التي شنت ضد الدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد انطلاقا من لبنان وغير بعيد عن ذلك نشأت شبكات النهب والمتاجرة بأوجاع النازحين وبالشراكة مع بعض الحملات السعودية التي ترفع الشعار الإنساني وتعمل في دعم القوى التكفيرية الإرهابية كما فعلت في أفغانستان قبل ثلاثين عاما أي في سنوات النوم مع الشيطان التي وصفها روبرت باير بالوقائع وترجمنا ونشرنا فصولا رئيسية من كتابه أعيد نشرها في مئات المواقع وهو ما يساهم اليوم في فضح الدور التاريخي للمملكة في بناء شبكات التكفير القاعدية بالتعاون مع الولايات المتحدة.

ثالثا برؤيتنا وبفهمنا العلمي المنهجي تصدينا منذ عقود لفضح موقع المملكة الرجعي ودورها المحوري ضمن الحلف الاستعماري وادواته الرئيسية في المنطقة ونقاشنا مع مفردات السياسة السعودية طيلة هذه السنوات هو تعبير عن هذه القراءة وعندما كان زملاء كثيرون يلعبون ألعابا اخرى كثيرة ويقيمون حسابات معينة ويترددون في قول الحقيقة بل ولطالما عضوا على شفاههم لإسكاتنا عن مواقفنا ونعتونا بالتطرف وربما بالحماقة وبعدم العقلانية كما فعلوا في تناول مواقفنا من الحريرية ومشروعها الاقتصادي السياسي الذي عارضناه وانتقدناه منذ البداية بمعايير علمية وبعيدا عن ابتذال الشتائم ولم يستطع أي من مروجي ذلك المشروع والمدافعين عنه ان يجادل وبالمنطق في صحة طروحاتنا وأفكارنا.

التحية لقائد المقاومة السيد حسن نصرالله الذي حرر الخطاب السياسي العربي من أخطر المحرمات على الرغم من اعتقادنا الكلي بمشروعية اتخاذ قيادة المقاومة ومن موقعها سلوكا متحفظا في التعبير عن موقفها وتقييمها الفعلي للسياسة السعودية ولدورها ولاكتفائها بلغة المطالبة والمناشدة احيانا في التصدي لذلك ولكن قسوة الصمت المضروب منذ العدوان على اليمن وفي ظل تمادي العدوان على سوريا دفعت السيد نصرالله لكسر الجدار وهو كان كالعادة مقداما وشجاعا وطليعيا كما يليق بالقادة الكبار.

وثائق ويكيليكس تؤكد المؤكد لكل من راجعوا حساباتهم أخيرا وأسقطوا غلالة المسايرة في التعامل مع الدور السعودي الذي عرفناه وكشفناه منذ سبعينيات القرن الماضي وكرسنا لفضحه جهدا فكريا وسياسيا نواصله اليوم وفي كل يوم طالما جهود الرياض مكرسة لإدارة حرب ضروس على كل نسمة تحرر وكرامة وعدالة في بلاد العرب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى