بقلم غالب قنديل

أبعاد التصعيد الأميركي

usa saudi

غالب قنديل

مخطيء وواهم من يظن ان الولايات المتحدة ليست هي من يقف خلف الحرب العدوانية على اليمن وليست صاحبة الإمرة في جولة التصعيد الواسع في سوريا وفي الحربين يجب البحث عن اهداف الولايات المتحدة لفهم حقيقة ما يجري.

اولا يظهر القليل من التبصر وهن فرضيات يرددها بعض الكتاب والمعلقين بصدد قدرة الحكومات الإقليمية المتورطة مباشرة في حربين إقليميتين كبيرتين على اتخاذ القرار والمبادرة خارج المشيئة الأميركية من غير ان نتجاهل التعارضات العارضة والعنعنات الظاهرة في بعض التفاصيل كمثل الموقف من تصريح هنا او هناك للرئيس الأميركي باراك اوباما او تغيب الملك السعودي المعلن حتى الساعة عن قمة كمب ديفيد التي اناب عنه فيها ولي عهده محمد بن نايف مدلل واشنطن وولده المدلل وزير الدفاع الذي قد يكون مفاوضا أسهل في تلبية شهية المسؤولين الأميركيين لحلب الخزائن السعودية عبر صفقات سلاح جديدة وضخمة بذريعة الخوف من إيران بعد الاتفاق النووي.

لقد أتقنت الولايات المتحدة صنع المخاوف واستثمارها وهي ضخمت اخطارا مزعومة منسوبة لإيران التي لم تعرض على جيرانها سوى التفاهم والتعاون منذ ستة وثلاثين عاما وحصدت الولايات المتحدة بفضل هذا النهج ومعها فرنسا وبريطانيا آلاف مليارات الدولارات في صفقات السلاح دون ان تخدش مرة واحدة هندسة التوازن المريح لإسرائيل حيث رفضت دول الغرب تسليم حلفائها أي سلاح متطور يزعج التفوق الإسرائيلي خشية تمرد داخلي يضع السلاح بيد خصوم إسرائيل كما حصل مع نظلم الشاه رغم الثقة العالية بولائه وبدوره الخادم للمحور الأميركي الإسرائيلي في المنطقة كما هي حال حكومات الخليج الذاهبة إلى التناغم مع تل أبيب في السر والعلن دون ان يتيح ذلك تسليمها طائرات اميركية حديثة الطراز سيقودها طيارون اميركيون على الأغلب إذا تم تسليمها كما حصل في صفقة الأواكس الشهيرة خلال حرب الخليج .

ثانيا التصعيد في سوريا وإدامة الحرب العدوانية على اليمن ضمن حدود عدم المغامرة بمصير المملكة السعودية هو مدخل سياسي واستراتيجي لفرض تماسك مشهدي لتحالف الحكومات الدائرة في الفللك الغربي على رأسها دول مجلس التعاون بقيادة السعودية ومنع تصدعها أوتفككها بعد زوال الحظر الأميركي والغربي عن التعامل مع إيران .

الرعاية الأميركية لحربي اليمن وسوريا اكثر من تفصيلية وأشد وضوحا في مسارات العدوان الذي شكل مناسبة ثمينة لبيع المزيد من الأسلحة والخدمات ولنفخ عضلات المملكة السعودية إقليميا ولو بصورة مصطنعة تكذبها وقائع الميدان فالتهديد والوعيد الصادر ليل نهارعن قادة المملكة وفي إعلام آل سعود ضد سوريا وحزب الله وضد القوى الوطنية اليمنية يفضح رهانا تكذبه وقائع كثيرة لكن لا يمكن التنكر لحقيقة ان المملكة السعودية تقود بإشراف اميركي استنزافا شاملا لمعسكر القوى المناهضة للهيمنة الاستعمارية في المنطقة بواسطة جماعات القاعدة في العراق وسوريا وبالتنسيق مع حكومة أردوغان وعبر قواتها والمرتبطين بها على أرض اليمن .

في سوريا يقرر التوازن مصير محور المقاومة ومعادلات الردع التي تكبل القوة الإسرائيلية وفي اليمن يقرر التوازن مستقبل الممرات والمضائق الاستراتيجية ومصير معادلات دول الخليج من الداخل وفي هاتين الحربين فصائل القاعدة هي القوة البرية المستخدمة وهي في سوريا تسمى قوات المعارضة وفي اليمن تدعى قوات القبائل وأنصار منصور هادي وفي المطرحين كذب وتسويق اكاذيب.

ثالثا التصعيد الأميركي يهدف إلى استباق أي تحولات لصالح محور المقاومة ما بعد الاتفاق النووي عبر تطويق فرص تصاعد قدرات إيران وحلفائها على النحو الذي يحمل انعكاسات ونتائج مكلفة لإسرائيل فكلما تأخر انتصار سوريا والرئيس بشار الأسد وتمت عرقلة مسار استقلال اليمن عن الهيمنة السعودية اتسع الهامش الزمني الذي تقتضيه إعادة ترتيب التوازنات للحد من الخسائر الأميركية والإسرائيلية والبديهي ان الولايات المتحدة ذاهبة إلى الاعتراف بالقوة الإيرانية التي فشلت جميع محاولات عرقلتها او النيل منها لكن ذلك لا يعني أبدا إخلاء المنطقة لها ولحلفائها .

التحدي الأميركي في المنطقة أشمل من الموضوع الإيراني وأعمق فهو فعليا يرتبط عضويا بمستقبل التوازنات العالمية ولذلك يشمل التصعيد الأميركي حرب اوكرانيا وتحريك القاعدة نحو آسيا الوسطى والخطط الأميركية هناك تستهدف استنزاف روسيا والصين وإيران معا.

يتخيل كثيرون ان توقيع الاتفاق النهائي حول النووي سيكون نقطة انطلاق أكيدة إلى تسويات بالجملة والحقيقة ان ذلك سيبقى رهنا بتبلور توازنات قاهرة ترغم الولايات المتحدة على التراجع ومن هنا فالعلامة على الرضوخ الأميركي في سوريا ستكون مباشرة تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تعاقب حكومات تركيا والسعودية وقطر والأردن وإسرائيل على كل ما تقدمه لجناحي القاعدة من مال وسلاح وتسهيلات وفي اليمن سيكون المؤشر هو رفع الحصار عن شعب يمنع عنه الدواء والغذاء بينما يستباح لقنابل آل سعود بهدف كسر إرادته والسؤال هل تملك روسيا وإيران والصين وسوريا والمقاومة اليمنية والمقاومة اللبنانية خطة لبلوغ تلك النتيجة في الجبهتين وصنع انتصار واضح على العدوان الاستعماري الصهيوني ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى