بقلم غالب قنديل

لا تحكموا لبنان بزلاتكم

s3odeyye nafet

غالب قنديل

اللغة التي يتحدث بها بعض السياسيين اللبنانيين عن المملكة السعودية تنتمي إلى ذاكرة تسول ودونية لا تليق بأي مواطن وبالأحرى بأي رجل دولة في العالم وهي تناقض أبسط معايير الكرامة الوطنية لشدة ما تحمل من الاستخذاء والتذلل والتذكير بالعطايا التي نالها محظيون ولم تبلغ الفقراء والبسطاء المنسوبين إلى مواقع النفوذ بتحريض العصبيات.

أولا من حق أي سياسي ان يعبر عن رؤيته الخاصة في الشؤون الإقليمية والدولية فيعرب عن دعمه او تعاطفه اتجاه الدولة الفلانية او العلانية لكن ما ليس من حق أي سياسي لبناني إشعار شعبه بالمذلة والتمنين الذي لا حد له كلما ورد على لسانه ذكر المملكة السعودية التي هي دولة فاعلة في المنطقة لها مصالحها وخططها وليست جمعية خيرية لا تبغي الربح المادي او المعنوي كما يصورها رهط من الساسة اللبنانيين يمتهنون كرامة شعبهم جهارا بتصويره واقفا على أبواب الأمراء يتسول أسباب العيش .

للمملكة السعودية سياستها وهي تضع في خدمتها خططا للإنفاق المالي الذي ليس وسيلة لإغاثة الملهوفين والفقراء في لبنان او سواه ولم يسبق لحكومات المملكة ان أنفقت قرشا خارج سياق ما تقوم به كأي دولة ذات نفوذ توخيا لمصلحة مباشرة او غير مباشرة في خدمة نهج سياسي تميز بعلاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة وبدورانها الدائم والمستمر في فلك السياسات الغربية في المنطقة كما يجاهر قادتها منذ قيامها.

عرف الفقراء اللبنانيون خلال الحرب الأهلية سلال المساعدات التموينية التي تحمل شارة المملكة وتوقيع خادم الحرمين بينما عرفت ميليشيات شاركت في ارتكاب المجازر خلال الحرب مساعدات مالية سخية قدمتها الرياض عبر قنواتها ووظفت في حلقات عنف ومشاريع تدمير لمناطق لبنانية عديدة كانت عليها عيون الاستثمار العقاري منذ ما قبل الاجتياح الصهيوني عام 1982 كما كشف السفير عبد الله بوحبيب في وثائق ” الضوء الأصفر ” وما ورد فيها عن فواتير تدمير شرقي صيدا ووسط بيروت.

ثانيا لم تقدم المملكة أي دعم لأي من فصائل المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني بل هي دعمت انتخاب بشير الجميل ومن ثم حكم 17 أيار في لبنان وهي لم تقم مشاريع سكنية او مجمعات صناعية او زراعية لتشغيل العاطلين عن العمل في طرابلس او صيدا او عكار او البقاع بل حصرت عطاياها بالساسة الدائرين في فلكها الذين تميزوا بالبذخ الشخصي وبرمي الفتات لناخبيهم مع الوعود الانتخابية الكاذبة التي سرعان ما كانت تختفي بعد إعلان النتائج .

عندما شاركت المملكة في رعاية اتفاق الطائف سعت إلى الشراكة في النفوذ داخل لبنان مع الجمهورية العربية السورية لتوفر ضمانة للمصالح الأميركية والغربية في لبنان بعدما أفلست جميع محاولات الولايات المتحدة لمنع اندحار الاحتلال الصهيوني امام المقاومة الشعبية والعسكرية اللبنانية وبعدما سقطت مساعي الولايات المتحدة والمملكة السعودية وحلفائهما للتحكم بمضمون التسوية اللبنانية من خلال لجم المطالب الإصلاحية للقوى الوطنية اللبنانية التي أسقطت اتفاق السابع عشر من أيار في انتفاضة 6 شباط 1984 وقد شقت الطريق إلى تلك التسويات هزائم القوات الأميركية والغربية التي استقدمت إلى لبنان واصطدمت بالقوات العربية السورية غير مرة فخلصت الإدارة الأميركية في أواخر ولاية الرئيس رونالد ريغان إلى جبرية التفاهم مع الرئيس الراحل حافظ الأسد بعد الفشل الأميركي السعودي في النيل من سوريا عبر مؤامرة الأخوان المسلمين مطلع الثمانينات من القرن الماضي ويتذكر من عايشوا المخاض المفضي إلى الطائف كيف تحولت اللجان العربية للوساطة في لبنان إلى ميدان تجاذب كانت فيه المملكة قوة ضغط ضد الإصلاح السياسي وبتلك المقدمات انطلقت سيرورة اتفاق الطائف لوقف الحرب الأهلية في لبنان التي شاركت فيها المملكة من خلال وزير خارجيتها سعود الفيصل وعبر الرئيس الراحل الشيخ رفيق الحريري الذي عرف منذ الثمانينات حتى العام 1992 بلقب ” الوسيط السعودي في لبنان ” لمن يتذكر وهو لم يحقق ما حصده من نفوذ سياسي واقتصادي لولا الدعم السوري.

ثالثا حكمت مساهمات المملكة المالية في لبنان قواعد المنفعة المتبادلة والاستثمار السعودي في تسوية الطائف عبر عن نفسه بمصالح سياسية ومالية كبيرة ولم يكن مجانيا للحظة واحدة وما جنته الحريرية مع شركائها ورعاتها من امراء المملكة من حضور وزان في الاقتصاد والمصارف والعقارات والقطاع الإعلامي والإعلاني وسندات الخزينة ذات الفوائد الربوية الباهظة عرفت بعض مظاهره ومكوناته وما خفي منه حتى الساعة أعظم.

أما أسطوانة العاملين اللبنانيين في المملكة فهي وسيلة ابتزاز وإهانة لمئات آلاف اللبنانيين الذين يكدحون وينتجون ويؤدون وظائف في العجلة الاقتصادية السعودية والخليجية عموما وهم لا يجمعون الصدقات والحسنات من قصور الأمراء ولم تكن لتتاح لهم فرص العمل والإقامة لولا الحاجة إليهم وإلى خبراتهم وقدراتهم المتميزة في إدارة مرافق كثيرة وفي العديد من المهن والأعمال الخدمية والإنتاجية وهذا موضوع يرتبط بقاعدة المنافع المتبادلة مرة أخرى.

ظلت المملكة في سياستها الداعمة لصيغة حكم ما بعد الطائف إلى ان قررت الانقلاب على سوريا وشراكتها معها بناء على الطلب الأميركي وبالذات بعد احتلال العراق ورفض الرئيس بشار الأسد لطلبات الجنرال كولن باول وهكذا فرضت المملكة على لبنان وما تزال كلفة سياستها الإقليمية وحملته التبعات بتوترات وخضات عديدة وفي مثل هذه الأيام من عام 2008 كان رهط من الضباط والعسكريين السعوديين يغادر بيروت بإشراف السفير السعودي السابق عبد العزيز الخوجة بعد فشل انقلاب الخامس من أيار الذي استجلبوا لإدارته عسكريا بعد قرار حكومة السنيورة الشهير بناء على اقتراح وليد جنبلاط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى