بقلم غالب قنديل

كفى دجلا فلا مجال للاختيار

yaman kasef

غالب قنديل

ثمة فارق كبير بين التغني بالشعارات الوطنية والقومية وبالديمقراطية ورفع تلك اليافطات فوق دكان سياسي او إعلامي وبين حمل تبعة الموقف المبدئي في لحظات سياسية حرجة حيث يبرع البعض باللف والدوران والتفتيش عن الكلمات على ميزان الرضا والقبول أمام قوى غاشمة مهيمنة ومتجبرة في حالة استنفار وتوترعلى كل شاردة وواردة بسبب ما تورطت به من آثام وجرائم .

أحدثت تطورات اليمن فرزا جديا في المواقف والخيارات السياسية على امتداد الوطن العربي بعدما ألقت المملكة السعودية بثقلها السياسي والمالي واستنفرت قواها المنظورة والخفية لحشد اوسع دعم ممكن لحربها على اليمن .

اولا ما تقوم به المملكة السعودية في اليمن هو حرب إبادة ضد شعب انتفض على مخططات التقسيم والهيمنة ويكذب القائلون إن المبادرة الخليجية في اليمن كانت حلا وطنيا لأزمة سياسية داخلية فهي قامت على تيسير حكم الأخوان المسلمين وفريق سياسي مرتبط تقليديا بالمملكة السعودية يقوده آل الأحمر فقد بعده التمثيلي في المجتمع اليمني وداخل منبته القبلي.

تميزت جميع فصول المبادرة الخليجية بمحاولة إقصاء قوى يمنية وازنة واستبعادها من نصاب القرار الوطني وعن العملية الحوارية التوافقية المفترضة ورغم ذلك فقد كانت قيادات انصار الله والمؤتمر الشعبي العام وسواهما تسعى للمشاركة في جلسات الحوار وساهمت بالتوقيع على التفاهمات والاتفاقات التي جرت تباعا محاولات لحرفها من قبل الرئيس منصور هادي بقصد تمرير خطة تقسيم اليمن تحت عنوان الأقاليم وإدامة ذرائع الهيمنة السعودية الأميركية على البلاد بمساندة فصائل الإرهاب والتكفير القاعدية                  والداعشية .

الذي فجر الوضع اليمني ودفعه إلى التصادم الكبير كان الفريق المرتبط بالحلف السعودي القطري الذي مارس التهميش السياسي وسعى إلى تعزيز منظومة النهب والاستغلال عبر رفع أسعار السلع الضرورية بناء على الإملاءات الأميركية الغربية وهو التدبير الذي حرك انتفاضة أيلول سبتمبر بعنوان اجتماعي خالص وفي ظل انحلال وتهاوي مؤسسات الدولة الأمنية والسيادية فانبثقت في سياق تلك الهبة الشعبية الاجتماعية ظاهرة اللجان الثورية التي تحولت إلى عامل سياسي جديد وفاعل في توازن القوى على الأرض بنتيجة الانخراط الجماهيري الواسع في صفوفها ولاقت أصداء طيبة تفاعلت داخل القوات المسلحة اليمنية النظامية التي اندفعت مع تلك اللجان في حملة تطويق ومواجهة ضد أوكارالقاعدة وعصابات التكفير.

ثانيا إن أي وطني او عروبي في لبنان يمعن النظر والدراسة لا يحتاج كبير جهد او عناء ليجد في الحرب على اليمن نسخة مكررة من العدوان الاستعماري الرجعي الآثم على سوريا ونسخة طبق الأصل من حرب تموز 2006 وبكل صراحة وبكل وضوح إن المملكة السعودية كانت رأس الحربة في الحربين .

وفقا للخطط والتوجيهات الأميركية قامت وتوسعت الشراكة السعودية القطرية التركية في العدوان على سوريا وقد عمدت تلك الشراكة بانخراط إسرائيل مبكرا في الحرب الهادفة لتدمير سوريا ولضرب موقعها المحوري في جبهة المقاومة العربية الإيرانية التي قامت منذ ثلاثين عاما وحققت ردع الكيان الصهيوني وحررت قطاع غزة وجنوب لبنان بينما كانت المملكة السعودية وشركاها منغمسة في دعم المسارات الأميركية الصهيونية التي أفضت تباعا إلى حلقات إذعان عربية على خطى كمب ديفيد فكانت بصمة المملكة في الرعاية والتدبير والدعم خلف اتفاقات 17 ايار وأوسلو ووادي عربة لتعميم الهيمنة الغربية الصهيونية على المنطقة بمسميات السلام الزائفة وفي حين أطلقت السعودية إمبراطورياتها الإعلامية لتعميم التحريض المذهبي والتطبيع مع العدو ولمواكبة الحشد في حروب اميركية متنقلة عبر العالم انطلاقا من أفغانستان كان وقودها عشرات الآلاف من الشباب العرب الساخط الذين استدرجوا إلى فصائل القاعدة والأجنحة المسلحة لتنظيم الأخوان في جميع البلاد العربية بقيادة سعودية.

ثالثا إن واجبا أخلاقيا يفترض بكل وطني وقومي أن يرفع صوته استنكارا لعدوان مشين ومفضوح ولا يجب ان تخرس الأصوات الحرة بترهيب الفجور الإعلامي والسياسي لجوقة المتزلفين في لبنان والمنطقة حيث لا يسمع الأمراء غير المديح الرخيص فلا يألفون سواه وباتوا يستهجنون كل نقد او اعتراض…

كيف يكون وطنيون وقوميون مع حرب هيمنة وإخضاع وكيف يكون قوميون ووطنيون ساكتين وخرسانا امام جرائم موصوفة ضد شعب حر يراد إسكاته بالحديد والنار وكيف ينحاز ديمقراطيون ضد حركات سياسية وشعبية تنادي بصناديق الاقتراع بينما يعلن الحرب عليها أقدم نظام للملكية المطلقة في العالم حيث لا دستور ولا انتخابات ولا حتى قيادة سيارات !.

بين التحضر والتخلف … بين الاستبداد والديمقراطية … بين التحرر والتبعية… بين الاستقلال والهيمنة المغمسة بالدم .. بين اجساد الأطفال المحروقة بالقنابل ونفاق الياقات البيضاء …لا مجال للاختيار وأنى اتجه النقاش ورغما عن الترهيب والترغيب وبضائعه الرائجة …. إن للعروبة وللوطنية وللحرية وللديمقراطية معنى واحد هو الانحياز لشعب اليمن وثورته في مقاومة العدوان السعودي الأميركي فكفى رياء وخنوعا ودجلا وترددا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى