بقلم غالب قنديل

غير مشروعة وغير عادلة

yamannn

غالب قنديل

مثل جميع الإمبراطوريات الاستعمارية منعت الولايات المتحدة منذ امد بعيد أي جدل في مشروعية الحروب وعدالتها بعدما فرضت التسليم بهيمنتها الأحادية على العالم عقب انهيار الاتحاد السوفياتي وصاغت بالقوة معادلات الإكراه السياسي والعسكري التي خاضت بها حروبها بعد هجمات 11 أيلول فشطبت هوامش الجدل حول معايير العدالة والمشروعية في خوض الحروب وهي بالأصل سحقت المباديء  القانونية  الإنسانية حول مسائل الحرب والعدوان منذ تقديمها لحروب إسرائيل وغزواتها بصفة الدفاع المشروع عن النفس لكيان قام على الاغتصاب والاستيطان والإبادة الجماعية للسكان الأصليين.

أولا السؤال عن العدالة والمشروعية يطرح نفسه اليوم على الرأي العام العربي إزاء “عاصفة الحزم ” السعودية على اليمن التي ساندتها جامعة الدول العربية وانخرطت في حلفها السياسي والعسكري بقيادة المملكة السعودية بدعم اميركي وبمشاركة حكومات دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وتركيا وباكستان.

هي إذن ليست حربا عربية ولا تهدف لحماية الأمن القومي العربي كما زعمت قمة شرم الشيخ ليس فحسب بفعل شبهات وتصريحات كثيرة من تل أبيب تؤكد كون إسرائيل شريكا في الباطن داخل حلف ” الحزم ” السعودي فمن يملك نفي أطماع تركيا المعلنة في أراضي سوريا والعراق الدولتين العربيتين المجاورتين وهي تحتل أرضا عربية وتضم اجزاء من التراب الوطني السوري اغتصبتها وعينها على حلب وإدلب وكركوك والموصل وليس خافيا على أي كان من المتابعين والمراقبين ما قامت وتقوم به تركيا بالشراكة مع السعودية وقطر من دعم لجماعات الإرهاب التكفيري ومن احتضان لمشاريع تدمير البلدين وتمزيقهما.

 ينظر قادة حكم حزب العدالة والتنمية إلى العرب باحتقار وبتشوف عرقي فكيف يشاركون في حماية الأمن القومي العربي ( السؤال للرئيس السيسي خصوصا !) وهم لا يخفون رغبتهم في الهيمنة والتحول إلى وصي يفوضه الغرب بإدارة البلاد العربية من المحيط إلى الخليج وأداتهم في ذلك هي التنظيم العالمي للأخوان المسلمين كما تبين في أحداث مصر والعراق وسوريا وبالتالي كيف يعقل ان يتحقق الأمن القومي العربي بالشراكة مع دولة هي من أبرز مصادر التهديد بعد إسرائيل التي حولتها السياسة السعودية إلى شريك رئيسي يتم التنسيق معه في السر والعلن منذ تكوين غرفة عمليات شرم الشيخ لإدارة الحرب على لبنان في تموز 2006 بقيادة كونداليسا رايس والسؤال أيضا ما هي علاقة باكستان بالأمن القومي العربي وما هي وظيفتها في حلف الحرب غير محاولة إضفاء صفة مذهبية على الصراع  لتمزيق بلدان العالم الإسلامي في نزاع مدمر وهنا مصيبة  أدهى.

ثانيا  بدعة تلبية طلب للتدخل من رئيس شرعي مفترض تدحضها وقائع التآمر على الرئيس الشرعي المنتخب للجمهورية العربية السورية التي أقصيت عن الجامعة العربية وعن حسابات “الأمن القومي  العربي ” الذي تذكرته القمة فجأة وأهملته عقودا في وجه العدوان الصهيوني والمجازر ضد العرب في فلسطين ولبنان وسوريا القلب الحقيقي لذلك الأمن القومي لأنها الدولة العربية التي لم تخضع لشروط الإذعان الصهيونية التي سعت المملكة لترويجها ولفرضها على الفلسطينيين والعرب من خلال دعمها الصريح لما يسمى بمشاريع السلام الأميركية  التي قاومتها سوريا في الميدان وفي قاعات التفاوض بشجاعة وبحزم.

ان الحرب على اليمن هي تدخل فاضح في ازمة سياسية ودستورية داخلية لفرض إذعان اليمنيين لقوى هامشية عاجزة عن فرض غلبتها بالوسائل السياسية وخسرت ولاء الجيش وغالبية الشعب اليمني وهي غير مشروعة لأنها تمثل تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة لكسر الإرادة الشعبية في فرض التغيير السياسي والدستوري بمضمون التفاهمات والاتفاقات التي توصلت إليها غالبية الأطراف اليمنية  وجاءت الحرب لكسرها عنوة ولترتيب نتائج سياسية داخلية بالقوة في صراع سياسي داخلي ولو سلمنا جدلا بان منصور هادي يحظى بالشرعية الدستورية فهو لا يملك الشرعية الشعبية ولا يتبنى خيارا وطنيا تحرريا واستقلاليا كما هي حال الرئيس بشار الأسد.

خاطبت قيادة حركة انصار الله قادة المملكة السعودية بعرض حسن الجوار والأخوة والتعاون في التصدي لخطر قوى التكفير الإرهابية العدو المشترك المفترض ولم تتخذ قوى الجيش اليمني واللجان الشعبية أي بادرة عدائية على حدود المملكة التي تنسب لنفسها في خطابها الحربي ممارسة الحق المشروع في الدفاع عن النفس ضد ما يسمى بخطر التهديد الحوثي او الإيراني في اليمن وهو ما لا تسنده واقعة واحدة حتى بعد انطلاق الحرب ضد اليمن ومع استمرار الضربات الجوية وما تخلفه من دمار وخراب وضحايا بين المدنيين فالحرب تستهدف قوى مسالمة لجوارها الإقليمي وليست معتدية على أي كان وهو ما يسقط عن الحرب أي عدالة او مشروعية فهي واقعة مسبقا في الافتراء والعدوان والظلم.

ثالثا  شكلت الحرب على اليمن مناخا لتسعير نشاط فصائل القاعدة وداعش على الأرض اليمنية وهي بذلك تمثل دعما مباشرا لقوى إلغائية مدمرة تستهدف جميع اليمنيين بينما تبذل الحكومات المشاركة في الحرب جهودا واضحة لتعميق الانقسامات اليمنية وهي تسعى لتجنيد المرتزقة من اليمنيين تحت مسمى قوات القبائل وبالتالي نحن امام حرب تسعى لاستثارة عنف اهلي قبلي وطائفي وتستغل آلة تحريضية ضخمة لنشره بين اليمنيين الذين خاضوا صراعات اهلية عديدة في تاريخهم لكنهم لم يعرفوا العصبيات المذهبية التي تذر الوهابية السعودية قرنها في ما بينهم بواسطة التكفيريين .

الحرب على اليمن هي حرب تدخل غير مشروع لتغليب أقلية سياسية تابعة على غالبية شعبية وسياسية واضحة وهي عدوان سافر على دولة ذات سيادة بهدف إخضاعها مجددا للهيمنة الإقليمية بعدما لاحت إمكانية سيطرة قوى على الحكم ترفض ان تكون خاضعة لهيمنة المملكة ولسيطرتها والكلام عن الخشية من النفوذ الإيراني يعكس محاولة لمنع الشعب اليمني من طي صفحة الهيمنة السعودية عبر عقد صداقات وتحالفات توفر له مصادر القوة ورفضا لإعادة التوازن إلى العلاقات بين الجمهورية اليمنية والمملكة السعودية التي ألفت التحكم بمصائر سكان الدولة الجارة طيلة عقود مضت وصف خلالها اليمن بالحديقة السعودية الخلفية ونحن بالتالي إزاء عمل عدواني غاشم  لكسر إرادة وطنية استقلالية بالمعنى القانوني فللشعوب والدول حقها السيادي باختيار الشراكات والتحالفات التي تناسب رؤيتها لمصالحها بكل حرية والقانون الدولي الإنساني لا يتيح غير توصيف الحرب على اليمن بالعدوانية الظالمة بل إنها حرب غير مشروعة وغيرعادلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى