بقلم غالب قنديل

مؤشرات سورية مهمة

armyyy1

غالب قنديل

التطورات الميدانية التي شهدتها منطقة ريف دمشق خلال اليومين الماضيين تستكمل ملامح التحولات الكبرى في المشهد السوري لصالح الدولة الوطنية المقاومة وقواتها المسلحة وهي تعاكس عمليا وجهة التحرك الأميركي العاجل لإعادة رص صفوف حلف العدوان في زمن الاضطراب والارتباك الناتج عن جبرية السير الأميركي في طريق التفاوض مع روسيا وإيران بعد استهلاك المتاح من اختبار توازن القوى العالمي والإقليمي .

أولا التظاهرات الشعبية الحاشدة التي جرت في عدد من بلدات ريف دمشق رفعت شعار إخراج مسلحي جبهة النصرة وطالبت بالمصالحة مع الدولة والجيش وهذا يعني مجموعة من الخلاصات المهمة :

1-    تبلور موقف شعبي رافض لسيطرة جبهة النصرة ومسلحيها في وقت تسعى قطر وتركيا والسعودية إلى تلميع صورة الجبهة وتقديمها إلى المشغل الأميركي على انها بديل ممكن عن ضالته الضائعة من المجموعات المسلحة المعتدلة المزعومة وهذا الموقف الشعبي يعري تلك المحاولات ويحبط الساعين إليها.

2-    الرفض الشعبي ناتج عن طبيعة السلطة التي تقيمها قوى التكفير الإرهابية بما فيها من قهر واستغلال لصوصي على حساب سكان المناطق الذين رحبوا بالمسلحين في فترات سابقة وباتوا يتحينون فرص التخلص منهم بعد خبرة التجربة وحصادها الدامي والمر وحيث يتجه المزاج الشعبي إلى العودة لحضن الدولة الأكثر امانا واستقرارا والذي يوفر مقدارا عاليا من الرعاية الاجتماعية مقابل الاستباحة الكلية التي يمارسها الإرهابيون بحق الكرامات والممتلكات وحيث لا اعتراف بالحقوق ومحاولات قهرية لفرض سلوكيات وتقاليد ترتبط بتعميم التوحش.

3-    تؤكد فكرة المصالحة جدواها واهميتها ومصداقيتها كمخرج للذين تورطوا في مساكنة الإرهاب وساروا في طريق التمرد والفوضى وذلك في حصيلة التجارب التي شهدتها مناطق سورية عديدة وحظيت تجاربها برعاية خاصة من الرئيس بشار الأسد وبالتالي فإن العودة إلى حضن الدولة عبر هذا المخرج ممكنة ومتاحة وهذا ما يجعل منها مطلبا شعبيا في كل مكان يشهد تبلور موقف شعبي رافض لهيمنة الجماعات الإرهابية .

ثانيا حدثت تطورات عسكرية مهمة في مناخ تحول المزاج الشعبي إلى مرحلة يمكن ان نسميها  “انتفاضة الوعي ” التي تخرج الناس من سكرة الأوهام المستهلكة عن الثورة المزعومة والتعبئة الطائفية الإرهابية التي شنها تنظيم الأخوان انطلاقا من تركيا والإعلام القطري السعودي لتمزيق سورية ولتدمير دولتها الوطنية المقاومة .

من أبرز هذه التطورات ما جرى يوم امس من انشقاق معاكس لما يسمى “لواء الأنفال ” بعد ما سبقه ما يدعى “جيش الأمة “بحيث تترسخ مصداقية الدولة الوطنية وقواتها المسلحة في احتضان “الأبناء الضالين ” من العناصر المتمردة التي يجري ترتيب اوضاعها وتأهيلها فإما انها تلقي السلاح وتعود إلى الحياة العادية بكرامة في ظل الدولة الوطنية او يلتحق بعضها بقوات الدفاع الوطني ليقاتل ضد الجماعات الإرهابية التي تكشفت علاقتها بالعدو الصهيوني في معارك الجنوب وبرهنت عن وجهها الدموي التكفيري في كل مكان من البلاد وهو امر ليس محصورا بتنظيمي داعش والنصرة بل يشمل في نظر سكان ريف دمشق فصائل أخوانية مثل “جيش الإسلام” وسواه من الفصائل التي سيصيبها التصدع تحت ضغط الموقف الشعبي وبفعل إنجازات الجيش العربي السوري المتلاحقة.

الضربات التي تلقتها جبهة النصرة منذ غارة إدلب معطوفة على الرفض الشعبي لهيمنتها الإرهابية الدموية بعد انتفاضة بلدات ريف دمشق تحبط آمال المخططين الأميركيين وأعوانهم في تركيا والخليج بينما تظهر داعش بوصفها امتدادا تركيا بشبكتها الاقتصادية والعسكرية رغم جميع محاولات التنصل والتبرؤ الجارية ويتجسد الموقف الشعبي في مناطق سيطرتها بتزايد عمليات المقاومة الشعبية بما فيها العمليات ” الغامضة ” التي تثير خلف خطوط داعش استنزافا خطيرا لمقدراتها غير بعيد عن الضربات التي يوجهها الجيش العربي السوري في الجو والبر لمعاقل هذا التنظيم .

ثالثا هذه التحولات تترافق مع مواصلة الجيش العربي السوري لعمليات التحرير التي باشرها على جميع الجبهات انطلاقا من الجنوب وفي الوسط والشمال وبالشراكة مع محور المقاومة الذي يلقي بثقله الاستراتيجي إلى جانب القوات السورية النظامية والشعبية مما يغل اليد الصهيونية المعتدية في حماية العصابات العميلة التي كرسها الجنرال موشي يعالون وزير الحرب حارسا لأمن إسرائيل على الجبهة السورية .

إيقاع العمليات يتحرك تبعا لظروف الميدان لكن خطها البياني يبدو هجوميا بالمعنى الواسع للكلمة حيث تقوم القوات السورية بمعالجة العقد التي تعيق تقدمها وهي تعيد تنظيم صفوفها بعد هضم الخطوات السابقة تحفزا لوثبات جديدة ويقينا إن العوامل المتمثلة بالمناخ الشعبي المتحول نوعيا وبمصداقية المصالحات كمخرج متاح للمسلحين المحليين وتصاعد المقاومة الشعبية لعصابات الإرهاب تشكل ارضية استراتيجية لفرص تقدم الجيش العربي السوري وترجح احتمال انتصاره في تحرير مساحات واسعة من الأراضي السورية خلال الأشهر القليلة القادمة .

تتضاعف أهمية الدلالات السورية المشار إليها مع القلق الذي يشغل مراكز قيادية فاعلة في حلف العدوان على سورية من سير الولايات المتحدة ودول غربية عديدة في طريق الاعتراف بالفشل في سورية ومن صدور إشارات وتلميحات تفتح المجال واسعا لاحتمال تبني تلك الدول خيار استعادة علاقاتها مع الدولة الوطنية ورئيسها الدكتور بشار الأسد تحت تأثير أربعة عوامل متحركة : الفشل الميداني ومخاطر ارتداد الإرهاب والتفاهم مع روسيا وإيران إضافة إلى العجز الاميركي الغربي التركي الخليجي عن بلورة بديل واقعي بعد أربع سنوات من المغامرات الخاسرة في حرب كونية مستمرة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى