بقلم غالب قنديل

عون ونصرالله وثمار التفاهم

oun

غالب قنديل

تحفل المنتديات السياسية اللبنانية بكلام كثير عن التفاهم الذي وقعه السيد حسن نصرالله والرئيس العماد ميشال عون قبل تسع سنوات في كنيسة مار مخايل ويغيب أحيانا عن النقاش ما ولده هذا التطور السياسي المهم في الحياة الوطنية وما أحدثه من تغييرات في المفاهيم والتقاليد على الصعيدين السياسي والشعبي .

اولا إن أهم ما تحقق في سياق السنوات التي أعقبت لقاء كنيسة مارمخايل بين زعيمي حزب الله والتيار الوطني الحر هو إطلاق حالة من التلاحم والتفاعل الثقافي والوجداني بين كتلتين كبيرتين من الشعب اللبناني وتحطيم كثير من الحواجز الثقافية والاجتماعية والطائفية التي أقامتها المراحل السابقة وقد اجتاز هذا التحول تجارب كثيرة ومحنا عديدة في سياق التجربة ويمكن القول إنه مستمر ومتواصل بقوة التلاقي المتجدد وبفضل حرص كل من عون ونصرالله على دوامه .

رغم ما تقدم نستطيع القول إن قيادتي التيار الوطني الحر وحزب الله لم تبذلا ما يكفي من الجهود الواعية والمنهجية لتطوير هذه الثروة الثمينة عبر مبادرات عملية لعقد لقاءات مشتركة والتحرك معا في عناوين التلاقي التي كرسها التفاهم لنشر حالة متطورة من الوعي والفهم المشتركين على الصعيد الشعبي بل إن التفاعل الذي يبديه الجمهور بعفويته يتخطى في حرارته ومفاعيله الأداء القيادي للطرفين.

ثانيا صمدت وتجددت في جميع المواجهات الكبرى وصولا إلى اختبار الردع الأخير ،التجربة المشتركة في مجابهة عدوان تموز 2006 فتحول التلاقي في تلك اللحظة التي اتخذ فيها العماد عون موقفا تاريخيا ثقف به جمهوره وكوادر التيار ومناضليه إلى انعطافة كرست تبني المقاومة كخيار استراتيجي بمراكمة المزيد من المواقف والأفكار المنهجية الحاضنة للمقاومة ولقدراتها المتزايدة في ردع الكيان الصهيوني وقد انطلق الجنرال من هذا التلاقي مع حزب الله إلى الفضاء المشرقي الواسع في التعبير عن هوية مسيحيي الشرق المنغرسين في أرض المنطقة وبلدانها بخيار رفض الاستعمار الاستيطاني لفلسطين ومقاومة المشاريع الاستعمارية الصهيونية في المنطقة بما تحمله من خطط تفتيت وهيمنة وما تبطنه من اطماع في لبنان توجب وتؤكد تبني التيار الوطني الحر وقاعدته الشعبية العريضة لاستراتيجية المقاومة والشعب والجيش في الدفاع الوطني وتشابكت صورة المقاومة بصورة الجيش عند جمهور تكونت هويته على قاعدة الانحياز للمؤسسة العسكرية الوطنية.

ثالثا شكل التصدي للتكفير الإرهابي في المنطقة تحولا عزز تماسك الشراكة بين حزب الله والتيار الوطني الحر انطلاقا من النظرة المشتركة للعدوان الذي استهدف الدولة الوطنية السورية وشعبها وجيشها ومن خلال العلاقة التحالفية المشتركة مع هذه الدولة ورئيسها الدكتور بشار الأسد ويسجل للرئيس العماد ميشال عون انه تحسس المخاطر الداهمة على لبنان واستشرفها وعبر عن مساندته لخطوة المقاومة الاستباقية في سورية لحماية لبنان وهو كان يعبر عن اقتناعه كقائد استراتيجي بوحدة المعركة ضد تيارات التكفير الإرهابية على مساحات المنطقة ولم يتردد في نقد المواقف الغربية الداعمة للتكفير والساعية لاستعماله بهدف تدمير سورية وجيشها ودولتها الوطنية بأي ثمن وكان الجنرال شجاعا ومقداما في ذلك الموقف المبكر واتاح هذا التقدير المنهجي السليم للتيار الوطني الحر تحضير جمهوره لأخطر معارك الدفاع عن الوجود التي تمثل هاجسا مسيحيا مشرقيا كبيرا وعابرا للحدود وقد ساهمت هذه التجربة بتعميق العلاقة التحالفية بين طرفي التفاهم وتطورت في سياقها العلاقة الثنائية والنظرة المشتركة إلى أخطر وأهم التحديات التي تهز المشرق العربي فتكرس اكثر واكثر احترام الجمهور العوني لحزب الله ولدروه المميز في الدفاع عن الوطن وفي حماية الشعب من الأخطار وتعززت مع ذلك الثقة بزعامة الجنرال في ضوء التطورات والأحداث التي برهنت مجددا على امتلاكه بصيرة نافذة بينما غرق سواه في شبر ماء كما يقول المثل الشعبي .

رابعا يقدم موقف حزب الله الصلب المساند لترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية على انه بادرة وفاء من الحزب وأمينه العام اتجاه امانة ووطنية وصدق العماد ميشال عون الذي تحدى كل التهديدات والمخاطر ولم يتردد لحظة في دعم المقاومة ومساندتها بالتحرك العملي لمشاركتها عبء الدفاع عن لبنان في حرب تموز وما وصفه سماحة السيد نصرالله بأنه دين في الرقاب حتى يوم الدين عندما تناول موقف الجنرال ورفاقه ومناصريه آنذاك ولا شك ان هذا الأمر يكرس بعدا أخلاقيا ليس حاضرا بقوة في التقاليد السياسية اللبنانية وهو يسجل لحزب الله فقد درجت العادة ان تنفك تحالفات كثيرة بحساب المصالح العابرة ولكن قيادة حزب الله تجمع هذا البعد الأخلاقي ببعد آخر استراتيجي يتمثل بحقيقتين كبيرتين وهما اقتناع حزب الله بضرورة تصفية ذيول التطبيق المشوه للطائف من خلال انتخاب الزعيم المسيحي الأقوى وهذا امر لا بد منه لتصحيح الحياة الوطنية وكذلك أهمية ما يحمله العماد عون من توجهات وأفكار يجسد وصولها معه إلى رئاسة الجمهورية نقلة نوعية في إصلاح الجمهورية ومسارها فهو رجل الدولة الذي يتبنى العدالة الاجتماعية بقوة ويرفض الطائفية كممارسة وكثقافة ويتبنى رؤية جيدة لتحديث الدولة ومؤسساتها وحزب الله بجمهوره وقيادته يحمل هذا النبض انطلاقا من بنيته الشعبية وهويته الاجتماعية .

ما تزال التبعات على طرفي التفاهم كثيرة في ترسيخ هذه الأبعاد وغيرها من ثمار التفاهم الذي تربص به كثيرون فتجددت ثقة الحليفين كلما تزايدت التوقعات بافتراقهما عند المنعطفات وثمة في ذلك ما هو اكثر وأشمل من مجرد الكيمياء القائمة بالفعل بين زعيمين كبيرين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى