بقلم غالب قنديل

الفقرة الروسية في خطاب أوباما

roosya

غالب قنديل

قدم الرئيس باراك اوباما في خطاب “حال الاتحاد ” السنوي استعراضا لما اعتبره إنجازات لسنواته الست في البيت البيض على الصعيدين الداخلي والخارجي وقد بلغ الاستعراض ذروته المعبرة في تباهي رئيس الولايات المتحدة بتدمير الاقتصاد الروسي وعزل روسيا كما قال وقدم هذا “الإنجاز” بوصفه تعبيرا عن كيفية الدمج بين استعمال القوة والديبلوماسية واستثمار مزايا التفوق الاقتصادي والمالي والتكنولوجي للإمبراطورية الأميركية .

أولا تكشف هذه الفقرة تمسك المؤسسة الحاكمة الأميركية بنهج الهيمنة الأحادية وبرفض مبدأ الشراكة الدولية على أسس جديدة ومتكافئة وعلى هذه الخلفية يجب أن يتم النظر إلى انحناء الإدارة الأميركية للعديد من الحقائق القاهرة التي تملي عليها الاعتراف بفشل سياساتها العدوانية ضد إيران وكوبا حيث أكد الرئيس الأميركي تصميمه على إنجاح المفاوضات حول النووي الإيراني وكذلك على متابعة حركة الانفتاح نحو كوبا بعد عقود من الحصار والتصرفات العدائية الفاجرة ومنظومات العقوبات المعقدة ضد كل من هافانا وطهران وجميعها انتهت إلى الفشل .

المفارقة اللافتة في منطق اوباما هي انه يراهن على مواجهة روسيا ولي ذراعها بوسائل يعترف انها فشلت في إخضاع كوبا وإيران وهو يختار طريقة ملتوية للتراجع في سورية بالتركيز على اولوية محاربة داعش التي يعلم مع إدارته ان الدولة الوطنية السورية هي التي تتصدى لها في الميدان وان جيوش تحالفه لا تصلح لتكون قوة برية في هذه الحرب التي تكفل الأميركيون بخوضها من الجو وبالتاكيد لاجدوى من آلاف المرتزقة الذين يراهن الرئيس الأميركي على تدريبهم في تركيا والأردن وشبه الجزيرة العربية .

الخبراء الأميركيون يعربون عن خشيتهم من تحول النتائج إلى رصيد الجيش العربي السوري بينما جيوش الدول الشريكة للولايات المتحدة تقودها حكومات متورطة في دعم الإرهاب التكفيري وتغذيته وهي بالكاد تعير لواشنطن يافطاتها في حرب تستهدف ادوات إجرامية بنتها تلك الحكومات بالأمر الأميركي واليوم تعمل على منع ارتدادها إلى جميع العواصم المتورطة.

ثانيا خطاب باراك اوباما مغترب عن الواقع العالمي المتحرك بافتراض استمرار القدرة على عزل او محاصرة أي دولة في العالم فكيف في حال دولة عظمى كروسيا الاتحادية وكذلك بافتراض القدرة على تدمير الاقتصاد الروسي فمن عجز عن النيل من اقتصاد كوبا وإيران وسورية وكوريا الشمالية بالحصار والعقوبات وبالحروب الكبرى هو دون شك عاجز ومشلول أمام الاقتصاد الروسي ومهما ألحق به من الأضرار بعقوبات خارج الأمم المتحدة تهربا من التوازن العالمي الجديد فلن يستطيع خنق الإمبراطورية الروسية التي تقيم شركات قارية كبرى مع الصين وأميركا اللاتينية وإيران وغيرها من دول العالم .

والحقيقة القاهرة التي تجاهلها الإمبراطور الأميركي هي ان خصوم الهيمنة الأحادية ورافضي التنمر الأميركي على شعوب الكرة الأرضية يتحركون في إطار جبهة تضم روسيا والصين وإيران وكوبا وكوريا وسورية وجميع دول البريكس وهذه الكتلة العالمية الحرة وعلى رأسها روسيا تعمل على فرض إذعان واشنطن لمنطق الشراكة ورهانات النفاق الأميركي على توهين الروابط الوثيقة بين اطراف هذه الجبهة محكومة مسبقا بالخيبة فستبقى شبكة الأوعية القارية المتصلة تعزز قدرة أي دولة بفائض قدرات شركائها الاقتصادية والعسكرية والتقنية وهذا درس حفظته الشعوب وقياداتها في هذه الجبهة نتيجة ما خبرته خلال العقدين الماضيين ولاشك ان زيارة وزير الدفاع الروسي لطهران وتسليم صواريخ إس 300 للقوات المسلحة الإيرانية هي من العلامات الدالة على سياق التطور الطبيعي لحلف تحرري عالمي.

ثالثا سوف تتكفل الوقائع العنيدة والمرة بإسقاط رهانات اوباما وستجبر الإدارة الأميركية على الاعتراف بتبدل التوازنات العالمية وعلى الرضوخ لمنطقها الجديد .

يلتمس البعض العذر للرئيس الأميركي بالزعم انه مضطر لمسايرة الحزب الجمهوري الذي اكتسح مجلسي الكونغرس والبحث عن نقاط لقاء في سياسته الخارجية حول إيران وكوبا ومحاربة الإرهاب مقابل استعارة خطاب المحافظين الجدد ومتطرفي اليمين حول روسيا وهذا التبرير تافه ومردود لأصحابه لأن التفسير الأقرب للمنطق هو ان في كواليس التخطيط الأميركي مراهنة على إضعاف التحالف الروسي الإيراني تدركه كل من موسكو وطهران وهما مصممتان على إفشاله وكذلك الأمر على جبهة التحالف الروسي الصيني .

النفاق الأميركي الخبيث لا ينطلي على قادة الكفاح العالمي ضد الهيمنة فكل ما حصدته دول المجابهة الكونية من سورية إلى إيران وفنزويلا وكوبا والصين وروسيا وغيرها هو ثمرة جهود مشتركة ونضال مشترك ضد الإمبراطورية وهيمنتها على العالم لربع قرن مضى والتصدي للتنمر الاستعماري لا يكون إلا بالمزيد من التنسيق والعمل المشترك وتشبيك المصالح والعلاقات الثنائية والجماعية لدحر الوحش الإمبراطوري ورد الاعتبار للتوازن الدولي وإصلاح الأمم المتحدة وتحريرها من هيمنة الاستخبارات الأميركية التي جعلت منها أداة عدوان اميركية قانونية وميدانية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى