بقلم غالب قنديل

الصراع في واشنطن مستمر

obamma

غالب قنديل

يستمر الجدل والصراع في الولايات المتحدة حول الخيارات الأمثل لاحتفاظ الإمبراطورية بمكانة متقدمة في عالم متغير ويتركز الجدل في ثلاثة محاور : إيران وسورية واوكرانيا ويدور السؤال كما جرت العادة عن وجهة تحرك الرئيس اوباما الذي يقود آلة القرار والتحكم القيادي .

أولا يتفق المحللون على ان الرئيس باراك اوباما يقف على مفترق صعب مع بداية العام الجديد وهو يواجه السؤال المحير عن وجهة سيره إلى التسويات والتفاهمات أم إلى مزيد من التصعيد والاشتباك الكوني الذي يدفع إليه داخل الولايات المتحدة حزب الحرب الذي يضم كتلة كبرى من قوى الضغط والتأثير صاحبة النفوذ في مراكز صنع القرار الأميركي وفي قلب إدارة أوباما .

ينطلق الاختبار الذي يواجه الرئيس الأميركي خلال أيام من اوكرانيا وسورية ففي منتصف الشهر سيكون لقاء محتمل بينه وبين نظيره الروسي في كازاخستان وبعده في نهاية الشهر تطلق روسيا برعايتها جولة جديدة من الحوار السوري السوري الذي لن يجد معناه ومغزاه من غير رضوخ الولايات المتحدة لمطلب تجفيف موارد الإرهاب الذي تلح عليه دمشق وحلفاؤها منذ أربع سنوات وصدرت حوله قرارات دولية لم تطبق بينما تستمر المؤشرات متعاكسة بشان مستقبل التفاوض حول الملف النووي الإيراني.

الحقيقة الاستراتيجية الأكيدة هي ان القدرات الموضوعية الأميركية تبدلت وتراجعت تحت تأثير الأزمة الاقتصادية الخانقة والمستمرة منذ عام 2008 وبفعل النتائج الكارثية لمغامرات إدارة جورج دبليو بوش ومن بعدها نتيجة ما لحق من فشل كبير بخطة إدارة اوباما لمواصلة الحروب والغزوات بالواسطة وفقا لعقيدة الجنرال ديفيد بيترايوس وبوادر العجز الأميركي عن لي ذراع روسيا وإخضاع إيران وتدمير سورية تؤكد فشلا اميركيا استراتيجيا لا بد ان تكون له كلفة على الولايات المتحدة تحملها.

ثانيا سعى المخططون الأميركيون مؤخرا لتطوير استراتجية بيترايوس وحددوا لها مباديء ناظمة تتكرر في أدبيات الإدارة التوجيهية من نوع : القيادة من الخلف والبصمة الخفيفة والشراكة في الأعباء والمسؤوليات مع القوى الإقليمية ويجري التركيز على تطوير التقنيات الحربية حيث تشغل الطائرات بدون طيار وفرق المرتزقة ووحدات النخبة القتالية لشن عمليات خاطفة مكانة خاصة في ادوات القتال خارج الحدود وفقا لدليل ريتشارد بيرل ودونالد رامسفيلد عما سمي بالحروب الذكية !.

تلك التوجهات يمكن وضعها تحت عنوان التكيف الأميركي مع ميزان قوى عالمي متحول يحول دون دوام الهيمنة الأحادية رغم انف القادة الأميركيين وهي باتت تمثل خلفية القرارات المتخذة في إطار استهداف الدولة السورية والضغط المتصاعد على روسيا وإيران وإعلان النفير ضد الصين و تتحكم بمسار حملة اوباما على الإرهاب وتوظيفها لصالح تأكيد الحضور الأميركي في مقابل ثبات صعود القوة الإيرانية وتراجع القوة الإسرائيلية وصمود القوة السورية ومأزق كل من تركيا والسعودية وتنامي قوة حزب الله والمقاومة الفلسطينية مقابل اندحار تنظيم الأخوان في بلدان المنطقة وانكشاف دوره كحاضن لقوى التكفيروالتدمير التي يخشى المخططون الغربيون ارتدادها نحو بلدانهم بعدما دعموها لتدمير سورية ولتخريب العراق.

ثالثا يواجه باراك اوباما عقدتين داخليتين كبيرتين إذا قرر السير إلى التفاهمات الدولية وقبول معادلات الشراكة الصعبة والمركبة مع روسيا والصين وإيران وانكفأ عن عدائيته الخائبة اتجاه سورية ودولتها الوطنية وزعيمها الرئيس بشار الأسد .

العقدة الأولى هي اكتساح الحزب الجمهوري وهيمنته على الكونغرس وصعود دور المحافظين الجدد الذين يمسكون بالعديد من مفاصل الأغلبية الجديدة وزعمائها في مجلسي النواب والشيوخ وهذا ما سيعني تعرض البيت البيض لضغوط قوية وكابحة في حال قرر الذهاب إلى التفاهمات والاستدارة من مسار التصعيد الاستفزازي اتجاه روسيا والصين وإيران وارتضى كلفة التكيف مع متطلبات التسوية حول الملفين السوري والأوكراني اللذين يشكلان بيضة القبان في الوضع الدولي الراهن .

تسهيل الكونغرس أو أقله عدم اعتراضه لأي توجه نحو التفاهمات سيكون المؤشر إلى انعطافة مكرسة عبر المؤسسة الحاكمة الأميركية نتيجة استعصاء التوازنات العالمية التي تفرض التراجع عن فرضية منع صعود القوى العالمية المنافسة والنفاذ بحماية الهيمنة الأحادية وما لم تتوافر للرئيس الأميركي مثل تلك التغطية من مجموع مكونات المؤسسة الحاكمة الأميركية ستكون قدرته على السير نحو التسويات والتفاهمات ضعيفة ومحفوفة بالمخاطر وثمة افتراق في التقدير بين الخبراء حول الترجيحات.

العقدة الثانية وجود حزب الحرب في قلب إدارة أوباما وثقله المقرر في السياسة الخارجية وقد قدم الخبير السابق في الاستخبارات المركزية راي ماكغفرن مؤخرا تحليلا يشير إلى ان جون كيري ومعاونته فيكتوريا نولاند يمثلان المتراس الصلب للمحافظين الجدد وأنهما فجرا أزمة اوكرانيا ودبرا مؤامرة الانقلاب ردا على تفاهم بوتين – اوباما بخصوص الكيماوي السوري ولنسف فرص التقارب بين الكرملين والبيت البيض بعدما أبعد اوباما وزير خارجيته جون كيري ومساعدته عن اجواء التفاوض بينه وبين الرئيس فلاديمير بوتين في كواليس قمة العشرين التي انعقدت في بطرسبورغ في أيلول 2013 وفاجأ فريقه بتسوية الكيماوي السوري بينما كان كيري يجوب العالم قارعا طبول الحرب على سورية بذريعة الكيماوي التي فبركها أدروغان وشريكه السعودي بندر .

بالتاكيد ان تشاك هاغل لم يكن الممثل الوحيد لحزب الحرب في فريق أوباما وقد اورد ماكغفرن في مقالته وثيقة عن محادثة هاتفية تؤكد تورط نولاند الشخصي في انقلاب كييف الذي فجر الأزمة الأوكرانية وختم بتوصية إلى اوباما بضرورة عزل جون كيري وفيكتوريا نولاند في حال أراد الذهاب إلى تفاهم ممكن ومريح مع الرئيس الروسي من بين خمس توصيات تتعلق بالخطاب السياسي الأميركي ومحورها النظر بإيجابية إلى الرئيس فلاديمير بوتين كشريك في قيادة العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى