بقلم غالب قنديل

أوباما وعقدة الأسد

 

oba

تحفل بيانات الإدارة الأميركية وتصريحات أركانها وخصوصا كل ما يصدر عن الرئيس باراك أوباما بتناقضات مثيرة عندما يتعلق الأمر بسورية وبالرئيس بشار الأسد الذي بات مجرد ورود اسمه دلالة على عقدة مستحكمة في العقل الأميركي ويمكن بكل بساطة الاستنتاج أن عقدة الأسد تمثل مفصلا حاسما في التكيف الأميركي الطويل والمتعرج مع التوازنات والتحديات التي أفرزها فشل مغامرة العدوان الكوني على سورية وتصاعد أخطار ارتداد الإرهاب.

أولا خلال يومين بدا المشهد في منتهى الوضوح والقوة ففي تقرير وزير الحرب الأميركي تشاك هاغل أمام الكونغرس وردت عبارة مفادها أن الرئيس الأسد هو شريك في جهد القضاء على الإرهاب ومن ثم جاءت كلمات أوباما المرتجفة تدور حول المعنى عندما قال : إن الدبلوماسية تفرض التعامل مع الخصوم مؤكدا ان ما يعترض التعاون المباشر أي الصريح والمعلن مع الرئيس الأسد هو مصير التحالف الذي انشأه اوباما والكلام هنا يقصد به الرئيس الأميركي هو صعوبة الجمع بين استمرار انخراط السعودية وقطر وتركيا في حملته الجوية على الإرهاب والانتقال إلى التعاون مع الرئيس بشار الأسد والدولة الوطنية السورية راهنا على الأقل.

بالمقابل وبكل صراحة اكد الرئيس الأميركي ما كان متداولا في الكواليس عن التنسيق المسبق مع قيادة الجيش العربي السوري لضمان عدم اعتراض الدفاعات الجوية السورية لطائرات التحالف الأميركي خلال غاراتها على موقع داعش والنصرة في سورية ومعلوم ان مثل هذا التنسيق هو احد تعبيرات الشراكة مع سورية وقد فرضها توازن القوى لا غير وعلى الرغم من الإنكار السياسي الذي قدمها بصيغة أخذ العلم بينما يؤكد الخبراء ان تعاونا بهذا المستوى أي عدم اعتراض الطائرات يقتضي تنسيقا في قوائم الأهداف والإحداثيات والممرات الجوية خصوصا وان الطيران الحربي السوري يكاد لا يبارح الأجواء ومن غير ان يسجل احتكاك ولو طفيف بينه وبين طائرات التحالف !

ثانيا قبل التنسيق مع القيادة السورية في شن الحملات الجوية على داعش والنصرة منذ انطلاقها كان الرئيس بشار الأسد عقدة شخصية لباراك اوباما الذي نادى بشعاري الإسقاط والتنحي وفشل فشلا مبرما رغم الحرب الكونية التي شنها بالشراكة مع حلفائه الذين يخشى اليوم ارتدادهم عليه وهم في الواقع يتنصلون من أي خطوات جدية في الحرب على الإرهاب إلا دفع مزيد من الأموال للشركات الأميركية والمساهمة في تمويل الضربات الجوية وتقديم تغطية معنوية من خلال صيغة واهية وغيرمقنعة لتحالف اوباما.

اليوم يخبرنا اوباما ان الرئيس الأسد هو عقدة شركائه في التحالف الذي يخشى انفراطه إذا تبنى الانتقال نحو شراكة صريحة ومباشرة مع الدولة الوطنية السورية يعلم الرئيس الأميركي ووزير حربه واجهزة استخباراته وقادة أركان الجيوش الأميركية انها اكثر من ملحة بمنطق تصفية الإرهاب ويمكن الاستغناء عنها إذا حسمت الخيارات الأميركية لصالح استراتيجية المداعبة بحثا عن فرص الاحتواء وإعادة التوظيف مجددا ولكن الرئيس الأميركي يوجه بهذا الكلام رسالة إلى المحور المقابل ويعرض مقايضة انتقاله إلى التعامل مع الدولة الوطنية السورية ورئيسها الدكتور بشار الأسد بمساعدته في احتواء شركائه في العدوان على سورية وتمكينهم من التعايش مع انقلاب بهذا الحجم وهذه الرسالة تطال بصورة خاصة كلا من موسكو وطهران ودمشق طبعا.

ثالثا يعلم العارفون على الأقل ان رسالة الرئيس الأميركي إلى المرشد السيد الخامنئي حول التعاون في محاربة الإرهاب كانت موجهة إلى شركائه الإقليميين في ذلك التحالف وهي تلويح بورقة مهمة وحساسة بالنسبة إليهم وتوقيتها يوازي مسار التفاوض حول الملف النووي الإيراني ومغزاها هو الانتقال من التفاهم النووي إلى الشراكة الإقليمية بين إيران والولايات المتحدة التي تجد في تصرفات حلفائها الكثير من مظاهر التورط في دعم الإرهاب وتمويله وإيوائه وهي تحميهم من الملاحقة اوالعقوبات التي ترتبها رزمة من القرارات الدولية اتخذت مؤخرا .

وما يلفت الانتباه أن الرئيس الأميركي لم ينف الحاجة إلى الشراكة مع الرئيس الأسد ولا ناقش في اهمية تلك الشراكة في التخلص من الإرهاب بل إنه لم يقلل من تلك الأهمية ولا هو رد على تشاك هاغل الذي اعتبر الرئيس بشار الأسد شريكا في جهد القضاء على الإرهاب.

كلمات اوباما في مؤتمره الصحافي تعرضت لتداعيات الشراكة المعلنة مع الرئيس الأسد على علاقات الولايات المتحدة بشركائها الذين تواجه صعوبة شديدة في إخراجهم من ورطة العدوان على سورية وكأنما هو يقول : لم تنضج بعد ظروف الانتقال الصريح إلى الشراكة مع الرئيس بشار الأسد ومن الواضح ان عين اوباما على حبال ما يدعى بالحل السياسي السوري علها تنزله عن شجرة العلقم الذي تذوقته الإمبراطورية في فشلها المتواصل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى