بقلم غالب قنديل

حول مبادرة السيد نصرالله

sayyed hassan

 

تقدم قائد المقاومة السيد حسن نصرالله مجددا بمبادرة مهمة وكبيرة لإنقاذ لبنان خلال خطابه ليلة العاشر من محرم وتكسر تلك المبادرة سياسيا ومعنويا جدران الجليد المشحونة بكميات كبيرة من مفردات التحريض والانقسام التي يحرص السيد نصرالله دائما على تجاوزها دفعا للأذى الذي تلحقه بالحياة الوطنية ولكونها من أدوات العمل المفضوحة لتأجيج الشحن المذهبي الذي يعزز الانقسام والتوتر في الشارع وقد كرس نصرالله في السنوات الأخيرة جهودا جبارة لمنع الفتنة وعمم ثقافة المقاومة الشعبية ضدها بتفويت الفرص على الاستفزازيين منذ قضية مخطوفي أعزاز وتداعياتها.

التقييم الإيجابي الذي قدمه السيد نصرالله لصالح تيار المستقبل في موقفه من معارك طرابلس والشمال التي خاضها الجيش اللبناني ضد جماعات التكفير الإرهابية شكل بذاته صدمة إيجابية في مناخ العلاقة بين الجانبين وترجمة لمنطق ثابر السيد نصرالله على تأكيده وهو ان الخصومات والتحالفات السياسية تبنى على أساس المواقف والخيارات وفي كل مرة اتخذ الخصوم السياسيون موقفا يناسب المصالح الوطنية ويجسدها كان السيد أول المبادرين للترحيب والتنويه بل والإشادة كما حصل مؤخرا طامحا إلى مد جسور حوار وتعاون تخدم تحصين البلاد .

من الطبيعي أن يترفع السيد عن التذكير في معرض مبادرته بدور المستقبل في احتضان الجماعات المتطرفة التي تعتدي على الجيش والتي استحضرت إلى لبنان بفعل فاعل ووجدت الحماية السياسية والأمنية والتمويل والدعم منذ انطلاق العدوان على سورية وهو انتقد صراحة الكلام عن دعوات الحوار في نصوص مبنية بلغة التحريض والشتيمة وبذاكرة الخصومة وتذكاراتها.

أراد السيد ان يكرس منطق الانفتاح وان يؤكد الدعوة للحوار والتعاون على أساس الاحترام المتبادل لفتح مسار سياسي نحو صفحة جديدة في العلاقة مع المستقبل على أرضية الشراكة في العمل لحماية لبنان وتعزيز قدرته في التصدي للتكفير الإرهابي الذي هو الخطر المصيري الراهن ويمكن القول إن مجاراة حزب الله لتمديد ولاية المجلس النيابي على اعتبار ان بديله الفراغ بسبب رفض المستقبل لإجراء الانتخابات النيابية كان ترجمة لروح المبادرة التي تغلب فرص التفاهم على اصطياد المناكفة وأسلوب الحشر في الزاوية باستثمار مأزق الخصوم الناتج عن خياراتهم الخاطئة.

التفاهم على خطة وطنية لحسم الصراع ضد جماعات التكفير الإرهابية يمثل هدفا وطنيا كبيرا في هذه المرحلة ومبادرة أمين عام حزب الله تنشد تشجيع المستقبل على تطوير مواقفه الأخيرة التي أسهمت في رفع الغطاء السياسي عن تلك الجماعات التي استظلت الحريرية وواجهاتها السياسية والنيابية وحظيت دوما بالتبرير والتغطية التي تراجعت تدريجيا منذ تهريب قادة المحاور وتوقيف بعضهم بعد تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام .

المهم ان تقدم الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل إذا تجاوب الرئيس سعد الحريري يوفر فرصة سياسية جيدة للبلد لأنه سيوحد الجهود ضد الإرهاب والتكفير والأهم ان يضع حزب الله في الاعتبار انتهاء حقبة احتكار التمثيل السني وبروز ظروف مناسبة لتوسع نطاق التعددية السياسية والتمثيلية في الشارع شكلت الدافع الأول لمنع الانتخابات النيابية وتمديد ولاية المجلس النيابي لهذا السبب وليس للأسباب الأمنية .

المستقبل يحتاج إلى الحوار والشراكة فهو يجابه قوتين منافستين في شارعه مباشرة :

         تشكيلات وزعامات الثامن آذار التي واظبت على معارضة المستقبل ومواقفه خصوصا من المقاومة وسورية وكذلك نهجه الاقتصادي الاجتماعي في الداخل ويحظى مجموعها بما لايقل عن ثلث الكتلة الناخبة وفقا لنتائج عام 2009 وقد استعصى شطبها رغم شراسة الهجمة عليها بل إن التحولات الجارية رفعت من مستوى مصداقيتها .

         الخطر راهنا على زعامة الحريري وفريقه السياسي مصدره الجماعات والشخصيات المرتبطة بالتحالف القطري التركي التي تنخر قواعد الحريرية من الداخل بحكم الشراكة الطويلة التي عقدت بين الجانبين منذ التسعينيات وقد توطدت تلك الشراكة خصوصا في تنفيذ العدوان على سورية مع ذلك المحور بحكم القيادة السعودية لسائر اطرافه وهو ما شرع يتفكك مؤخرا وحل مكانه صراع دموي وعنيف يشمل جميع الساحات المشتركة كما في ليبيا ومصر وسورية وسواها والمنطق نفسه يشمل لبنان بكل تأكيد وهذا ما يفترض ان تضعه قوى الثامن آذار في حسابها السياسي وألا تقع مجددا في الاستبدالية التي تقوم على تكريس الحصرية الحريرية التي فقدت ركائزها المادية والسياسية في المعادلة .

خلاصة القول ان مبادرة السيد نصرالله تستحق العمل السياسي والإعلامي لمحاولة دفعها إلى الأمام لأن اختراق الجدار المسدود يمكن ان يفسح في المجال لتثمير التوازنات المتحولة في مصلحة لبنان وحماية شعبه وتقوية جيشه وربما إلى إيجاد التفاهمات الممكنة في الكثير من الملفات العالقة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى