بقلم غالب قنديل

ليست مذهبية أبدا

 

Image134

خصص قائد المقاومة السيد حسن نصرالله حصة رئيسية من خطابه في عاشوراء لنقض الفكرة التي تروجها الولايات المتحدة ومعها حكومات كثيرة تابعة لها سياسيا في المنطقة والعالم حول ان ما يدور في البلاد العربية والإسلامية من صراعات هو اصطدام مذهبي كبير بين السنة والشيعة .

طبعا يراهن المخططون الأميركيون منذ عقود على استقطاب الشعوب إلى هذا الانشقاق المذهبي وإثارة صدامات دموية تدفع إلى تعميم الفوضى والتفتيت والتقسيم وتسهم في تشتيت الانتباه عن القوى الفعلية التي تعرقل سير الشعوب والدول المستهدفة في طريق التقدم والتنمية والاستقرار وقد مثلت الفتنة السنية الشيعية محور التخطيط الاستعماري والصهيوني الذي شاركت فيه حكومات إقليمية تدور في فلك الغرب وتخدم خططه انطلاقا من انتمائها إلى منظومة الهيمنة الاستعمارية كما سخرت المليارات لإنشاء المنابر الإعلامية التي تشيع مناخ التحريض والتناحر المذهبي عمدا منذ ما يزيد على الثلاثين عاما وبالذات بعد انتصار الثورة الإيرانية وقد تضاعف السعي لتصعيد السعار المذهبي بعد نجاح حزب الله في تحرير الجنوب من الاحتلال الصهيوني بلا قيد او شرط وكانت الغاية منع انتقال عدوى المقاومة كثقافة عبر حواجز الكراهية ومن خلال حملات تشويه السمعة والصورة التي كرست لها الولايات المتحدة موازنات ضخمة وفقا لما كشف بعضا منه معاون وزير الخارجية السابق جيفري فيلتمان.

ما قاله سماحة السيد مهم وجوهري خصوصا لأنه صادر عن قائد حركة مقاومة مشهود لها بإنجازاتها في التصدي للكيان الصهيوني وفي تعميم ثقافة تقديم الأولويات المتصلة بالوجود والمصير وهو صادر عن شخصية فقهية ضليعة في العلوم الإنسانية والدينية ولها مكانتها المهمة في العالم الإسلامي .

إيران الشيعية والشاه الشيعي كانا يقودان جميع حكومات الخليج والأردن والمغرب وجميع الحكومات العربية الدائرة في الفلك الأميركي منحته السمع والطاعة لعقود فكانت كلمة طهران هي العليا عليهم جميعا ومع معرفتهم الوثيقة بعلاقة الشاه الوطيدة بإسرائيل وما تغير في زمن الثورة الإيرانية لم يكن مذهب الشعب والحكومة الإيرانية بل نهجها السياسي وخيارها الاستراتيجي الذي بات محوره مجابهة إسرائيل ونصرة فلسطين وهذا هو بيت القصيد في الموقف من إيران وليست المزاعم المذهبية الكاذبة سوى ذريعة لتضليل الرأي العام العربي وللتلاعب بعواطفه ولتسويق سياسات محورها تثبيت التبعية للغرب ولسياساته الداعمة لإسرائيل.

اما في فهم حقيقة ما يدور على مساحة المنطقة بأسرها فقد كان العرض الذي قدمه سماحة السيد مهما ولافتا جدا ومنطقيا كذلك وهو يزيح بالوقائع الواضحة الغشاوة عن حقيقة ما يجري فأين الصراع المذهبي في المنطقة بينما تدور الصراعات الطاغية حاليا على حد الاستقطاب بين المحورالسعودي الإماراتي والمحور التركي القطري وحيث يمكن لأي عاقل ان يتبين صراعا سياسيا له مقدماته ودوافعه المتعلقة بمستقبل المنطقة وبالسباق الجاري على تقديم اوراق الاعتماد عند الولايات المتحدة والغرب بعد التداعي الكبير والإخفاق والتخبط الذي اعقب ما سمي بموجة الربيع العربي .

ليس من أثر للمذهبية في هذا الصراع دون شك وهو بجميع تعبيراته صراع مصالح منها الاقتصادي والسياسي وهو يدور على خرائط النفوذ وبالفعل وكما قال قائد المقاومة فإن الحرب الدائرة في ليبيا هي بين قوى محلية تنتمي لمذهب واحد وتتصارع على السلطة وتعكس في صراعها تنافس المحورين المذكورين وفي مصر يدور الصراع بذات المنوال بين تنظيم الأخوان المدعوم من قطر وتركيا والسلطة السياسية التي تتلقى دعما سعوديا إماراتيا معلنا ولا صلة لموضوع السنة والشيعة بكل ما يجري هناك وحتى في العراق حيث يغلب الكلام المذهبي على توصيف ما يدور فإن انقساما سياسيا سنيا واضحا يفرض وجوده في خارطة الصراع والاصطفاف وحيث تواصل داعش قتل المزيد من أبناء العشائر السنية التي استجار بعضها بقوات بدر.

اما في سورية فالاستقطاب السياسي عابر للطوائف ولا يستطيع أي كان في الحالة السورية بالذات ان ينكر حقيقة الهوية الوطنية الجامعة التي تعبر عنها الدولة المدنية اللاطائفية في تكوينها وسلوكها ولا حجم الثقل السني الشعبي الكبير الداعم للدولة الوطنية ومعه المؤسسة الدينية التي قدمت العديد من الشهداء دفاعا عن الوطن وفي مقدمتهم الفقيه الإسلامي الكبير الإمام البوطي الذي بذل روحه على محرابه ناشرا ثقافة التنوير دفاعا عن الدولة الوطنية وعن سورية المقاومة في تصديها للغزوة الاستعمارية وأدواتها العميلة وخصوصا من قوى التكفير والإرهاب.

في لبنان ذاته لا يمكن إثبات الزعم بأن النزاع بين السنة والشيعة فالمعسكران المتقابلان عابران للطوائف كلها وثمة قوى تحظى بوزن تمثيلي لا يمكن تجاهله تنتمي إلى الطائفة السنية وهي تشكل قوة رئيسية من نسيج تحالف 8 آذار واتساع حجم المنافسين في قلب الطائفة السنية هو من دوافع سعي المستقبل لتمديد ولاية المجلس النيابي وتحاشي الاختبار الانتخابي خصوصا وانه سيكون في مجابهة تحدي المنافسة مع تكتلين من هما قوى 8 آذار والجماعات المتطرفة المنتمية إلى المحور القطري التركي الأمر الذي يعني تقلص وزنه التمثيلي وتراجع فرصه في الاحتفاظ باحتكار التثميل النيابي والسياسي للطائفة السنية ورغم نجاحه في منع إقرار النسبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى