بقلم غالب قنديل

تركيا و«إسرائيل» وجيوب الاستنزاف

 

turk is

تحت سقف توازن الردع الإقليمي الذي تفرضه سورية ومعها منظومة المقاومة في المنطقة وحلفاؤها الدوليون تتحرك جميع حكومات حلف العدوان على سورية منذ تراجع الإدارة الأميركية عما سُمّي بضربة أوباما صيف العام الماضي ، وترتبك الإدارة الأميركية في حربها الجوية لاحتواء «داعش» أمام تصميمها على عدم التسليم بهزيمتها أمام الدولة السورية باستمرار رهانها الأجوف على حشد جماعات معارضة تريد منها خوض الحرب ضد «داعش» والدولة الوطنية معاً، بينما تتهاوى معاقل المرتزقة أمام الجيش العربي السوري والآلاف الذين درّبهم الأميركيون ومعهم فرنسا وبريطانيا في كل من الأردن وتركيا والمملكة السعودية يتبدّدون في ساحات القتال تحت رايات «داعش» و«النصرة».

تفيض مواقف الرياض والدوحة عداوة وحقداً تجاه الدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد الذي يتصدّر قيادة معركة فاصلة على مستقبل المنطقة وتوازناتها في مجابهة منظومة الهيمنة الاستعمارية التي تلعب فيها الحكومتان السعودية والقطرية دوراً مركزياً تحت قيادة الإمبراطورية الأميركية وحلف الناتو.

تتخبّط هاتان الحكومتان في حالة من الخيبة والخسران والعجز عن تطوير العدوان الذي استعملت في شنه جماعات كبيرة من المرتزقة الدوليين وجماعات التكفير والإرهاب من القاعدة وتفرّعاتها إلى جانب التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وأكثر ما يصدم حكام السعودية وقطر هو الميل الأميركي للاعتراف بالعجز عن مهاجمة سورية والإحجام الغربي عموماً عن المغامرة بإشعال حرب إقليمية كبرى ستكون فيها «إسرائيل» هدفاً لعشرات آلاف الصواريخ وفق التقديرات الغربية والصهيونية، وقد تقود حال وقوعها إلى اصطدام دولي خطير بين أساطيل القوى العظمى، حيث يصرّ الحليفان الروسي والإيراني على إشهار حضور قوي في مسرح العمليات عند الضرورة إلى جانب الدولة الوطنية السورية أو تلبية لطلبها عند الحاجة، وهو ما حملته رسائل معلنة وسرية واكبت فصولاً متلاحقة من المواجهات الجارية كان آخرها بمناسبة عربدة الرئيس التركي رجب أردوغان.

اليأس الذي دخلته الرهانات السعودية والقطرية حول سورية منذ الانتخابات الرئاسية، وهزائم فصائل الإرهاب المتلاحقة في الميدان أمام الجيش العربي السوري، لا يحول دون رهانهما المتجدّد على الدورين الصهيوني والتركي في مواصلة استنزاف سورية، ولذلك وضعت قطر رعايتها لفرع «القاعدة» الرسمي «جبهة النصرة» في تصرف «إسرائيل» التي تنشط لإقناع الولايات المتحدة بدفع الحكومة الأردنية في طريق المغامرة الخطرة بالتعاون الاستخباري واللوجستي مع «إسرائيل» لتصعيد عمليات الإرهابيين في الجبهة الجنوبية التي تشمل محافظتي درعا والقنيطرة، ويرجح بعض الخبراء أن هذا الملف كان في جدول أعمال زيارة وزير الحرب الصهيوني موشي يعلون إلى واشنطن الذي أعطى قبيل مغادرته شهادة اعتدال لتكفيريّي «النصرة» الذين يتحركون لمهاجمة مواقع الجيش السوري تحت غطاء المدفعية الصهيونية وبإرشاد من أجهزة التجسس «الإسرائيلية» ومعهم مجموعات من المرتزقة والعملاء الذين جندهم الموساد عبر بوابات العار المستحدثة لتقديم الدعم والإسناد إلى بعض كتائب وفصائل ما يسمى بالجيش الحر، وقد تخطى العملاء المجندون في الموساد ألفاً وخمسمئة عنصر بحسب ما ذكر الكاتب الصهيوني إيهود إيعاري مؤخراً بينما أشارت معلومات صحافية «إسرائيلية» إلى اعتزام تل أبيب مطالبة الإدارة الأميركية بحصة من الموازنات المقررة لتمويل الحرب على سورية ومصدرها المعلوم هو الخزائن السعودية والقطرية بهدف توسيع حجم القوة العميلة في الجولان ودرعا ورفدها بالمزيد من المرتزقة.

أما حكومة تركيا الغارقة في خيبات متلاحقة من محاولاتها اليائسة لتنفيذ أطماعها الإقليمية بالهيمنة على مناطق سورية مجاورة بعد انكسار وهم الهيمنة الشاملة بإسقاط الدولة السورية لحساب تنظيم الإخوان حاضن الإرهاب والتكفير في المنطقة والعالم، فهي مصممة على مواصلة دعم تنظيم «داعش» ومده بالمال والسلاح وتقديم التسهيلات اللوجستية لتحركاته عبر الحدود، ولم يرتدّ أردوغان عن رهاناته وأوهامه بخصوص سورية على رغم اصطدامه برفض الولايات المتحدة لاقتراحه المتجدّد الخاص باستحداث ما يدعوه مناطق عازلة داخل سورية لتنشيط الكتائب العميلة التي تبدّلت يافطاتها مرات عدة في السنوات الماضية، وهي مكونة من مجموعات مرتزقة وإرهابيين تشكلت في بيئة تنظيم الإخوان السياسية وبالمال الخليجي الذي حصد منه سماسرة الحرب الأتراك الكثير، عدا ما نهبوه من ثروات سورية النفطية بواسطة «داعش»، وآلتها الصناعية التي فككت وشحنت في وضح النهار بواسطة كتائب ما يسمى بالجيش الحر والجبهة الإسلامية وسواها من التشكيلات.

تركيا و«إسرائيل» تسعيان إلى خلق جيوب استنزاف في الشمال والجنوب السوريين، بينما القوات العربية السورية تواصل حركتها الميدانية لتصفية معاقل الإرهاب في معظم المناطق السورية، خصوصاً في محافظات الوسط السوري التي تمثل نسبة رئيسية من الجغرافية والثقل السكاني والاقتصادي ويتيح تحريرها حشد المزيد من القوى لملاحقة عصابات الإرهاب في المناطق الأخرى.

ما يثير القلق التركي و«الإسرائيلي» هو تسارع الخطوات التي يقوم بها الجيش العربي السوري وإنجازاته الأخيرة في أرياف دمشق وحماة وحلب ودير الزور والحسكة مما يوحي بسير الأحداث خلال الأشهر المقبلة نحو تحولات في الميدان تمثل هزيمة للمشروع الاستعماري برمته، ومن الواضح للمراقبين أن تحرك الجيش العربي السوري نحو الجبهة الجنوبية وعلى جبهة حلب سيكون بزخم أكبر وأشدّ خلال الفترة المقبلة حال إنجاز المهام التي وضعتها القيادة العسكرية السورية لقواتها المقاتلة التي بلغت في تقدمها ريف إدلب انطلاقاً من انتصارها في مورك بريف حماة، بينما تستعدّ لإحكام الطوق على الإرهابيين داخل مدينة حلب وتتقدم في الريف الحلبي على عدة محاور، حيث يتابع أردوغان المعارك بحسرة كبيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى