بقلم غالب قنديل

إيران خيار عربي استراتيجي

غالب قنديل

تميزت السياسة الإيرانية بالتزام صلب وواضح بأولوية التناقض بين الجمهورية والكيان الصهيوني ومنذ انتصار الثورة بقيادة الإمام الخميني كان الصراع ضد العدو الصهيوني هو المبدأ الثابت في نهج إيران وتوجهاتها التي تنطلق من اولوية قضية فلسطين وتقدمها على شتى الملفات الاستراتيجية والسياسية التي تتخذ منها إيران مواقف وتطور مبادرات حولها وهو مبدأ فرضه وعي طليعي وناضج لطبيعة منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة ولشروط النضال للتحرر من الهيمنة والدفاع عن الاستقلال القومي لجميع دول الإقليم فاعتناق مبدأ تحرير فلسطين هو التعبير الأرقى عن إرادة التحرر والاستقلال في جميع بلدان المنطقة.

واقعيا يمكن لأي عاقل يراجع تاريخ المنطقة منذ مطلع القرن العشرين ان يجد في صلب الأخطار والتهديدات نشوء الكيان الصهيوني وتعاظم قدراته العسكرية الهجومية التي استخدمها بدعم غربي كبير وواسع في حروب هزت البلدان العربية واستنزفتها وألحقت بها خسائر كبيرة ومنذ تطوير الولايات المتحدة لنظريتها عن الحل السلمي بعد حرب حزيران العدوانية عام 1967 تحولت الاستراتيجية الأميركية بتعبيراتها السياسية والدبلوماسية والأمنية إلى اداة اختراق وتطويع فعالة في المنطقة استهدفت تمزيق الصف العربي واختراق الدول العربية التي رضخت تباعا تحت سطوة المشيئة الأميركية وإغراءاتها للحكومات والدول وحيث استخدمت الولايات المتحدة وسخرت إمكانات الحكومات الخليجية لتدعيم نهجها الهادف لفرض التفوق الإسرائيلي والهيمنة الإسرائيلية ولتدجين القيادة الفلسطينية وإخضاعها في مسار التسويات.

إن قيام الثورة الإيرانية التي قادها الإمام الخميني شكل الخبر السعيد الأول منذ كمب ديفيد لقوى المقاومة العربية ولسورية الدولة العربية الوحيدة التي رفضت الاستسلام وظلت على عقيدتها القومية والوطنية ترفض الإذعان للإملاءات الأميركية وتقاوم الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على المنطقة وهكذا تشكل الحلف العربي الإيراني المقاوم والاستقلالي منذ مطلع الثمانينات في الربع الأخير من القرن العشرين وهو صامد ومستمر حتى اليوم ويثبت جدارته كخيار استراتيجي كان القائد الراحل حافظ الأسد هو السباق لاكتشافه والتماس عناصر القوة التي يتيحها للموقف العربي القومي والتحرري.

جاءت احداث السنوات الأخيرة ومنذ اندحار الاحتلال الصهيوني عن جنوب لبنان لتكشف حركة اميركية صهيونية لمنع اختلال ميزان القوى الإقليمي لصالح محور المقاومة والحؤول دون تقهقر مكانة الكيان الصهيوني وسطوته التي تشكل العامود المركزي لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

في هذا السياق بدأ تحريك القوى اللبنانية التابعة والمناوئة للمقاومة بشتى الوسائل وتم اغتيال رجل التسويات الرئيس رفيق الحريري والغاية دائما هي محاصرة المقاومة وعزل لبنان عن القلعة السورية المقرر محاصرتها واختراقها بشتى السبل وإغراق المنطقة في حالة من الفوضى والتآكل خصوصا بعد احتلال العراق وإفلات فلول القاعدة ونشرها في الجوار العربي والإقليمي لاستنزاف محور المقاومة وتشتيت قواه وفرض وضعية دفاعية على سورية وإيران بإشغالهما بأوضاعهما الداخلية التي سخرت لهزها قدرات مالية وإعلامية واستخباراتية ضخمة وفرتها المملكة السعودية ومحورها الإقليمي ومعهما تركيا بينما وضعت مصر في حال سبات وجمود كقوة إقليمية تم إشغالها باستنزاف داخلي بواسطة تنظيم الأخوان المسلمين الاحتياط الأميركي البريطاني الرجعي الحاضر لتنفيذ اجندات الغرب وكانت غاية هذه الخطط لاسيما خلال ما سمي بالربيع العربي إراحة إسرائيل وإبعادها عن الاستنزاف ولملمة نتائج هزائمها المتجددة امام المقاومة في لبنان وفلسطين بعد هروبها من غزة وهزيمتها في تموز حيث عملت الآلة الأميركية الخليجية على محاصرة الخيار الفلسطيني المقاوم باحتواء واستتباع القيادات الفلسطينية منذ اتفاق اوسلو ومحاصرة قوى المقاومة التي لم تلق أي دعم سوى من دمشق وطهران واستخدم تنظيم الأخوان في سورية لتفخيخ العلاقة بين بعض فصائل المقاومة والجمهورية العربية السورية التي حافظت على موقفها النقي وتعاونت مع إيران وحزب الله لإفشال المخطط المعادي بحكمة ودراية.

أربعون عاما تكاد تمضي على إسقاط نظام الشاه وقيام ما سمي بعد الثورة الخمينية بالمحور السوري الإيراني الذي برهنت السنوات السبع الأخيرة على مدى صلابته وقوته وصحة الالتزام به كخيار استراتيجي فلولا قوة هذا الحلف المقاوم ومتانة السند الإيراني لما تمكنت المنطقة من التقدم لكسب الحرب الكبرى التي خاضتها ضد تهديد قوى الإرهاب والتكفير وفي مجابهة الاشتغال على بث الفتنة المذهبية لتمزيق الشعب العربي واستهداف المسيحيين العرب بخطط الإبادة والتهجير في العراق وسورية واليوم في فلسطين وقد شكل ذلك التكامل السوري الإيراني جسرا حاضنا لصعود النجم الروسي كقطب عالمي داعم للشعوب ولإرادة الاستقلال والسلام في وجه نظام الهيمنة والنهب الذي تحاول اللصوصية الأميركية فرضه على العالم.

لقد برهنت الحروب والتحديات العاصفة طيلة العشرين عاما الأخيرة ان إيران هي خيار عربي استراتيجي لجميع دعاة التحرر والاستقلال والمقاومة دفاعا عن الوجود وعن التمسك بخيارات وحدوية وطنية نابذة للتطرف وللإهاب والتكفير ورافضة للهيمنة الاستعمارية والصهيونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى