بقلم غالب قنديل

الأهداف الأميركية في سورية

غالب قنديل

بينما يترقب كثير من المتابعين والقادة ما تردد عن المباحثات الروسية الأميركية حول سورية وما قيل عن لقاء محتمل بين الرئيسين باراك اوباما وفلاديمير بوتين في الصين صدر إعلان اميركي يوم امس عن دفعة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا.

التوقيت الذي لا يبدو مصادفة وهو تأكيد للتصميم الأميركي على مواصلة العمل ضد روسيا التي تخص مرشحة اوباما الرئاسية هيلاري كلينتون رئيسها بأشد العبارات والأوصاف إثارة للكراهية والعداء ورغم حرص اوباما على سلوك الاضطرار للتباحث مع الرئيس بوتين حيث تعثرت الخطط الاستعمارية الأميركية بمساهمة روسية صينية إيرانية بفضل صمود سورية في وجه الحرب الأميركية بالوكالة التي شنت لتدمير دولة مستقلة شكلت عامود محور المقاومة والاستقلال في المنطقة.

فرضت التحولات الميدانية الناتجة عن تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض استنفاذا مهما لطاقة الحكومات التي حشدتها إدارة اوباما خلف عصابات الإرهاب التكفيري لخوض حربها التي تتميز بكونها لا تفرض عليها اكلافا مباشرة تذكر بشريا وماديا بعدما صرفت عليها المليارات بأوامر اميركية من خزائن السعودية وقطر وألقيت فيها آلاف اطنان السلاح والذخائر بإشراف البنتاغون كما حشدت إليها فصائل التطرف والإرهاب في العالم عشرات آلاف المحاربين القاعديين بشتى مسمياتهم ويافطاتهم وجنسياتهم التي لا يمكن حصرها برايتي داعش وجبهة النصرة المتحولة مؤخرا لتسمية جديدة في لعبة مشهدية بائسة.

تميز السلوك الأميركي اتجاه السعي الروسي الحثيث للوصول إلى تفاهمات حول سورية منذ العام 2012 بالمراوغة والتنصل والانقلاب على ما يجري تثبيته من اتفاقات سياسية وميدانية تحت تأثير التحولات التي تحققت في توازن القوى وقد جربت الإدارة الأميركية العديد من الوسائل والخيارات لتنشيط العدوان ولإحياء اهدافه العليا دون جدوى لكن الخيار الأميركي تبلور في خطة استنزاف مستدامة لمنع انتصار سورية وحلفائها.

ما تطبقه واشنطن هو السير في حرب استنزاف طويلة ضد الدولة الوطنية السورية بعد سقوط الخطط السابقة لإسقاطها والتخلص من رئيسها المتمسك باستقلال بلاده وبهويتها القومية المقاومة وفي صلب هذه الخطط الأميركية برز من واشنطن وفي مراكز رسم السياسات الرهان على استنزاف شركاء سورية الموثوقين روسيا وإيران والصين وحزب الله الذين يشاركون في دعم جهود الجيش العربي السوري لتحرير البلاد من الخليط الإجرامي الهجين الذي تدعمه الولايات المتحدة والحكومات التابعة في المنطقة.

مما لاشك فيه ان الولايات المتحدة واقعة في إرباك كبير نتيجة ما رتبته حلقة الفشل في إسقاط سورية وامام استهلاك قدرات السعودية وتركيا على المزيد من التورط وتصيب حلف العدوان حالة من الذعر امام ملامح الهزيمة امام الرئيس الأسد بعدما أجبر تفاهم الاضطرار مع روسيا الرئيس اوباما على التخلي عن شعار الإطاحة الموهوم والتسليم بقواعد العملية السياسية التي صدرت في البيانات المشتركة بعد زيارات كيري إلى موسكو ودونت كوثيقة في بيان فيينا وكل ذلك جاء شهادة لصمود سورية المتعاظم الذي يمثل حدثا كبيرا تاريخيا ومهما بالقياس لما واجهته من حرب كونية شرسة لم توفر وسيلة اواداة إلا استعملتها.

يشتد الارتباك الأميركي مؤخرا لجهة التوفيق المستحيل بين حليفها التركي والقوات التي بنتها ودربتها بغالبيتها الكردية التي يعتبرها القادة الأتراك الخطر الداهم على امن تركيا في الميدان السوري نتيجة التشابك السكاني والحزبي على امتداد الحدود السورية التركية التي عبرتها وحدات الجيش التركي تحت عنوان إبعاد الخطر عن الداخل وفعليا لمنع تحول مناطق سيطرة قوات الحماية الكردية إلى قواعد انطلاق لمقاتلي حزب العمال الكردستاني نحو المناطق الكردية المضطربة في تركيا ولا تبدو ذات مصداقية يافطة الحرب على داعش التي رفعها أردوغان في “عملية درع الفرات ” وفقا لوقائع التسلم والتسليم في جرابلس تماما كتلك اليافطة التي يرفعها اوباما نفسه منذ ظهور داعش في العراق.

قد يعلن من الصين عن تفاهمات روسية اميركية جديدة تتضمن وقفا جديدا لإطلاق النار وعودة للمباحثات في جنيف وفي الحقيقة ستسعى واشنطن لاستثمارها في اصطياد فرصة ظهور الرئيس اوباما كمنتصر من عبر استهداف معقل داعش في الرقة بينما تركز روسيا على صيغة متكاملة للحسم ضد عصابات الإرهاب ولاسيما في حلب بعد رفض اميركي متكرر لبلورة لوائح الفصائل القاعدية الواقعة خارج أي صيغة جديدة ممكنة لوقف العمليات الحربية لكن واشنطن تضمر خطة مديدة لتكريس سيطرة عملائها من الفصائل المسلحة على جيوب ومناطق في الجغرافية السورية تسعى عبرها لتكريس وجود قواتها الخاصة على الأرض ولتدعيم مشاريع الفيدرالية لإضعاف الدولة المركزية السورية باي ثمن وهذا ما يطرح على سورية وحلفائها ايا كانت الاحتمالات تسريع الحسم في حلب وإدلب قبل التفرغ للمناوشات الأميركية المدبرة في اوكار طرفية يحتلها الإرهابيون في المناطق الحدودية السورية وهذا ما يعرف الأميركيون انه يعادل بداية فعلية لخسارة الحرب برمتها.

روسيا تريد إنهاء الحرب على سورية ونهوض دولتها الوطنية والإدارة الأميركية تبحث عن المكاسب الانتخابية الممكنة للحزب الديمقراطي بما لايتعارض مع خطط الاستنزاف وحماية مواقع الاختراق الأميركي التي يريد اوباما تركها للإدارة المقبلة مع فرص توسيعها وتطويرها وفقا لتصورات زعيمة حزب الحرب هيلاري كلينتون وينبغي الانتباه دائما إلى ان حدود التراجعات الأميركية في سورية كانت نتيجة لما فرضته سورية وحلفاؤها في الميدان وسيبقى الأمر كذلك حتى دحر العدوان وتصفية جميع ادواته وإلحاق هزيمة واضحة وحاسمة بمدبريه الدوليين والإقليميين والكلام عن تسوية شاملة لا تؤكده الوقائع الصلبة وهو وهم خالص وتصور افتراضي لا أساس له.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى