بقلم غالب قنديل

العروبة والارتهان السعودي

1449690574883587200

غالب قنديل

“عروبي” مرتبط بالسعودية ويدافع عن مواقفها ؟ “علماني” يبرر علاقته بالمملكة التي يختصرنظامها حكم السياف والمطاوع ومنع النساء من ألف شان وشأن والأنكى أنه يحاضر عن عفة المملكة ودورها الإنساني المشهود في إغاثة اليمن التي ترميه بقنابل الموت ؟ وطني يرفع يافطة العداء للصهاينة ويعتبر الرياض مرجعيته الرشيدة ؟ متأنق باريسي المظهر من المحاضرين في الديمقراطية وحقوق الإنسان تمول انشطته وتحركاته المملكة التي تمول وتدير في الوقت عينه شبكة من المعاهد الوهابية التي تصدر التكفير الإرهابي إلى العالم ؟

تناقضات كثيرة من الفئة نفسها يفسرها اخطبوط متشعب من العلاقات والارتباطات التي تدور حول محور واحد هو ارتزاق بعض جماعات النخبة العربية التابعة لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وعامودها الفقري في المنطقة العربية : المملكة السعودية.

ليست المرة الأولى التي نشهد فيها خلطا مقصودا للمفاهيم وتضييعا للجوهري والرئيسي ولا هي المرة الأولى التي يتركز فيها التشويش على محتوى العروبة كهوية قومية ثقافية وحضارية وسياسية تحررية.

تواجه العروبة موجات عاتية من الحملات السياسية والفكرية التي تتوزع بين العودة إلى نفيها ونقضها ومعارضتها كهوية بمنطق رد الفعل على مواقف وسياسات الرجعية العربية وقرارات الجامعة خلال السنوات الخمس الماضية والتي حولتها إلى واجهة للعدوان الاستعماري على سورية.

وقعت تلك الجامعة أصلا في قبضة الولايات المتحدة بواسطة أرجحية المملكة السعودية وتوابعها العربيات منذ امد بعيد وبالذات منذ غياب الزعيم جمال عبد الناصر وتحولات الموقف العربي من الكيان الصهيوني الذي انتقل من لاءات الخرطوم الشهيرة إلى مسار التفاوض والتسوية الهادف إلى تصفية قضية فلسطين وتشريع العلاقات التجارية والأمنية والسياسية مع الدولة العبرية وقد واجهت سورية العربية منفردة ذلك النهج المشبوه والمدمر وكانت معبرة وقفة الرئيس بشار الأسد منفردا في القمة العربية عشية العدوان الاستعماري على العراق وقد كان مطلبا سعوديا رجعيا مسبق الدفع كما تبين ملفات التخطيط الأميركية منذ العدوان المدبر على إيران الذي اوكل إلى صدام حسين ومولته معظم حكومات الخليج بقيادة سعودية مباشرة.

استعمل الخطاب السعودي في السنوات الماضية مفردات العروبة في تغطية العدوان على سورية واليمن وفي تغطية تكريس إمكانات سعودية طائلة لدعم عصابات التكفير الوهابية التي تنشر التوحش الدموي وتخرب صروح الحضارة والتقدم في كل رقعة تجتاحها وهذا الدور السعودي هو في خدمة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وغايته تدمير محور المقاومة الذي نزع زمام المبادرة من الكيان الصهيوني والحلف الاستعماري برمته والأنكى من كل ذلك ان ينبري بعض الناصريين والقوميين لتبرير حرب الإبادة السعودية في اليمن وهي حرب هيمنة تخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية والصهيونية ونجدهم يبررون جرائم العدوان المشهودة باسم العروبة وبذرائع شتى تنطوي على تبني الخطاب نفسه بلكنة مختلفة بعض الشيء .

إن كانت العروبة تجسيدا لهوية قومية فهي اولا واخيرا وقبل كل شيء هوية استقلال وطني ومشروع وحدة قومية محورها المركزي رفض التبعية للاستعمار والتصدي للهيمنة الأميركية الصهيونية على الوطن العربي ومن يراجع نهج المملكة السعودية ودورها طوال اكثر من نصف قرن مضى يجد كل الأدلة والوقائع على انها القوة الإقليمية التي تلقي بثقلها وبجميع قدراتها في تثبيت منظومة الهيمنة وحراستها والتصدي لأي حركة تحررعربية استقلالية بمن في ذلك بعض المرتدين الملتحقين بالسياسة السعودية مؤخرا بدوافع ومصالح معينة.

اما التلاعب السعودي بفكرة الدور الإيراني في البلاد العربية ومحاولات العزف على وتر ما يدعوه الخطاب السعودي بالهيمنة الفارسية فهي خداع وكذب خالصين لأن مشكلة المملكة مع إيران منبثقة عن عداء إيران لإسرائيل والاستعمار الغربي والدليل ان نظام الشاه كان الحليف الموثوق والحميم للسلطات السعودية وزعيم منظومة الرجعية العربية بقيادتها وشكل إسقاطه بالثورة الشعبية التي قادها الإمام الخميني في مثل هذه الأيام صفعة وفجيعة لسائرالحكومات العربية التابعة للغرب .

إذا كانت العروبة هي التعبير السياسي والثقافي عن مصالح امة موجودة وقائمة بالقوة وغير مجسدة بكيان سياسي واحد نتيجة التمزيق الاستعماري الصهيوني للبلاد العربية فإن التحرر من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية هو الحلقة المركزية التي تعبر عن مصالح هذه الأمة وكل ارتباط بالاستعمار الغربي وكل ارتهان بالكيان الصهيوني اكان مباشرا ام مواربا ليس سوى انحياز إلى العدو القومي وخيانة للأمة وللعروبة وهذا ما ينطبق مباشرة على سائر الحكومات التي يسميها المخططون الأميركيون بالمعتدلة وعلى جميع التنظيمات الدائرة في فلكها والفلك الغربي أيا كانت اليافطة العقائدية او الفكرية التي تتستر بها إسلامية ام قومية ام يسارية.

الجوهري في الفرز الموضوعي الذي يشهده الواقع العربي هو الاختيار بين المعسكر السعودي الأميركي الغربي الذي روج الاستسلام للكيان الصهيوني وبين النهج التحرري الاستقلالي المقاوم الذي تمثله الجمهورية العربية السورية وفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين .

التهرب من هذا التحدي المبدئي بتفاصيل السجالات اليمنية او السورية الداخلية لا يعفي من مواجهة الحقيقة السافرة وهي ان المملكة السعودية أشد الدول العربية تخلفا في نظامها السياسي كما هي أشدها تبعية للهيمنة الاستعمارية والمسؤولة منذ العدوان الثلاثي على الجمهورية العربية المتحدة عن دعم القوى الأشد رجعية وعمالة في البلاد العربية وعن التآمر على القوى التحررية والتقدمية ومحاولة النيل منها بشتى الوسائل وهي لذلك العدو العنيد لحركة التحرر العربية في جميع مراحلها وبسائر مكوناتها وقد أثبتت التجربة ان المسايرة لا تفيد في تلافي الاصطدام بالعقدة السعودية التي تكرس إمكانات هائلة لمحاولة النيل من أي نزعة تحرر او تقدم في الوطن العربي وتلك هي عبرة التجربة السورية مع المملكة التي قادت التخطيط لتدمير سورية على التوقيت الأميركي الصهيوني رغم اليد السورية الممدودة للتعاون طيلة عقود تحت شعار التصامن العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى