بقلم غالب قنديل

“المستقبل”: تعطيل وتهور

saadhaririheadingalmustaqbalmpsbloc

غالب قنديل

يستمر المأزق السياسي لصيغة الحكم الناتجة عن التطبيق الحريري لاتفاق الطائف فقد بات ثابتا مؤخرا أن كتلة المستقبل هي الجهة التي عطلت التسويات والتفاهمات الواقعية الممكنة لتحريك عجلتي الحكومة والمجلس النيابي كما هي الجهة التي تمنع التقدم صوب المخرج الدستوري من هذا النفق المحكوم بالشلل الكلي لمؤسسات الدولة بفعل عجزها السياسي عن التكيف ومراوحتها عند عقم رهاناتها الإقليمية والدولية الفاشلة حيث تبدو عاجزة عن التراجع أو المراجعة.

أولا سد تيار المستقبل جميع الطرق في وجه محاولات ومبادرات متلاحقة لاحتواء خلافه مع العماد ميشال عون وكتلته النيابية وتياره الشعبي الواسع وهو خلاف يقع في صلب اتفاق الطائف ومفهوم الشراكة الذي جرى تحويله بالممارسة وبالأعراف إلى عملية تهميش شبه شاملة للشريك المسيحي في الصيغة الطائفية للحكم طوال همينة الحريرية على السلطة بالشراكة مع قوى اخرى أبرزها الكتلة الجنبلاطية وحيث كانت وما زالت قوانين الانتخاب هي الأداة المستخدمة خلافا لاتفاق الطائف الذي نص على اعتماد المحافظة دائرة انتخابية وفتح الباب للانتقال إلى صيغة اكثر ديمقراطية وتحررا للتمثيل النيابي والسياسي عبر نظام المجلسين أي مجلس النواب المنتخب نسبيا في لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي ومجلس الشيوخ المكرس للتمثيل الطائفي وعلى أساس الدائرة الفردية وبنظام الصوت الواحد وهو الباب الذي سدته الحريرية بإحكام.

تعطيل التفاهم الممكن مع تكتل التغيير والإصلاح يعطل الحكومة والمجلس النيابي معا وهو تعبير عن الكيد السياسي الذي يضمر التصميم على تهميش الشريك المسيحي في الحكم بالاستناد إلى خارطة المجلس النيابي الباقي بالتمديد حيث أتاحت صيغة قانون الانتخاب وتقسيماته وأدوات التأثير المالي والطائفي على الناخبين حصول المستقبل على كتلة كبيرة مهيمنة في السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ثانيا يمارس المستقبل تضليلا ثقيلا عندما يربط تعطيل جلسات التشريع النيابية باستعصاء تأمين النصاب لجلسات انتخاب الرئيس فالجلسات النيابية معطلة قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان وقد حصل ذلك منذ قيام المستقبل بمنع إقرار سلسلة الرتب والرواتب عندما أصر رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة على ربط أي تشريع مالي بمخرج سياسي يقره المجلس النيابي لتغطية هدر المليارات الإحدى عشر التي انفقتها حكومة السنيورة من غير أصول ومستندات كما بينت تحقيقات لجنة المال والموازنة النيابية وهذه العقدة تمنع إقرار قطع الحسابات والموازنات والقوانين المتعلقة بالمالية العامة منذ سنوات وهي ترتبط بشبهات الاستيلاء على كتلة تمثل حوالي سدس الدين العام تم التصرف بها خارج القواعد القانونية للإنفاق ويراد تلفيق المخرج القانوني لتغطيتها من خارج الأصول الدستورية بالابتزاز السياسي وقد منعت إحالتها إلى التحقيق النيابي او القضائي.

تعطيل المجلس انطلق من هناك وهو مستمر وكلما طرحت مسألة التشريعات المالية يعود السنيورة طالبا تبرئته مع حكومته السابقة بمخرج ملفق سياسيا كشرط لتمكين المجلس من الانعقاد والتشريع وهذا ما يعلمه جميع النواب صراحة.

ثالثا يعطل المستقبل سير البلاد في طريق المخرج الدستوري الممكن من ازمة شاملة وعميقة وهو قانون الانتخاب الجديد الذي يقود إلى انتخابات نيابية تليها انتخابات رئاسية وهذا ما تتبعه جميع الدول في ظروف انسداد مماثل نتيجة شلل المؤسسات وقانون الانتخاب هو ما تعهدت به الحكومة الحالية وسابقاتها وقد عطله المستقبل برفضه للنسبية ومنعه لإقرارها رغم ما تبينه التعبيرات الشعبية والسياسية والبديهيات القانونية والعلمية من ان طريق تحديث النظم السياسية التمثيلية في العالم يمر حكما بالنسبية لضمان افضل تمثيل سياسي ممكن بينما المستقبل يرفض حتى الصيغ الجامعة بين النظامين الأكثري والنسبي بدافع غير مصرح به هو الخشية من تأثيرالتغييرات في قاعدته الشعبية التي حصدت مرارة رهاناته الخائبة على تدمير سورية وهذا التيار يخشى محاسبة الناس على وعوده الانتخابية الخائبة سياسيا وإنمائيا طيلة ثلاثة عقود.

التسويات الممكنة تحفظ للمستقبل دورا مقبولا في الواقع السياسي يتناسب مع حجمه الفعلي شعبيا لكن قيادته مصرة بعنجهية على حبس المعادلة السياسية عند مجدها الغابر الذي ولت شروطه السياسية والتاريخية وليس أدل على ذلك من كون هذا التيار مصمما على وصفة اقتصادية كانت نتيجتها دمار القطاعات المنتجة وسيادة الربا المنظم في اقتصاد ريعي يعتاش على لحس مبرد الديون ويستمريء النزف المتواصل لموارد الثروة وحيث يجري إفقار جميع اللبنانيين لحساب طغمة مالية عقارية رقيقة لا احد يربح سواها من هذا الجرح المفتوح المسمى اقتصادا وطنيا .

رابعا برهنت قيادة المستقبل في تصعيدها السياسي الأخير على طيش ورعونة عندما هددت بتعطيل الحوار والحكومة واضطرت للتراجع الذي يبرهن على التسرع وغياب الدراية والحكمة بل سيادة نوع من الطيش السياسي والعجز عن فهم التوازنات والمعادلات فالسير بالبلاد إلى الفراغ الكلي ستكون نتيجته اضطرابا لا توحي التوازنات بقدرة المستقبل على الفوز بحصيلته بشيء لأن المعادلات الفعلية على الأرض واضحة ولا تحتمل المغامرة.

طبعا بعض المرتبطين بآلة الحرائق السعودية المتنقلة لا يقيمون اعتبارا لشيء غير تلبية التعليمات الصادرة من المملكة وهم رددوا كلاما ينم عن جهل وهوس وهم الذين سبق أن حرضوا المحازبين على التورط في الحرب على سورية قبل خمس سنوات واليوم يمارسون حقنا ويبثون الأوهام حول جولة مقبلة ضد حزب الله متجاهلين ان اللعب بالنار سيحرقهم ومشاريعهم الجهنمية فأي عاقل يفهم ان قيادة حزب الله تقيم لكل شيء حسابا على جبهات دائرية اهمها جبهة الجنوب وهي تتحاشى أي فتنة في الداخل ولاتهمل انزلاق المتهورين كخطر قائم وقدرات المقاومة ليست مستهلكة او منصرفة بكليتها في الميدان السوري حيث تحمي المقاومة لبنان من عصابات التكفير والإرهاب التي يصر المستقبل على وصفها بالثوارالسوريين الذين يقودهم واقعيا امراء القاعدة وداعش من الشيشان والطاجيك والتركمان وينبذهم الشعب العربي السوري الداعم لدولته وجيشه ورئيسه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى