بقلم غالب قنديل

نحو المزيد من الاستنزاف

syrriannn

غالب قنديل

عندما وقع تفجير مكتب الأمن القومي في دمشق مطلع صيف 2012 كانت ذروة بارزة في سياق الحرب بالوكالة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الجمهورية العربية السورية التي واصلت صمودها بثبات وانتقلت إلى الهجوم المعاكس في جميع أنحاء سورية وعندما استنفذت حكومات حلف العدوان رهاناتها على إسقاط الدولة الوطنية السورية بواسطة عصابات القاعدة وجماعات التكفير متعددة الجنسيات انتقلت الإمبراطورية الأميركية إلى التهديد بالغزو العسكري المباشر وحشدت أساطيلها واستنفرت جميع الحكومات العميلة في المنطقة وسائر قوات الناتو في حوض المتوسط صيف عام 2013 بمناسبة إعلان البيت الأبيض عما سمي ” ضربة أوباما” التي طواها الرئيس الأميركي في حصيلة حساب توازن القوى الإجمالي لغزو عسكري سيواجه الأميركيون فيه الجيش العربي السوري بقدراته وبصلابته ومعه حلفاء الدولة الوطنية السورية وخصوصا روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية التي يقودها حزب الله .

أولا في ضوء الكلفة التقديرية والتداعيات المحتملة لحرب لن تقف عند حدود مسرح العمليات المقرر في البنتاغون انكفأت الأساطيل الأميركية تحت ستار تسوية فلاديمير بوتين لملف الكيماوي السوري وشكل ذلك أول تفويض أميركي للقيادة الروسية بصياغة التسويات السياسية الممكنة مع الدولة الوطنية السورية ومن غير تبدل جوهري في القرار الأميركي المبدئي بمنع أي حلول سياسية تكرس هوية سورية كدولة وطنية مقاومة مناهضة للهيمنة ولذلك تركز الاستهداف المتواصل لشخص الرئيس بشار الأسد ولمكانته في الحياة الوطنية السورية بينما عملت الاستخبارات الأميركية وحلفها الواسع من اجهزة المخابرات العالمية والإقليمية على محاولات ترميم واجهات التدخل السياسية (المعارضة ) من العملاء والمرتزقة وأدوات العدوان بالوكالة من جماعات إرهابية في الميدان وفشلت غير مرة في إكساب مزاعمها عن معارضة سورية معتدلة أي مصداقية من خلال انكشاف حجم الجماعات التكفيرية متعددة الجنسيات في سورية والتحول المتسارع لجموع المسلحين إلى رفع رايات القاعدة وغيرها من التشكيلات المتطرفة المتحدرة من بيئة تنظيم الأخوان المسلمين والتي ترافق ظهورها مع تعاظم خطر ارتدادها بقوة ضد الحكومات العميلة لواشنطن في المنطقة وداخل جميع دول الناتو.

ثانيا منذ ذلك الحين تتلاحق التحركات والمبادرات التي تدور في حلقة ملء الفراغ السياسي دون فتح مسار الحلول الفعلية ليس فقط تهربا من التسليم بفشل المشروع الاستعماري وطمعا باختبار رهانات بديلة كمثل إطلاق داعش في المنطقة بل أيضا بفعل القرار المركزي الأميركي بمواصلة استنزاف سورية ومحور المقاومة على مساحة المنطقة برمتها وبالتالي تعطيل أي بادرة تقارب سياسي بين الجبهتين المتقابلتين وخيار الاستنزاف كاستراتيجية يبدو مناسبا لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل قبل سواهما لأن معناه الأبرز هو عرقلة انتصار سورية وتأخير ساعة نهوضها من غير كلفة مباشرة تتحملها واشنطن او تل أبيب وأيا كان الوقت المستقطع من هذا الاستحقاق القادم فهو مكسب ثمين للإمبراطورية الأميركية وللكيان الصهيوني لا مجال لتفويته طالما لا يحمل الحلف الأميركي الصهيوني كلفة مباشرة لاستمرار الحرب على سورية .

ثالثا إن اضطرار واشنطن للبحث عن التسويات الممكنة وتجاوبها الممتنع مع تدابير تجفيف منابع الإرهاب وقطع موارده رهن بوقوع تحولات كبرى من النوع التالي :

1-    تصاعد الخطر على ركائز الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وهذا ما يعني بلوغ التهديد الوجودي الخطير أقصى الاحتمالات في الكيان الصهيوني والمملكة السعودية وتركيا وهو ما يفترض أحد التغييرات التالية :                

أ – وقوع تحول نوعي في اليمن يهدد المملكة السعودية من الداخل وانكسار مشاريعها لإخضاع الشعب اليمني .

ب- انفلاش كبير لخطر ارتداد الإرهاب التكفيري في جميع الاتجاهات وخصوصا نحو اوروبا ودول الخليج وخصوصا المملكة السعودية .

ج- تحول الجنوب السوري إلى رقعة مقاومة وخط استنزاف خطير للكيان الصهيوني .

د- دخول تركيا في أتون العنف والتفكك بما ينذر بانهيار قاعدة الناتو الرئيسية في المنطقة.

2-    تقدم حاسم للجيش العربي السوري على الأرض يضع قوى العدوان في حالة المأزق المصيري بحيث تقترب الخاتمة المحسومة وتضيق هوامش المناورة امام حلف العدوان وهذا ما يستدعي نهضة شعبية شاملة للقتال دفاعا عن الوطن تنقل الجيش العربي السوري من الصمود الدفاعي إلى المسار الهجومي ومباشرة تحرير المناطق السورية من سيطرة عصابات الإرهاب والمرتزقة على نطاق واسع وهو ما يتطلب انتقال الدولة الوطنية إلى خيار التعبئة الشاملة للجهود والقدرات وتنفيذ خطة حرب شعبية طويلة تشمل جميع وجوه الحياة الوطنية انطلاقا من تثبيت عقيدة اقتصاد الحرب وتصعيدا لمنسوب الدعم الذي تتلقاه سورية من الحلفاء في جميع المجالات .

3-    تحول مفاجيء على المسرح الدولي يؤثر في توازن القوى او ينقل الاهتمام والتركيز الأميركي إلى نقاط ساخنة واولويات جديدة بما يستعجل احتواء الساحات المتفجرة في اماكن اخرى من العالم وهذا امر وارد لكن لا مؤشرات جدية عليه .

الاستنزاف الطويل في سورية واليمن والمنطقة هو الخيار الأميركي الصهيوني الذي يجب الاستعداد لمجابهته دون اوهام عن قرب تسليم واشنطن بالتسويات مهما ظهر من علامات التكيف مع الوقائع المتغيرة وعلى محور المقاومة في المنطقة وشركائه الدوليين في البريكس بقيادة روسيا والصين حشد القدرات لفرض تحولات نوعية ترغم الغزوة الاستعمارية على الانكفاء في سورية واليمن بدلا من التلهي بلعبة سياسية افتراضية لن تحدث اختراقا يذكر طالما لا يدفع الحلف الاستعماري الرجعي كلفة مخططاته الآثمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى