بقلم غالب قنديل

الجنرال ومعادلة الحل الممكن

aouni

غالب قنديل

طرح كثيرون في الوسطين السياسي والإعلامي ملاحظات وانتقادات جارحة أحيانا في وجه التحرك الذي أطلقه العماد ميشال عون وللإنصاف كان بعض الانتقادات من مواقع متفهمة أومساندة لجوهر الحركة الاحتجاجية التي أطلقها التيار الوطني الحر ومن باب الحرص على الحصانة الوطنية للتيار ولخطابه السياسي غير الطائفي.

أولا المشكلة ان بعض الناقدين والمحتجين على الجنرال وانتفاضة التيار لم يحركوا ساكنا في وجه الخلل الجسيم الذي اعتور مسار تطبيق اتفاق الطائف وذهب به نحو تهميش مكون رئيسي في الشراكة الطائفية التي أقرها كصيغة للنظام السياسي وقد جرى بنتيجة ذلك محاصرة وخنق القوى الحية المعبرة عن كتلة شعبية وازنة في المجتمع اللبناني اتاحت القوانين الانتخابية بعد الطائف وضع اليد على نصابها التمثيلي ومن يسترجع سيرة تفصيل الدوائر وآلية تشكيل اللوائح يجد ان مواقع التمثيل المسيحي في البرلمان كانت عرضة للمصادرة والتقاسم من ثلاثة اطراف : الرئيس الراحل رفيق الحريري والنائب وليد جنبلاط والبطريرك نصرالله صفير وذلك أشاع ما عرف بالإحباط المسيحي إلى جانب تكريس أعراف وتقاليد دستورية تحاصر موقع الرئاسة الأولى وكثير من الممارسات والسياسات ذات الطابع الطائفي التي ميزت الحقبة الحريرية ومنها المنهجية التي اعتمدت في التعامل مع قضية مهجري الجبل وللأسف استمر هذا الخلل وتجدد بتصميم ظاهر على التهميش وتعطيل الشراكة منذ عودة العماد ميشال عون وظهور وزنه الشعبي في البلاد في الانتخابات النيابية عامي 2005 و2009 وهو ما تبدى في التعامل الراهن مع الاستحقاق الرئاسي رغم التسهيلات التي قدمها الجنرال لاتفاق الدوحة من موقع الحرص على الاستقرار والوفاق .

ثانيا هدف التمديد الطويل للمجلس النيابي مؤخرا إلى إنقاذ الرئيس سعد الحريري من اختبار صناديق الاقتراع وجرى منع البت بقانون جديد للانتخابات للحؤول دون خلخلة مواقع الاحتكار التمثيلي في المجلس النيابي بحيث تصبح التعددية السياسية العابرة للطوائف هي القاعدة الحاكمة للتوازنات السياسية والنيابية نتيجة اعتماد النسبية وترفع اليد عن التمثيل المسيحي المصادر في العديد من الدوائر بقوة الغلبة السياسية لبعض الزعامات ومع استمرار اعتماد النظام الأكثري والدوائر المفصلة على قياس النتائج المرجوة منذ التسعينيات .

الأزمة الدستورية والسياسية الراهنة مستعصية وهي لن تحل بالمسكنات لكن الجنرال ميشال عون عرض الحل الواقعي الممكن الذي يتيح كسر الحلقة المفرغة عبر تحديث النظام القائم وبالتالي احتواء الحاجة لعقد مؤتمر تأسيسي يراجع الدستور والنظام برمته من خلال قيام مجلس نيابي جديد يجري انتخابه بعد وضع قانون جديد للانتخابات كمدخل لعملية تقود إلى انتخاب رئيس للجمهورية وبحيث يمكن للمجلس النيابي المنتخب ان يناقش ويقر الإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية التي تفترض طبيعة الأزمة وضعها على جدول اعمال أي مؤتمر تأسيسي فالمؤتمر سيكون في هذه الحالة منتخبا بصفته المجلس النيابي المعبر عن الإرادة الشعبية دستوريا وسياسيا.

ثالثا بدلا من المجاهرة بمساندة هذا الاقتراح الوطني والمسؤول الذي يجنب البلاد خضات واضطرابات وتشنجات مؤذية ذهب بعض المنتقدين إلى تسقط بعض الهفوات والتعبيرات غير الموفقة من هنا وهناك وتجاهلوا الجوهري في التحرك العوني وهو السعي إلى حل سلمي للأزمة بممارسة حق ديمقراطي مشروع داخل المؤسسات وفي الشارع ومن خلال اقتراح الجنرال ترتسم فرصة جدية للحل الذي ينقذ البلاد ويحول دون تصاعد الانقسامات.

اقتراح العماد ميشال عون يشير إلى نضج وطني وحرص كبير على الاستقرار عبر تخطي الأزمة بأقل قدر مممكن من التوترات وهو لم يقابل حتى الساعة بما يستحق من العناية والمسؤولية ويعلم جميع المعنيين ان تهريب ملف قانون الانتخاب الجديد والتمديد للمجلس النيابي كانا تلبية لمصلحة تيار المستقبل في احتواء ازمته الداخلية الناتجة عن تورطه في العدوان على سوريا واحتضانه لجماعات التكفير والتطرف التي جوفت العديد من فروعه وقواعده وقد قدم إلغاء الانتخابات وتأجيلها هدية للرئيس سعد الحريري وللنائب وليد جنبلاط من غير أي مقابل سياسي.

رابعا من نافل القول ان الكلام المكرر عن تعذر إجراء الانتخابات لأسباب أمنية كان تبريرا غير واقعي لتغطية صفقة التمديد للمجلس وتثبيت المعادلة المختلة في بنى النظام الطائفي وتوازناته الهشة فقد جرت انتخابات في دول عديدة تشهد تحديات اعنف وأشد مما يتعرض له لبنان من تهديد ومن غير ان ندخل في تفصيل المسؤوليات عن استجلاب المخاطر واحتضان بؤر الإرهاب والتكفير وتمويلها وتسليحها بمعونة جهات دولية وإقليمية معروفة دفعت الحريري وجنبلاط وجعجع والجميل وواجهة 14 آذار وملحقاتها في متاهة الحرب على سوريا بواسطة القاعدة وداعش وجحافل المرتزقة متعددي الجنسيات .

ينبغي القول ان الواقع الذي فرضه الجيش اللبناني والمقاومة في مواجهة التكفير الإرهابي على الأرض اللبنانية وكذلك ما انجزته المقاومة والجيش العربي السوري في المناطق السورية الحدودية قد حققا معدلات عالية من الحصانة والاستقرار للوضع الأمني منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام وهذا ما يجعل إجراء الانتخابات النيابية امرا ممكن التحقيق في الظروف الحاضرة إذا توافرت الإرادة لسن قانون انتخاب حديث يصحح التمثيل فذاك بيت القصيد الذي حمل العماد ميشال عون مفتاحه بيده وبقوة الجمهور الذي شرع يتحرك ويبدل في المشهد السياسي الراكد … ببساطة إنها فرصة الحل الممكن الذي لا تطمسه “جعدنات” فارغة وتهجمات سخيفة لا طائل منها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى