تقارير ووثائق

فرنسا. والكوسكوس….. بقلم الدكتور غسان غوشة

اشتهر الرئيس السابق فرنسوا

 

ميتران بحب الشاورما. ويروى

عنه انه كان حين يترك قصر الاليزيه مساء ،ليتوجه الى منزله السكني ،كان يمر على مطعم لبناني في طريقه،ليتناول ساندويش شاورما.

مناسبة الحديث، هو ان فرنسا،كانت دوما يتنازعها توجهان رئيسيان:

توجه متوسطي

وتوجه اطلسي”اَي امريكي الهوى

كان الرئيس ديغول شديد التمسك باستقلالية فرنسا،

وكان يكن عداءأ للإنكليز والامريكان،وكان يشعر ان إقامة تحالف مع ألمانيا وتنسيق مع روسيا ،أموراً تساعده بالوقوف امام محاولة الولايات المتحدة بالهيمنة على السياسة الفرنسية.

وجاءت احداث ثورة الشباب في “أيار ٦٨”لتخلخل حكمه

حيث تمكنت الولايات المتحدة عن طريق اليسار المتطرف وخاصة التروتيسكيين وما عرف بعد ذلك بالمحافظين الجدد،

من إجباره على ترك السلطة بعد ان مني بخسارة كبيرة في استفتاء دعى اليه.

كان لديغول جملة مشهورة

ينتقد فيها الشعب الفرنسي

وصفه فيها ب”أكلة الجبنة

Mangeurs de fromage.

اذ ان المعروف عن الشعب الفرنسي حبه للحياة وللطعام اللذيذ الوطني او الأجنبي.

في السنوات الاخيرة ،استطاعت وجبة الكوسكوس ان تحتل المرتبة الثالثة في لاءحة الطعام المفضل عند الفرنسيين.

وهم يأكلون الكوسكوس في مطاعم تونسية او جزاءرية او مغربية وليس في مطاعم فرنسية يأكلون الكوسكوس مع الهريسة وهو نوع من الحر الأحمر القوي ومن ثم يتحلون بالبقلاوة.

في السنوات العشرين الاخيرة،

انتشرت ظاهرة التبولة في المطاعم الفرنسية.

ويبدو ان لليهود دورا في ذلك اذ ا دعوا انهم هم من اخترع هذه الوجبة.

غير ان التبولة الفرنسية لا تشبه ابدا التبولة اللبنانية

حيث ان البرغل او السميد بشكل اكثر من ٩٠ بالماءة من مكوناتهامع القليل من البندورة والبقدونس

الا ان المطاعم اللبنانية في فرنسا فانها منتشرة بكثرة

وهي مطاعم فخمة للغاية ويرتادها كبار القوم وحيث التبولة اللبنانية الأصلية تزين المائدة.

مختصر الكلام ،ان فرنسا تعشق الطعام العربي وطريقة العيش العربية

ولكنها تخضع لجبروت امريكا

وهذا التحول برز بوضوح بعد ازالة ديغول من الحكم ،

وتعزز مع الأيام خاصة منذ الأيام الاخيرة لشيراك.

في السنوات الاخيرة يظهر ميل امريكي لابعاد فرنسا عن ألمانيا وروسيا ولذلك يبدو ان امريكا تريد ان تساعد فرنسا اقتصاديا ولا مانع لديها ان تعود للعب ادوارا وسطية في لبنان وسوريا ولكن تحت المجهر الامريكي.

الاقتصاد الفرنسي يعتمد على

المستعمرات السابقة ،

والفرنكوفونية تعتمد على عدد من العرب يتكلمون الفرنسية اكثر من عدد الفرنسيين .

واذا أضفنا الى ذلك ،ان جنوب فرنسا يشبه كثيرا البلاد العربية المتوسطية وان أهل الجنوب يشعرون انهم اقرب الى العقلية المتوسطية منهم الى أهل الشمال.

وما قصة أغاني التروبادور

Troubadour

وخصوصية منطقة ال “اوكسيتاني “occitanie

الا دليلا على تعلق أهل الجنوب الفرنسي بالعادات الشرقية والمتوسطية .

جاء ماكرون الى لبنان ،وكذلك فعل رءيس وزراء ايطاليا، والاثنان يسعيان الى ابقاء مناطق نفوذ لهم على الضفة الشمالية للمتوسط ،خاصة وأنهم يخشون من”فتح تركي جديد “او من بارباروسا جديد

لذا،فرنسا التي استطاعت ان تحافظ على علاقات واتصالات مع اغلب الأطراف اللبنانية،تسعى الى لعب دور الوسيطالمقبول من القوى الأساسية المؤثرة في لبنان،

وهي ستعمل جاهدة على ان لا تفشل في هذه المهمة.

لبنان وسوريا ،يفصلان بين الشاطئ الغربي والشاطئ الشرقي للمتوسط.

المتوسط، يكاد يختنق بالأساطيل الحربية.

استفاقة المارد التركي ،اعادت التاريخ مئات السنين الى الوراء.

كل الملفات الخلافية فتحت من جديد،من ارمينيا الى أذربيجان، الى القرم الى كردستان ،الى البوسنة وبلاد الارناوؤط،الى ليبيا ،الى الصراع مع والي مصر محمد على ،الى الصراع مع الوهابية الصاعدة، الى الصراع مع اليونان وقبرص،الى الصراع مع القياصرة، كلها ملفات فتحت من جديد، وكأن الشياطين خرجت من أوكارها.

فرنسا لا تستطيع ان تنسى انها متوسطية ، وأنها نوعا ما عربية،كذلك نحن لا نستطيع ان ننسى ان نابوليون هو اول من طرح إقامة دولة قومية لليهود في فلسطين.

عندما ادعت فرنسا ان الجزائر

فرنسية، كانت تحاول ان تسترضي أهل الجنوب الفرنسي والذين كانوا يفكرون بالانفصال عن الشمال.

الجمع بين المتوسطية والأطلسية في السياسة الفرنسية ،مهمة صعبة للغاية.

ما يقوم به ماكرون اشبه بمهمة مستحيلة.

فلكي تنجح مبادرته عليه ان يأخذ باستمرار الرضى الامريكي،وعليه ثانيا ان يدرك ان عهد الاستعمار والانتداب

قد ولى ،وان العودة هذه الأيام الى لبنان تختلف عن دخول الجنرال غورو اليه في نهاية الحرب العالمية الاولى .

لا ادري ان كان الرءيس ميتران،

وهو يعتبر من اكثر الروؤساء الفرنسيين ثقافة،وتوغلا في دراسة تاريخ العرب والشرق الأوسط،يعرف اذا كانت الشاورما تركية او ارمنية،كما يدعي الأرمن،فحسب صديق ارمني،فكل المأكولات التي تنتهي أسماءها ب “ما

كالاورما والبسطرما والشاورما هي أكلات ارمنية “.

خلاصة :

ان الامور في منطقتنا. تزداد تعقيدا. ونشهد تبدلا في موازين القوى

لم تعد الكلمة فقط للدول العظمى ….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى