تقارير ووثائق

نتانياهو وضم المستوطنات ديفيد ماكوفسكي و دينس روس

تايمز أوف إسرائيل

 

5 أيار/مايو 2020

جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تطبيق السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية ركناً أساسياً من أركان سياسة حكومته الجديدة. وأصرّ على أن هذا هو البند الوحيد الذي يمكن عرضه على مجلس الوزراء والكنيست في الأشهر الستة الأولى من هذه الحكومة. وحدّد الأول من تموز/يوليو كتاريخ يطرح فيه هذا الإجراء.

ويصف البعض عملية الضم بأنها قضية إرث بالنسبة لنتنياهو، وقد تكون كذلك فعلاً بما أنه يتوقع أن يتخلى عن منصبه كرئيس للوزراء في غضون 18 شهراً. لكن لا بدّ من وضع إرثه وقرار الضم وفقاً لأهميتهما النسبية.

ويبدو أن البعض يعتقد أن نتنياهو قادراً الآن أخيراً على التصرف وفقاً لحلم راوده طوال حياته السياسية: أي ضم جميع المستوطنات اليهودية البالغ عددها 130 مستوطنة في الضفة الغربية. ومع ذلك، فإن رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ إسرائيل، الذي شغل هذا المنصب لفترات أمدها 14 عاماً وهو على وشك بداية فترة ولايته الخامسة، لم يُعرب عن رغبته في ضم جميع المستوطنات إلّا في العام الماضي.

وفي الواقع، وخلال خطابه أمام الكنيست في 16 أيار/ماريو 2011، أعلن نتنياهو أنه سيسعى إلى ضم جزء صغير فقط من المستوطنات في إطار اتفاق يجري التفاوض بشأنه مع الفلسطينيين بناءً على إجماع الجمهور الإسرائيلي. وفي إشارة إلى المستوطنات القليلة (التي يطلق عليها “الكتل”) المتاخمة إلى حدّ كبير للمناطق الحضرية الإسرائيلية والواقعة ضمن الجدار الأمني الذي تعيش فيه أغلبية كبيرة من المستوطنين، أعلن نتنياهو “نتفق على أنه من الضروري الحفاظ على الكتل الاستيطانية. وهناك اتفاق واسع النطاق على ضرورة الإبقاء على الكتل الاستيطانية ضمن دولة إسرائيل”. وفي الوقت نفسه، أشار علناً إلى أن المستوطنات الأخرى ستكون خارج حدود إسرائيل.

وربما لم يجعل نتنياهو أبداً ضم جميع المستوطنات أولوية لأنه كان يخشى بحق أن مثل هذا القرار قد يجعل من المستحيل فصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين وبالتالي تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، تتعارض مع فكرة الدولة اليهودية. فهل تبدد قلقه هذا بعض الشيء بشأن هذه النتيجة الآن؟ هل هو أقل قلقاً بشأن الاحتمال الواقعي للغاية المتمثل في أن ضم 30 في المائة من الضفة الغربية، على النحو المسموح به في “خطة ترامب”، يمكن أن يوجه ضربة كبرى لمعاهدة السلام بين إسرائيل والأردن ويمنع احتمال تحسين العلاقات بشكل أكثر علانية مع دول الخليج العربية؟ ألم يعُد قلِقاً من أن العديد من الدول الأوروبية الفردية قد يكون لها رد فعل على عملية الضم من جانب واحد – بما في ذلك الاعتراف بدولة فلسطينية – كرد على ذلك؟

كيف تَوسَّع تركيز نتنياهو على الكتل الاستيطانية ليطال ضمّ كافة المستوطنات؟ يبدو أن النفعية السياسية حالت دون الواقعيَّة. فقد شملت حكومتا نتنياهو في 2009 و2013 أحزاباً من اليسار واليمين. ومع ذلك، لم تضمّ حكومته من عام 2015 سوى أحزاب اليمين. وفجأة، أُلغي مصطلح “الكتل الاستيطانية” من المعجم السياسي لنتنياهو. بالإضافة إلى ذلك، حالما استلم دونالد ترامب الرئاسة وطرح خطته للسلام، لم يرغب نتنياهو في أن يُنظر إليه على أنه يقف إلى يسار الرئيس الأمريكي.

أما ترامب، فمع محاولته إعادة انتخابه لولاية ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر، فتكون دوافعه قائمة بشكل واضح على التبادلات: فهو يهدف إلى الفوز بأصوات البروتستانت واليهود، حتى لو كان هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الضم سيلعب دوراً في الانتخابات الأمريكية. على نتنياهو التركيز على أفق أوسع من ذلك المعروف عن ترامب والمتمثل بعقد صفقات سياسية. وفي هذا السياق، قال الفيلسوف السياسي الإيرلندي الشهير إدموند بيرك في القرن الثامن عشر: “من يمثلك مدين لك، ليس بمهنته فقط، بل وبحكمه على الأمور أيضاً، وهو يخونك ولا يخدم مصالحك عندما يضحي بهذا لتغليب رأيك“.

وإذا تمّ تشكيل حكومة، فمن المحتمل أن تكون الانتخابات [التي جرت في الثاني من آذار/مارس] هي الأخيرة التي يتزعم فيها نتنياهو حزبه، وهو البالغ من العمر 70 عاماً. وإذا تمّت تبرأته من اللوائح الاتهامية الثلاث التي يواجهها، فهناك شائعات بأنه سيسعى للانتقال إلى الأجواء الأكثر هدوءاً في إسرائيل المتمثلة بمنصب الرئاسة الطقوسي.

وإذا كانت هذه هي الانتخابات الأخيرة التي يشارك فيها بالفعل، فبإمكان نتنياهو أن يكون أقل ميلاً إلى التوصل إلى اتفاقات من السابق. فهو فريد من نوعه بين القادة الإسرائيليين، لأنهم غالباً ما وصلوا إلى السلطة في سنّ متقدمة. وقد أدرك أهم رؤساء الوزراء السابقين أنه لم يتبق لديهم الكثير من الوقت وتصرفوا وفقاً لذلك. وفي نهاية مسيرتهم السياسية، كانوا على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة غالباً ما كانت تتناقض مع الآراء التقليدية لجمهورهم.

فعلى سبيل المثال، قبل تولي مناحيم بيغن منصبه، لم يعتقد رئيس الوزراء السابق أنه سيتنازل عن سيناء لمصر، بعد فترة وجيزة من مواجهة إسرائيل لمصر في ساحة المعركة، ووضَعَ سابقة لإزالة جميع المستوطنات من سيناء. وقبل تولي يتسحاق رابين منصبه، لم يكن رئيس الوزراء السابق (الذي كان قائداً عسكرياً لفترة وجيزة عندما كان أصغر سناً) يعتقد أنه سيصافح شخصاً كان هو ومعظم الإسرائيليين يحتقرونه كونه كبير الإرهابيين، وهو ياسر عرفات. وقبل تولي أريئيل شارون منصبه، لم يعتقد رئيس الوزراء السابق – “مهندس” مستوطنات غزة أثناء ترؤسه “القيادة الجنوبية” في “جيش الدفاع الإسرائيلي” عام 1971 – أنه سيكون الشخص الذي سيقوم بتفكيك هذه المجتمعات ذاتها.

كان هؤلاء رؤساء الوزارات الثلاثة يعرفون أن تحركاتهم المذكورة آنفاً لن تحظى بشعبية لكنهم اتخذوا تلك الخطوات على أي حال لأنهم شعروا أن السياق قد تغيّر بسبب التطورات منذ توليهم رئاسة الوزراء. واعتقَدَ كل منهم أن المصلحة الوطنية اقتضت النظر إلى الصورة الكبيرة للمصالح الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة، ومصالحها مع الولايات المتحدة وعلى الصعيد الدولي أيضاً. لقد حددوا الإرث من خلال النظر إلى ما هو ضروري لإسرائيل وليس وفقاً لإرادة الدوائر السياسية.

 

ومن خلال تحديد الإرث بمعناه الأوسع وليس من زاوية جلب أكبر عدد من الأصوات، ترك بيغن إرثاً لإسرائيل استمر عقوداً دون خوض حروب تقليدية مع الدول العربية، تلك التي كانت تندلع بصورة اعتيادية في ربع القرن الأول من قيام دولة إسرائيل، وأودت بحياة العديد من أبناء الشعب من كلا الجانبين . وبفضل رابين وشارون، تجنبت إسرائيل إلى حد بعيد الحرب المستمرة مع الحركة الوطنية الفلسطينية، رغم أنه من الواضح عدم تمكنهما من تغيير حسابات «حماس» أو حل جميع القضايا الأساسية مع الفلسطينيين بشكل عام. وقد استرشد هؤلاء القادة الثلاثة أيضاً بضرورة الاحتفاظ بهوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.

 

وكان أريئيل شارون مغرماً بالقول: “ما تراه من هنا، لا تراه من هناك”. كان يقصد أن رؤساء الوزراء الإسرائيليين يضعون مستقبل البلاد على أكتافهم، وأن وجهة نظرهم، بحكم تعريفها، تختلف عن تلك التي يراها ناخبيهم. إن الزعامة هي القيام بما هو صواب وليس بما يحظى بشعبية واسعة.

 

ولن يأخذ التاريخ نظرة طيبة عن ضمّ جميع المستوطنات، وهي خطوة لم يرغب في تطبيقها نتنياهو بنفسه قبل أقل من عشر سنوات. ولتوضيح الأمر: نعتقد أن كافة عمليات الضمّ الأحادية الجانب هي خطأ ونأمل في أن يمتنع رئيس الوزراء عن القيام بها. كما نأمل على أقل تقدير أن يدرك نتنياهو على الأقل الفرق بين ضمّ مناطق الكتل الاستيطانية المحددة مقابل ضمّ كافة المستوطنات، وكذلك غور الأردن. فالخيار الأول لن يغلق الباب أمام حل الدولتين، في حين سيحتّم الخيار الثاني أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية تغيّر هويتها بشكل جوهري. ونأمل في أن يستخلص رئيس الوزراء عبرة من أبرز أسلافه ويختار إرثاً جديراً بالتقدير، ذلك الذي يضمن استمرار الطابع اليهودي والديمقراطي لإسرائيل لأجيال قادمة.   

ديفيد ماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المميز في معهد واشنطن. دينيس روس هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المميز في المعهد. وهما المؤلفان المشاركان للكتاب، “كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها”. وقد نُشر هذا المقال في الأصل على موقع “تايمز أوف إسرائيل“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى