تقارير ووثائق

التحالف السعودي أمام مشهد ضبابي بعد خمس سنوات من النزاع اليمني أحمد ناجي

مركز كارنيغي للشرق الأوسط

 

08 نيسان/أبريل 2020

ملخّص:  لقد تسببت الانقسامات والمصالح الذاتية إلى حد كبير في تعطيل الجهود الرامية إلى إرساء حكم شرعي من جديد في اليمن.

فيما يدخل التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية عامه السادس، لم يحقق هذا التدخل هدفه المعلَن، والمتمثل في إلحاق الهزيمة بجماعة الحوثيين وإرساء سلطة الحكومة الشرعية من جديد. بدلاً من ذلك، أصبح التحالف السعودي مُفككاً بسبب صراعات المصالح بين أعضائه، ما أتاح للحوثيين التقدّم على جبهات عدة. لكن، كيف تحول مسار التحالف من التقدم النسبي في بداية عملياته، إلى انتكاسات متتالية في الآونة الأخيرة، وما الأسباب التي أحدثت هذا القدر من الإخفاق؟ وهل يملك أي أمل بالنجاح؟

بذور النزاع

في آذار/مارس 2015، شنّ التحالف العربي، الذي تتزعمه السعودية، عمليات عسكرية ضد أنصار الله، أي التنظيم المدعوم من إيران في اليمن والمعروف على نحوٍ شائع باسم الحركة الحوثية. وقد هدف التحالف، بحسب ما أعلن، إلى استعادة شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي لجأ إلى مدينة عدن جنوب البلاد، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في كانون الثاني/يناير من ذلك العام.

حينها تقدّم الحوثيون من المناطق الجبلية في الشمال إلى عدن، في مسعى منهم للقبض عليه. وعندما فشلت قواته في مقاومتهم، فرّ هادي عبر محافظة المهرة الشرقية واجتاز الحدود متوجّهاً إلى سلطنة عمان، قبل الانتقال إلى السعودية. في بداية عملياته العسكرية، أدّى تدخل التحالف إلى إبطاء تقدّم الحوثيين وإخراجهم من مناطق رئيسة في جنوب البلاد. وبات ما يُعرف باسم “المناطق المحررة” اسمياً تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليًا. لكن هادي وحكومته لم يتمكنوا من العودة إلى هذه المناطق حتى اليوم. فالمسؤولون اليمنيون لازالوا يعيشون في المنفى إلى اليوم، وهذه المناطق لم تعد من الناحية العملية تحت سلطتهم، خصوصاً منذ سيطر الانفصاليون عبر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة على عدن والمناطق المجاورة لها. لقد تبعثرت القوات العسكرية الخاضعة اسمياً إلى الرئيس هادي، فيما يسعى شركاؤه في التحالف على نحوٍ متزايد إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، على حساب تقويض سلطته.

استفاد الحوثيون من تلك الانقسامات، فاستعادوا السيطرة على مناطق واسعة في الإقليم الشمالي ويُتوقَّع أن يواصلوا تقدّمهم. كما أنهم في الوقت نفسه، يجرون مفاوضات خلف الكواليس مع السعوديين من دون مشاركة حكومة هادي.

استراتيجيات متضاربة

في البداية، شاركت عشرة بلدان في التحالف. ومع مرور الوقت، انسحب المغرب، وطُرِدت قطر، وأبقى الأردن ومصر مسافة بينهما وبين التحالف. كما تسبّب الخلاف مع قطر بتدهور العلاقات السعودية-الإماراتية مع حزب الإصلاح اليمني، فعلى الرغم من أن الأخير فصيل محلي، إلا أنه متهم من قبل التحالف بالانتماء الإيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قطر.

في السنوات الثلاث الأخيرة لم يبق إلى جوار السعودية في تحالفها سوى دولة الإمارات، على الرغم من ابتعادها إلى حد التناقض في بعض الأحيان عن الاستراتيجية السعودية. وفيما تواصل السعودية تقديم الدعم إلى حكومة هادي، ساهمت الإمارات في إنشاء كيان منفصل، المجلس الانتقالي الجنوبي، ليكون ذراعها العسكري على الأرض.

فضلاً عن ذلك، اندلع نزاعٌ بين وكلاء التحالف في عدن وشبوة وسقطرى ومناطق أخرى. وقد تصاعدت التوترات في تموز/يوليو 2019، عندما أعلنت الإمارات انسحابها من اليمن بعدما توصلت إلى تفاهمات مع الحوثيين قضت بعدم استهدافها في عملياتهم العسكرية، مقابل أن تقوم الإمارات بالمثل. وعلى الرغم من إعلانها الانسحاب من اليمن، إلا أنها لم تترك الساحة خالية للسعوديين؛ بل أصبحت تعتمد على حوالى 200000 جندي تابع للمجلس الانتقالي الجنوبي ووكلاء آخرين في الساحل الغربي للقيام بحماية المصالح الإماراتية وتأمين خطوط الملاحة البحرية، في البحر الأحمر وخليج عدن.

نزاعات قديمة وشكوك جديدة

تبدّلت الانقسامات المحلية في صفوف اليمنيين خلال التدخل العسكري للتحالف، وكانت مدفوعة في جزء منها بالاستراتيجية التي انتهجها التحالف والقائمة على تفتيت الجبهة المناهضة للحوثيين، من أجل السيطرة عليها بسهولة أكبر. فلم يعد طرفا المواجهة اليوم يتألفان من الأفرقاء الذين اندلعت الحرب بينهم في البداية، أي الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة والحكومة المدعومة من التحالف من جهة ثانية. فقد أضحت جبهة التحالف منقسمة على ذاتها، الأمر الذي لم يمكنها من تحقيق تقدّم كبير في مواجهة التيار الحوثي الذي يبدو متماسكًا إذا ما قورن بجبهة التحالف.

وفي جانب منفصل من جوانب الانقسام، ترفض الإمارات الاعتراف بالجيش الوطني التابع لحكومة هادي، مدّعيةً أن عدداً كبيراً من قادته موالين لحزب الإصلاح. وتساور السعوديين مخاوف مماثلة. وفي حين توقفت الإمارات عن دعم جيش هادي، يواصل السعوديون دعمهم له. فحزب الإصلاح بالنسبة للسعودية، يبدو كخيار وحيد باعتباره كياناً منظماً يناهض الحوثيين على الأرض.

لكن الدعم السعودي مشروط. حالياً تتولى السعودية بنفسها الإشراف على جميع العمليات العسكرية، وقد سعت إلى تجنيد أكثر من 15000 جندي يمني قرب حدودها مع اليمن، للقتال تحت قيادتها المباشرة. وفي مؤشر إضافي عن الاستياء السعودي، لم يدفع السعوديون رواتب الكثير من الأفراد في العديد من وحدات الجيش التي تراودهم شكوك بشأن ولاءاتها لهم.

الحكومة اليمنية المشلولة

كشفت سيطرة الحوثيين على صنعاء ضعف حكومة هادي حتى قبل تدخّل التحالف بقيادة السعوديين. فلم تكن لدى هادي استراتيجية لمواجهة التحديات الأمنية التي يواجهها شعبه. وقد أعطى هادي، فور وصوله السعودية التي انتقل إليها في العام 2015، التحالف شيكاً على بياض لإدارة الوضع، لكن ذلك في المقابل جرّد حكومته من أي سلطة كانت تتمتع بها سابقاً. اليوم، لايزال معظم المسؤولين الحكوميين في المنفى ويتقاضون رواتبهم من التحالف.

عدا عجز هادي عن الحكم، يعاني البرلمان اليمني من الجمود والتعطيل، فعلى مدار الأعوام الخمسة الماضية، لم يعقد سوى جلسة واحدة في نيسان/أبريل 2019. وتعاني المؤسسات العامة من الشلل وغياب الدعم. بدلاً من ذلك، يتموضع الشركاء في التحالف بحسب مصالحهم الاستراتيجية، ويسعون إلى تهميش مؤسسات الدولة والعمل بشكل مباشر مع المجتمع. مثلما يحدث في المشاريع الإنمائية، التي تقدمها دول التحالف عبر مؤسسات تابعة لها، على غرار مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية المدعوم من السعودية، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية المدعومة من الإمارات.

من ناحية أخرى تبدو طبيعة نظام الحكم في اليمن ذي الطابع الديمقراطي، ولو بشكل نسبي، إحدى المعضلات الرئيسة التي لم يستطع التحالف التعامل معها. لقد استنسخ التحالف أنماط الحكم الملكي المتّبعة في بلدانه عند تعامله مع المجتمعات اليمنية، وتحوّلَ في معظم الأحيان نحو العائلات والمجموعات الموازية للدولة لضمان مصالحه وتحقيق سياساته. على سبيل المثال، استغنى التحالف عن مظاهر الحياة السياسية الديمقراطية مثل المجالس المحلية، والمنظمات الأهلية، والمؤسسات التشريعية. كما دأب التحالف إلى رفض أي صوت معارض. ففي السنوات الأخيرة، اغتيل عدد كبير من المعارضين في المناطق الخاضعة لإشراف التحالف.

لقد تسببت هذه الإخفاقات بتقويض شرعية الدولة التي تدخّلَ التحالف ظاهرياً لإرساء دعائمها من جديد، فخرجت أضعف مما كانت عليه قبل خمس سنوات. وفي الوقت نفسه، تحوّلت فصائل التحالف المحلية إلى نسخٍ جديدة من الميليشيات الحوثية.

في حين حاولت الإمارات العربية المتحدة حماية مصالحها في جنوب اليمن عن طريق دعم فصائلها المحلية ونزع فتيل التوترات مع الحوثيين، عمدت السعودية إلى تكثيف اتصالاتها مع الحوثيين عبر قنوات خلفية للمفاوضات، من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. والهدف من المفاوضات هو إبرام اتفاق يتيح للسعودية ضمان أمنها الحدودي وحماية أراضيها من الهجمات الصاروخية التي ينفذها الحوثيون. وإذا ما نجح الطرفان في التوصل إلى اتفاق، فيبدو أن السعودية تتجه للاعتراف بالقيادة الحوثية المفروضة بحكم الأمر الواقع في شمال اليمن وتدير ظهرها لحكومة هادي.

تختصر خريطة اليمن الجيوسياسية الراهنة نتائج الحرب الدائرة منذ خمس سنوات، والتي تتمثّل بالعسكرة الكاملة من قبل السعودية والإمارات عند مناطق الحدود البرية والبحرية، مع إبقاء مدن ومناطق الداخل غارقة في الفوضى والنزاع. وفي اللحظة التي ينكبّ السعوديون والإماراتيون على تحقيق مصالحهم الخاصة، تتمدّد الميليشيات وتصبح آفاق التوصّل إلى حل لحرب اليمن بعيدة المنال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى