تقارير ووثائق

الخشية من بيرل هاربر إيراني الصنع وراء نقل العمليات الجوية الاميركية من العديد د.منذر سليمان

في بيان مقتضب شديد الدلالة أعلنت القيادة المركزية للقوات الأميركية نقل “بعض” مهامها العسكرية، خاصة إدارة العمليات الجوية، من قاعدة العديد الضخمة في قطر إلى مقر قواتها في قاعدة (شو Shaw) الجوية بولاية ساوث كارولينا، وصفته يومية واشنطن بوست بأنه “تحول تكتيكي هام.” (29 سبتمبر).

 

السبب، وفق البيان الصادر في 29 أيلول/سبتمبر الماضي، أي بعد الهجوم اليمني على منشآت ارامكو السعودية، هو “لإبعاد قيادة العمليات والتحكم العسكرية عن مديات الصواريخ الإيرانية؛” والانتقال هو “الأول من نوعه الذي تجريه قيادة القوات المركزية منذ حرب الخليج عام 1991،” حسبما أفادت الصحيفة الأميركية المذكورة.

          مصادر وخبراء عسكريون أميركيون ذهبوا أبعد من ذلك في توضيح “قصور فعالية الأسلحة الأميركية،” بالقول أن القيادة المركزية اتخذت قرارها لتفادي تكرار تجربة هجوم اليابان بانقضاضها على الاسطول الأميركي المرابط في ميناء (بيرل هاربر) بهوايي، 7 كانون الأول/ديسمبر 1941، وما خلفه من ذكرى أليمة في الوجدان الأميركي قضى بسببه ما لا يقل عن 3000 عسكري ومشاة سلاح البحرية وإغراق قطعات أساسية من اسطول المحيط الهاديء.

          تشرف القيادة المركزية للعمليات في قطر على كافة نشاطات القوات الأميركية المنتشرة في “الشرق الأوسط وآسيا الوسطى،” وتدير الطلعات الجوية والعمليات اليومية (الصومال مثلاً) من مقرها هناك، متقاسمة مهام الدعم اللوجستي والإداري والامدادات المطلوبة مع مقر القيادة المركزية في مدينة تامبا بولاية فلوريدا.

          جدير بالذكر أن المعدل اليومي للطلعات الجوية الأميركية في تلك المنطقة المترامية الأطراف تضم نحو 300 طائرة فوق أجواء “سوريا والعراق وأفغانستان وفوق القواعد العسكرية لحلفائنا” في منطقة الخليج.

          تجدد “شبح بيرل هاربر،” عند القيادات العسكرية الأميركية أوضحه ضابط كبير لدى حلف الناتو رفض تحديد هويته ليومية واشنطن بوست بأن “قدرة إيران على استهداف المنشآت النفطية دون اكتشاف أسلحتها المستخدمة أو اعتراضها عزز قلقنا الدائم (بأن) لدى الأميركيين حضور عسكري وقدرات هائلة في منطقة الخليج، لكن بسبب قصور في القيادة والتحكم بتلك الإمكانيات أضحت هدفاً سهلاً للإيرانيين في حال نشوب نزاع إقليمي.”

          وتابع قائلاً إن “المسؤولين (الأميركيين) أقروا بفشل منظومات الدفاع (الجوية) الأميركية والسعودية التي لا يمكن الوثوق بأدائها للحيلولة دون وقع هجمات تشنها نماذج زهيدة الكلفة من طائرات الدرونز وصواريخ كروز استخدمت في الهجوم.”

          وأضاف جنرال حلف الناتو أن “اسقاط إيران لطائرة الدرونز الأميركية، إضافة لمحاولات متكررة من حلفائها الإقليميين في اليمن لاستهداف المطار والمنشآت الحكومية في السعودية والإمارات .. أسهمت في انضاج قرار القيادة المركزية الأميركية” المذكور، لا سيما وأن مقرها الإقليمي يقع ضمن مرمى النيران الإيرانية “وإن طهران أعلنت مراراً وعبر عدة جهات أنها ستستهدف القوات الأميركية،” حسبما أفاد قائد مركز عمليات الجو والفضاء للصحيفة العقيد فريدريك كولمان.

          نظم الدفاع الجوي لحماية القاعدة الأميركية في قطر، وفق البيانات العسكرية المتوفرة، تضم بطاريات صواريخ الباتريوت ومنظومات متطورة أخرى مثل منظومة “ثاد” و”ايجيس” مهمتها التصدي للصواريخ وأجسام حربية بالغة السرعة وتحلق على ارتفاعات عالية، عوضاً عن صواريخ كروز وطائرات درونز التي حلقت على ارتفاعات منخفضة.

          نظم الدفاع الجوية السعودية، أيضاً وفق البيانات الأميركية، شبيهة إلى حد كبير بما يتوفر في ترسانة الولايات المتحدة وحلف الناتو: منظومة الباتريوت الأميركية، مدافع مضادة للطائرات ألمانية الصنع من طراز سكاي غارد، ومنظومة دفاعية متحركة فرنسية المصدر من طراز شاهين والتي بمجموعها وراداراتها لا تملك القدرة التقنية على رصد اجسام طائرة على ارتفاعات منخفضة.

          من أبرز ما سيؤدي إليه قرار القيادة المركزية من ترتيبات وانعكاسات سحب المقاتلات الأميركية المتطورة من طراز اف-35 من مرابضها في قاعدة الظفرة الإماراتية إلى قواعد أخرى في السعودية وقطر، حسب تقرير الصحيفة الأميركية المذكورة، وما يرافقه من خطوات تنسيق مكثفة للمهام اللوجستية.

          تقليص التواجد الأميركي، بدءاً بقاعدة العديد القطرية، سيترك تداعياته سلباً على قدرة الولايات المتحدة الاستمرار في التحكم بالعمليات الجارية في “منطقة الشرق الأوسط،” يواكبه ارتفاع منسوب القلق لدى حلفائها في منطقة الخليج “لا سيما قطر التي أنفقت 1.8 مليار دولار من خزينتها لتحديث القاعدة الأميركية كي تصبح مهيأة لاستقبال وإقامة ما ينوف عن 10،000 عسكري أميركي.”

          بعض القادة العسكريين الأميركيين أقروا بهزالة نظم الدفاع الجوية المنصوبة لحماية قاعدة العديد والتي “لا تستطيع الدفاع عن نفسها ضد صواريخ كروز وطائرات مسيّرة (درونز) تحلق على ارتفاعات منخفضة.”

          في الآن نفسه، حرصت القيادة العسكرية الأميركية على إصدار إشارات لطمأنة الدول الخليجية لناحية عدم تفسير قرارها الأخير بأنه انعكاس لنية تقليص منسوب الالتزام الأميركي بحماية الحلفاء الإقليميين، بل في سياق “إقرارها بأن إيران قد تستهدف القواعد الأميركية ورغبة الولايات المتحدة في الرد السريع على ذلك،” وهو الأمر المتاح في هيكلية مقر القيادة المركزية داخل الأراضي الأميركية.

          في ذات السياق للطمأنة، أوضح قائد مركز عمليات الجو والفضاء العقيد فريدريك كولمان لأطقم الصحافيين عقب إعلان القيادة المركزية بأنه لا ينبغي الاستسلام للقلق لنقل مركز ثقل العمليات العسكرية إلى الأراضي الأميركية “وأتطلع للتحكم بها من مقهى ستاربكس” في أي مدينة أميركية.

         مركز الدراسات العربية الأميركية – واشنطن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى