تقارير ووثائق

هل سيجرؤ قادة الكيان على تحدي قرار روسيا بتزويد سوريا منظومة إس-300 ؟ بقلم د.منذر سليمان

 

         سارعت روسيا بالإعلان عن تنفيذ وتفعيل التزامها توريد نظام الدفاع الجوي، إس-300، متوسط المدى لسوريا، التي تعاقدت بشأنه مع روسيا عام 2010 لتوريد أربع منظومات تسلمت موسكو بعض أثمانها كدفعة مالية مقدمة. جاء ذلك رداً على تحميل روسيا لـ “اسرائيل” مسؤولية اسقاط طائرتها الاستطلاعية، إيل-20، بالقرب من الشواطيء السورية، ونتيجة مباشرة لتداعياتها .

         ومضت موسكو أبعد من ذلك بالتشديد على أن نظام الدفاع الجوي الذي ستتسلمه سوريا يعززه ويحصنه نظام تشويش الكتروني متطور باستطاعته “رصد حركة الطيران في اوروبا واسرائيل،” وفق تقرير لوكالة “تاس” الروسية، 28 أيلول الجاري.

وأضافت الوكالة أن مجرد التقاط النظام إشارة إقلاع طائرة من مدرج مطار ما “.. يسجل نظام التشويش رقما للهدف ويفرز بجانبه عدة خيارات (للتعامل معه) .. بما فيها اطلاق النار في الحالات الخطرة.”

         سياسياً، أكدت موسكو وعبر وزارة دفاعها على أن مرحلة التهاون قبل دخول إس-300 ليست كما بعدها. وأشار وزير الدفاع سيرغي شويغو في بيان أن النظام الدفاعي لسوريا “..لديه القدرة على اعتراض اجسام طائرة بما فيها الصواريخ على بعد 250 كلم أو أكثر،” فضلاً عن ميزته الفريدة بتتبع مجموعة من الاهداف واسقاط عدد منها دفعة واحدة.

         الرد الأميركي الحاد لم يتأخر، إذ أعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون معارضة بلاده الشديدة لتزويد سوريا بنظام متطور معتبرا الخطوة “تصعيد خطير،” ومناشدا موسكو “إعادة النظر” بقرارها. وفي نفس اليوم، أعلن الكرملين عن إجراء الرئيس بوتين محادثة هاتفية مع الرئيس السوري بشار الأسد يعلمه بقرار موسكو دعم الدفاعات الجوية السورية.

جدل التسليم

تلكأت روسيا في تنفيذ التزاماتها مع سوريا، 2010، لاعتباراتها الدولية، إذ كان من المقرر تسليم المنظومة عام 2013. أسباب التلكؤ والمماطلة أوضحها وزير الدفاع شويغو بأن بلاده كانت قد علقت تسليم المنظومة لسوريا بطلب من “إسرائيل.” وأضاف بأنها ضرورية الآن “لتبريد الرؤوس الحامية” في “اسرائيل.”

وتابع “أشير إلى أننا قمنا عام 2013 بتعليق تسليم منظومة S-300 التي كانت جاهزة لإرسالها إلى سوريا، في حين مر الخبراء السوريون آنذاك بفترة التدريب الخاص. لكن الوضع تغير اليوم. وهذا ليس ذنبنا“.

اضافة لمنظومة إس-300 المتطورة، ستتسلم سوريا نظما حديثة أخرى للدفاعات الجوية قصيرة المدى منها: بوك ام 2 آي؛ بانتسير إس-1؛ تور إم-2؛ والأحدث من بينها منظومة بيتشورا إم-2.

خصائص المنظومة

         بدأ تصنيع منظومة “إس-300” عام 1975، للدفاع عن منشآت عسكرية واقتصادية ذات طبيعة استراتيجية، كالمؤسسات الصناعية والقواعد والمراكز العسكرية، ودخلت الخدمة الميدانية عام 1979؛ وشهدت تطويرات عدة آخرها عام 1997، حيث أطلق عليها “إس-300 بي أم أو فافوريت؛” بلغ سعرها في الأسواق الدولية نحو 250 مليون دولار “للكتيبة الواحدة.”

         مصادر حلف الناتو تشير إلى أن النماذج الحديثة من المنظومة “هي من أكثر الدفاعات الجوية تقدماً،” وباستطاعتها التصدي لصواريخ باليستية لا تتجاوز سرعتها 4500 متر في الثانية، والتعامل مع   “24 طائرة أو 16 صاروخاً باليستياً حتى مسافة 250 كلم في وقت واحد، وإطلاق 48 صاروخاً .. يتم إطلاق صاروخين على كل هدف بفارق زمني لا يتجاوز 3 ثواني؛ يستغرق أعدادها للاشتباك (النشر والطي باللغة العسكرية) نحو 5 دقائق وهي في حالة الحركة وهو وقت قصير إلى حد بعيد.” (شبكة “بي بي سي،” 25 أيلول الجاري).

تتضمن الكتيبة الواحدة من هذه المنظومة راداراً بعيد المدى لاكتشاف الاهداف المعادية، وعربة قيادة تقوم بتحليل البيانات، و6 عربات تعمل كمنصات إطلاق للصواريخ ( كل عربة تحمل ستة صواريخ) وراداراً قصير المدى يقوم بتتبع الأهداف وتوجيه الصواريخ نحوها.

         وأوضحت الشبكة أن عربات “إس-300 بي أم أو فافوريت،” (سام-10 وفق تصنيفات حلف الناتو) ستمكن سوريا “صد 96 صاروخاً معادياً دفعة واحدة، وإطلاق 192 صاروخاً صلية واحدة” وهي قادرة على التحرك وتغيير مواقعها خلال دقائق لمنع العدو من تحديد مواقعها بعد إطلاق صواريخها. كما أن نظام الرادار قادر على تحديد الصواريخ المضادة للرادارات المتجهة نحوه ومن ثم إغلاقه فوراً وتشغيل نظامي التمويه وإعاقة الإشارات الإلكترونية.

         سلاح التشويش الالكتروني المعلن عنه مؤخراً هو من طراز “كراسوخا-4 Krasukha” دخل الخدمة عام 2012 “والفريد الذي لا يوجد له مثيل ..” تستخدمه القوات الروسية لحماية مواقعها بالقرب من محافظة اللاذقية، باستطاعته “التشويش على أنظمة الرادار للعدو، وأعطاء معلومات غير صحيحة عن المواقع أو إبطال قدرته.” ووفق المجلة العلمية الروسية، تكنولوجيا الراديو الالكترونية، فإن النظام المذكور يستخدم “الميكروويف .. لزيادة قوة الإشعاع والتشويش، وتوسيع نطاق الترددات لأنظمة الهوائيات بزيادة القدرة المشعة.”

         الأدبيات والتقارير العسكرية الغربية تعتبر “النظام الروسي بأنه يحول دون عمل الأقمار الاصطناعية للاستطلاع .. وقادر أيضاً على تعطيل مجال الرؤية للرادارات لاستشعار الطائرات المقاتلة.” بإمكانه أيضا “.. التشويش على نظام رادار واحد من مركبة أقمار اصطناعية وإشارة من نظام مراقبة مشترك للهجوم على الهدف “نورثروب غرومان E-8″ أو 11 أشارة من نظام رادار من طائرات الاستطلاع التكتيكي،” كطائرة “غولف ستريم جي-550” المعدلة لدى سلاح الجو “الإسرائيلي.”

         من الثابت لحد الآن أن نظام كراسوخا-4، أو الجيل القديم كراسوخا-2، لم يتم تصديرهما لأي دولة أخرى، مما يعيق مساعي دول حلف الناتو و”اسرائيل” للحصول على بيانات مفصلة، لا سيما وأنه سيكون تحت إشراف وإدارة طواقم روسية في سوريا.

         وأوضح موقع فايس Vice الاميركي الالكتروني أن القوات الروسية في سوريا فعّلت نظام التشويش وعرقلت “وصول بيانات نظم الإحداثيات (جي بي إس) لطائرات الدرونز” اميركية الصنع، مما يعزز احتمالات وجود بيانات ذات طبيعة تقنية لدى منظومة حلف الناتو و”اسرائيل” عن نظام كراسوخا.

منظومة الدفاع الجوي و”اسرائيل

وكالات الأنباء والصحف العالمية أوضحت منذ عام 2015 ان الطيارين “الإسرائيليين” تدربوا على كيفية التعامل مع منظومة الدفاع الجوي إس-300 ، بالتدرب على طراز المنظومة التي اشترتها قبرص قبل 18 عاما، ومقرها في جزيرة كريت، وتم تشغيلها أثناء المناورات الجوية المشتركة بين سلاحي الطيران “الاسرائيلي” واليوناني.

طلبت الولايات المتحدة من اليونان تشغيل إس-300 مرة واحدة على الأقل، مما سمح للطيارين “الإسرائيليين” معرفة طريقة عمل رادار التعقب في منظومة إس-300 للأهداف المعادية والتعامل معها وجمع معلومات عن الرادار المتقدم للمنظومة وكيفية التحايل عليه. ومن المسلمات العسكرية أن البيانات التي بحوزة “اسرائيل” عن رادار المنظومة تم إطلاع حلف الناتو والولايات المتحدة عليها بشكل خاص.

أوردت وكالة “رويترز” للأنباء، عام 2015، عن الخبير الروسي لدى المعهد الملكي في لندن، إيغور سوتياغين، قوله إن توفير فرصة التعامل مع منظومة أس-300 الموجودة في جزيرة كريت اليونانية هو كل ما يمكن أن تطمح إليه إسرائيل لدراسة ترددات الرادار وذبذباته ومداه وحينها يمكن معرفة كيفية التعامل مع هذه المنظومة وتفادي أخطارها، حسب قوله.

في ذات السياق، فالولايات المتحدة وحلف الناتو لديهما بعض الميزات التقنية التي ربما ستساعدها على “فك شيفرة” منظومة إس-300، والمتمثلة بنظام التحكم على متن صواريخ كروز الأميركية التي تعمل وفق بيانات “خريطة طريق” معدة سلفا تتحكم بوصول الصاروخ لهدفه، برغم عدم دقة الإصابة، والتي قد تعجز منظومة إس-300 عن التحكم به، وذلك قبل أن تتغلب التقنية الرقمية والتطورات الحديثة في نظم تحديد الإحداثيات للمواقع المستهدفة.

استمرار “اسرائيل” في محاولة اختراق الأجواء السورية سيتواصل، على الأرجح، بوتيرة أعلى ونطاق حذر أشد وبطريقة اختبارية وليس هجومية، بيدَ أن الكلفة التي يتعين عليها دفعها ستكون أكبر حجماً وإيلاماً عما سبق إذا لجأت لتنفيذ غارات كالمعتاد. وربما ستضطر لتشغيل مقاتلاتها الأميركية الحديثة، اف-22 و اف-35، لما تتميزان به من قدرات عالية على التخفي، وتعزيز غاراتها باستخدام منظومة تشويش الكترونية خاصة بها، طائرات “غولف ستريم جي-550.”

المعلومات الاستخباراتية التي قد تجمعها المقاتلات “الاسرائيلية” ستشارك الولايات المتحدة وحلف الناتو بها أو ببعضها، وقيم الولايات المتحدة بتطوير تقنية مقاتلاتها وفق نسق ما تم الحصول عليه.

سقوط إيل-20

برز تساؤل محوري فور حادث سقوط الطائرة الروسية بصاروخ سوري قديم من طراز أس-200، كما أجمعت التقارير الصحفية، حول قدرات الدفاعت الجوية السورية ولماذا “أخفقت في التفريق بين العدو والصديق.”

الإجابة المتوفرة متشعبة في بعديها العسكري والسياسي. الجانب الروسي وعلى لسان نائب قائد فوج الصواريخ الروسية المضادة للطائرات في سوريا، فيكتور خوستوف، أكد أن الطائرات المغيرة استخدمت “نظام التمويه الجوي .. تجمعت قاذفاتها حول “ايل-20” الضخمة على شكل “كومة” مما حولها لضحية.”

واضاف ان الطائرات المغيرة “بعد تسترها خلف طائرة الاستطلاع ايل-20، اندمجت علامات تعريف كل من طائرتي الاستطلاع وطائرات إف-16 الإسرائيلية، ولم يتمكن السوريون من استهدافهم بواسطة صواريخ إس-200 في تلك اللحظة، لأن نظام تعريف (العدو) المبرمج في نظم الصواريخ المضادة لم يسمح بذلك.”

وفي المعلومات التقنية المتوفرة أيضاً أن سطح طائرة الاستطلاع أكبر بكثير من سطح المقاتلة “الاسرائيلية،” إذ أن مساحة جناح الطائرة الروسية تبلغ 14 متراً مربعاً لكل منهما، “وتوّلد إشارة أكبر على أجهزة الرادار، ويلتقط الصاروخ المضاد تلك الإشارة ويتوجه تلقائياً نحو مصدرها لتدميره.”

وحول قدرات طائرة الاستطلاع على المناورة الجوية أوضح “خوستوف” أن على متنها نظام تحذير من هجوم صاروخي، لكن من الصعب عليها القيام بمناورة سريعة والهروب بعيداً عن صاروخ يطارها.

ماذا بعد؟

استعراض القوة العسكرية في البحر المتوسط يشتد سخونة بين القوتين العظميين اللتان تطلقا إشارات متواصلة عن مدى جهوزيتها وتعزيز ترسانتها الحربية، جواً وبحراً.

روسيا أجرت مناورات حربية “غير مسبوقة” فوق المتوسط استخدمت فيها أسلحة وذخائر حية بعضها لأول مرة تمثل في أطلاقها صواريخ موجهة مضادة للسفن، KH-35U، حققت أهدافها في تدمير اسطول من السفن. البيانات الأولية تشير إلى أن تلك الصواريخ “عصية” على تعقب نظم الدفاع الصاروخي المعادية؛ باستطاعتها تدمير سفينة حربية زنتها 5،000 طن، من على بعد 250 كلم.

الولايات المتحدة، من جانبها أيضاً عززت من حضورها العسكري الكثيف أصلاً المنتشر في عموم المنطقة. بعد الهزائم المتتالية التي تلقتها الجماعات المسلحة في سوريا، وخسارة مؤيديها في الباكستان، وانكشاف منسوب تدهور المخطط الأميركي لتفتيت المنطقة بالصراعات الطائفية، لجأت إلى سياساتها القديمة بتشكيل “تحالفات” على غرار حلف بغداد، ظاهرها التصدي الجماعي لإيران وباطنها استخدام الأدوات العربية ضد بعضها البعض.

في هذا السياق ينبغي أن يُنظر إلى إعلان وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، عن تشكيل “حلف استراتيجي في الشرق الأوسط،” يضم دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة للاردن ومصر، بعنوان التصدي لإيران. هذا على الرغم من أن مصر خرجت من “التحالف الذي تقوده السعودية” في عدوانها على اليمن عام 2016. من المرجح أن وجود مصر مرة أخرى يوفر غطاءً إقليمياً للتحرك الجديد، بينما استدراج الأ ردن للانضمام لا يشي بأي جديد.

استراتيجية الولايات المتحدة المفضلة هي “إدارة الأزمات،” وليس حلها، كما عبر عنها مراراً أركان المؤسسة الحاكمة مثل كيسنجر وزبغنيو بريجينسكي. حضور روسيا المكثف والمرئي هذه المرة يؤشر على تسعير الولايات المتحدة لساحات اشتباك أخرى، علها تستدرج روسيا في مقتل. بيد أن المؤسسة الحاكمة عينها لا تكترث لتجاربها التاريخية الفاشلة، وأعينها مصوبة نحو استمرار هدر الطاقات والسيطرة على الموارد الطبيعية والبشرية للشعوب الأخرى.

علينا أن ننتظر ما ستتفتق عنه الغطرسة الصهيونية من ألاعيب لإختبار مستويات الردع الروسية في المسرح السوري. فالقيادة “الإسرائيلية” لن تسلّم بسهولة تحول درة تاجها “سلاح الجو،” وأداتها للإغتيال والتدمير وتعزيز المعنويات، الى أدوات للزينة في الإستعراضات العسكرية، ولكنها قد تحصد الخيبة والندم.

مركز الدراسات العربية الأميركية – واشنطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى