تقارير ووثائق

تعيين بولتون تعزيز لنهج الإبتزاز تلويحاً بخيار الحروب الإقليمية د.منذر سليمان

نعم، جون بولتون خطير حقاً.”هكذا استهلت صحيفة نيويورك تايمز افتتاحيتها، 23 آذار/مارس الجاري، اختصاراً لخشية أركان المؤسسة الحاكمة من النفوذ المتنامي بعودة تيار المحافظين الجدد إلى تسلم زمام القرار السياسي، وما ينتظر العالم من تجديد التهور الأميركي بشن حروب أخرى طالما هددت بها المؤسسة الحاكمة منذ زمن.

بينما دقت إسبوعية ذي نيويوركر، 23 آذار، ناقوس الخطر من تعيين بولتون بأن “الصقور يشددون الحصار على البيت الأبيض .. جون بولتون هو الأشد وقاحة بين الديبلوماسيين الأميركيين خلال القرن الحادي والعشرين.” مستطردة أن من مفارقات التعيين ترفيع وزير الدفاع جيمس ماتيس لمرتبة “صانع القرار الأشد براغماتية” بين أعضاء الفريق الرئاسي؛ متكهنة بأن أيامه أيضاً قد تكون معدودة.

         بيد إن السؤال المركزي يتمحور حول ما إذا كان “نفوذ بولتون” استثناءاً أم استمراراً لنزعة التفرد الأميركية بالعالم، أو امتداداً “لوزارة الحرب” التي طالما بشر بها الرئيس ترامب وأسلافه الآخرين؛ وما هي الدوافع التي أدت لإقصاء هيربرت ماكماستر.

         أوجز الاستاذ المرموق في جامعة هارفارد، ستيفن والت، خطورة إعلان الرئيس ترامب عن تعيين مستشاره الجديد للأمن القومي قائلا إنه يمثل “.. عودة التشينية (ديك تشيني)، وليس انتصارا للترامبية،” مستطرداً أن التعيينات الجديدة، بولتون ومايك بومبيو، المرشح لمنصب وزير الخارجية، ليسا من “المنبوذين داخل المؤسسة الحاكمة؛ فهناك عدد غير قليل من مراكز الابحاث المحافظة ووسائل الاعلام، أبرزها وول ستريت جورنال، تمثل أركان المؤسسة، لسوء الحظ.”

         يشار إلى أن بولتون مثُل أمام “لجنة العلاقات الخارجية” في مجلس الشيوخ، 11 نيسان/ابريل 2005، ضمن إجراء اعتيادي قبل تنصيبه سفيراً دائماً لبلاده في الأمم المتحدة. وأن بعضاً من زملائه في وزارة الخارجية “اعرب عن سخريته” منه إبان شغله منصب وكيل وزير الخارجية لشؤون الحد من الأسلحة واتهامه بأنه “مخبر يتلقى أوامره من نائب الرئيس (آنذاك) ديك تشيني عوضاً عن رئيسته وزيرة الخارجية كونداليسا رايس.” وبعد نيله “الثقة” بالترشيح للمنصب، وجه أكثر من 60 ديبلوماسيا وسفيراً أميركياً عريضة احتجاجية للجنة العلاقات الخارجية يحذرون فيها من “بولتون المتنمّر (الذي) لا يمكنه القيام بدور فعال للترويج والدفاع عن المصالح القومية الأميركية،” وهو القائل قبل ذلك بأنه يبغض الأمم المتحدة التي “ليس لها وجود.”

         اختيار “والت” لصحيفة وول ستريت جورنال لم يأتِ عشوائياً نظراً لدورها البارز في تبرير الحروب الأميركية المتعددة، بل في الخلفية مقال نشرته مذيّل بقلم جون بولتون، 1 آذار/ مارس 2018، بعنوان استفزازي “الأرضية القانونية لشن ضربة استباقية على كوريا الشمالية؛” معللاً أن معلومات أجهزة الإستخبارات الأميركية حول برنامج يونغ بيانغ “مليئة بالثغرات،” ولا ينبغي تفويت الفرصة الملائمة لتدمير ترسانتها النووية والصاروخية. موضحاً بما لا يدع مجالً للشك ” أن من المشروع تماماً للولايات المتحدة قيامها بالرد على “الحاجة” الراهنة التي تمثلها أسلحة كوريا الشمالية النووية عبر شن الضربة الأولى.” (الاقتباس عن الأصل).

ومسترشداً أيضاً بالنزعة العدوانية للرئيس الأسبق ثيودور روزفلت، إبان الحرب العالمية الثانية، لجهوده في “.. توسيع نطاق المياه الإقليمية الأميركية بشكل مذهل تحت مبدأ الدفاع عن النفس والتي تضمنت (جزر) غرينلاند وأيسلندا وحتى بعض السواحل في غربي القارة الإفريقية.”

         كما اشاد بولتون، خريج كلية الحقوق في جامعة ييل المشهورة، في مقاله المذكور بالهجمات “الإستباقية لاسرائيل في تدمير مفاعلين نووين، اوزيراك في العراق عام 1981 والمفاعل السوري تحت الإنشاء بخبرات من كوريا الشمالية عام 2007.”

         هواجس بولتون وما يمثله من امتدادات داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الأميركية لا تقتصر على كوريا الشمالية، بل تشمل إيران واي دولة أخرى تتخذ موقفاً مناهضاً لسياسات بلاده التوسعية.

         من نافل القول أن بولتون لم يتوقف يوماً عن الإدلاء بمعارضته الشديدة للإتفاق النووي مع إيران، وتحيّن الفرص للطعن به وحشد التأييد لإلغائه من جانب واحد. وهو القائل مراراً أن “المعاهدات الدولية لا تلزم (الولايات المتحدة) قانونيا.” بل حافظ على نهجه للمطالبة بقصف ايران طيلة العقد الماضي؛ لكنه احتفظ باستخدام السلاح النووي ضد كوريا الشمالية!

         حساسية تعيينه في موقع محوري ينبغي أن تأخذ بالحسبان العد النهائي للرئيس ترامب باتخاذه قرار بشأن الإتفاق النووي في موعد أقصاه 12 أيار/مايو المقبل. هناك شبه إجماع على أن تعيين بولتون بالذات مؤشر على نية الرئيس ترامب الإعداد لخيار الحرب ضد إيران تتويجاً لإلغاء الاتفاق النووي معها.

         نسج بولتون أوثق العلاقات مع التيارات السياسية المتشددة، ليس في الداخل الأميركي فحسب، بل على المستوى الدولي. فيما يخص إيران، حافظ بولتون على علاقة مميزة مع فرع المعارضة الإيرانية في الخارج الممول من الإستخبارات المركزية، منظمة مجاهدي خلق، وذراعها الأميركي “المجلس الوطني للمقاومة في إيران.” وخاطبها في مؤتمرها السنوي، 20 حزيران/يونيو 2017، متوعداً أن “اللقاء المقبل والاحتفال سيكون في طهران قبل حلول عام 2019.”

         جدير بالذكر في هذا الصدد سجل بولتون الطويل في ازدراء القوانين والمعاهدات الدولية، وكان رأس الحربة عام 2001 في ترتيب انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ الباليستية مع روسيا، ممهداً الأرضية لبلاده بنشر نظام الدفاع الصاروخي “الوليد” دون قيود، ومدشناً “العصر الأميركي الجديد” بتغيير النظم العالمية عبر شن الحروب عليها؛ مؤكداً على ذلك أواخر عام 2001 بأن بلاده “مهمتها تغيير النظم” وليس التفاوض معها.

         في البحث عن دوافع الرئيس ترامب إقالة مستشاره السابق هيربرت ماكماستر، القادم من صلب المؤسسة العسكرية، أبرزها معارضته لقرار الرئيس الغاء الإتفاق النووي من جانب واحد وخشيته سابقاً من ويلات الحرب ضد كوريا الشمالية، وفق تفسير اسبوعية ذي أتلانتيك، 22 آذار الجاري، والتي انقلب عليها سريعاً أثناء تسلمه ملف إعداد “إستراتيجية الأمن القومي،” بالزعم أن “كوريا الشمالية تطور اسلحة نووية ليس للدفاع عن نفسها فحسب، بل لقتل ملايين الأميركيين.”

         يشار ايضاً إلى توجهات ماكماستر العدوانية منذ تسلمه مهام منصبه وحثه الرئيس ترامب على “.. ضرورة العمل لحرمان كوريا الشمالية من امتلاك القدرة النووية عوضاً عن احتوائها،” مما دق إسفيناً بينه وبين وزيري الدفاع والخارجية، جيمس ماتيس وريكس تيلرسون على التوالي، وفق المجلة المذكورة أعلاه.

         تتكهن بعض الدوائر السياسية المقربة من البيت البيض أن ما قد يعتبر “الشعرة التي قصمت ظهر البعير” تجلت في “تسريبات” من داخل مجلس الأمن القومي بمناشدة الرئيس ترامب عدم تهنئة الرئيس الروسي على فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، وخياره بإجراء محادثة هاتفية بعد مضي يوم واحد على إعلان النتائج، والإعلان عنها أثناء استقباله لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في البيت الأبيض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى