تقارير ووثائق

الخطة السرية لتحويل “فك الارتباط” في غزة إلى جهود سلام مشتركة إيهود يعاري

 

ذي تايمز أو إيزرائيل

30 تموز/يوليو 2015

قبل أكثر من عشرة أعوام، وقبل عدة أشهر من الموعد المحدد للإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، اجتمع سراً إثنا عشر خبيراً إسرائيلياً وفلسطينياً في منتجع أوروبي، في محاولة للتوصل إلى خطة مشتركة لتحويل الخطوة البحتة الأحادية الجانب لرئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أريئيل شارون – والقاضية بإخلاء المستوطنات في قطاع غزة وسحب جيش الدفاع الإسرائيلي – إلى مبادرة منسقة قد تسمح للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالانخراط مجدداً في عملية السلام المتوقفة .

وللأسف، لا يسمح لي حتى الآن بالكشف عن أسماء المشاركين – باستثناء زميلي الراحل زيئيف شيف وأنا شخصياً – أو هوية رئيس الوزراء الأوروبي الذي استضاف المحادثات. ولكن كان هناك بعض من كبار مستشاري ياسر عرفات من بين الذين حضروا الاجتماع، من ضمنهم أشخاص من غزة، بالإضافة إلى عدة إسرائيليين كانوا قد شغلوا سابقاً مناصب رفيعة في فروع الحكومة المختلفة.

وركزت جلسات العمل على صياغة وثيقة تعرض توجهاً جديداً للانسحاب من غزة. وبعد ثلاثة أيام من النقاش المثير – والمحتدم أحياناً – تمت الموافقة على مستند يحتوي على 10 صفحات عنوانه: “فك الارتباط نحو إعادة الانخراط: سياسة فك الارتباط الأحادي الجانب والمسؤوليات المتبادلة“.

وكان المشاركون الفلسطينيون على اتصال دائم مع قيادتهم في رام الله. أما الإسرائيليون – الذين لم يكن أحد منهم مقرباً من الحكومة – فقد خططوا لعرض المقترحات على شارون عند عودتهم. وفيما يلي بعض النقاط البارزة في الاتفاق، والتي تُنشر هنا للمرة الأولى [نقلاًعن المصدر باللغة الانكليزية في صحيفة “ذي تايمز أوف إيزرائيل“].

الديباجة كما يلي:

فرصة أو كارثة

يقف اليوم الإسرائيليون والفلسطينيون إما على حافة فرصة أو كارثة. ويمكن لمبادرة فك الارتباط من قبل الحكومة الإسرائيلية إما أن تكون انفراجة غير مسبوقة لإحياء عملية السلام، أو أن تؤدي الى سلسلة أحداث كارثية تعرقل التقدم لجيل كامل.

ما هو النجاح؟

يجب تعريف نجاح المبادرة على أنه انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة والمنطقة الواقعة بين نابلس وجنين – وهي مساحة جغرافية أكبر من قطاع غزة، ويشار إليها في الفقرات التالية كالضفة الغربية الشمالية – وفقاً لخطة رئيس الوزراء شارون. ويجب أن يكون الهدف النهائي [هو التوصل إلى] اتفاقية سلام تتوافق مع خارطة الطريق.

الخطوات الآنية

إن قيام سياسة مبنية على خطوات محددة ومتوافق عليها من قبل كلا الطرفين، كما سنبيّن أدناه، هي الوحيدة التي يمكنها أن تسفر عن مثل هذا النجاح. فعندها فقط ستصر كل من الجهات الإسرائيلية والفلسطينية والمجتمع الدولي بأن يقوم قادة كلا الطرفين بتكرير سابقة [غزة] في الضفة الغربية. وبالإضافة إلى ذلك، لكي تكون السياسة قابلة للتنفيذ، على كلا الطرفين مواجهة معارضيهم في الداخل.

ثم اقترح المستند خطة عمل:

إذا لا يحدث التخطيط لتنفيذ [التفاهمات] في الوقت الحالي، فلن تكون الاستعدادات اللازمة جاهزة في يوم الانسحاب. لذلك فمن الضروري إقرار الخطوات التالية على الفور. ليس هناك مجال لإضاعة الوقت.

على الجانب الفلسطيني:

1-     يجب إعادة فرض القانون والنظام في الشارع الفلسطيني.

2-    تتطلب هذه المهمة إعادة تنظيم أجهزة الأمن الفلسطينية وإصلاحها، عبر إنشاء ثلاثة فروع مختلفة، يكون لكل منها تفويض محدد بوضوح ومجال اختصاص صريح وفعال وتكون خاضعة لمساءلة كاملة. أما مهمة هذه الفروع فتكون:

         مكافحة التخريب والإرهاب والحفاظ على القانون والنظام.

         جمع المعلومات حول التطورات الخارجية وتقييمها.

         يجب أن يكون رؤساء الأجهزة الأمنية خبراء متخصصين في مجال الأمن وأن لا يكون لديهم أي انخراط سياسي. ويجب نقل المعلومات المحددة حول الأنشطة الإرهابية الوشيكة والخطط البعيدة المدى فوراً إلى جهاز الأمن الداخلي الفلسطيني.

3-    نزع سلاح جميع الميليشيات والجماعات العسكرية الفلسطينية بالكامل، ويجب مصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها. ومن الضروري أيضاً وقف جميع الأنشطة العدائية ضد إسرائيل.

4-    وقف تصنيع الأسلحة بشكل كامل، كما يجب وقف تهريب الأسلحة والذخائر إلى الأراضي الفلسطينية.

5-    تتولى السلطة الفلسطينية مسؤولية تسلم قطاع غزة والضفة الغربية الشمالية بعد الانسحاب الإسرائيلي منهما، ويجب أن يتحمل طرف واحد المسؤولية النهائية للتطورات داخل هذه الأراضي.

6-    تسريع عملية الإصلاح الفلسطينية برمتها قبل حلول المهلة النهائية للانسحاب الإسرائيلي.

على الجانب الإسرائيلي:

1-    من الضروري أن تطبق إسرائيل الالتزامات التي تعهدت بها خطياً في الاتفاقات التي أبرمتها مع الولايات المتحدة في نيسان/أبريل 2004. وإذا لم تطبق إسرائيل الوعود التي أطلقتها، فسوف تضع مصداقية خطة فك الارتباط الأحادية الجانب على المحك. وكما ورد في الرسائل المتبادلة، تتضمن هذه الاتفاقات التزاماً بالآتي: فرض قيود على نمو المستوطنات بالتعاون مع الولايات المتحدة، ونزع نقاط الاستيطان الأمامية غير المصرح بها، ورفع القيود المفروضة على التنقل في الضفة الغربية وقطاع غزة (بما فيها الحواجز والسواتر الترابية).

2-    بالإضافة إلى الالتزامات الواردة أعلاه، يجب أن تتخذ إسرائيل الخطوات الآتية لتشجيع السلوك الفلسطيني الإيجابي وتسهيله بينما يسعى الفلسطينيون إلى تغيير الأوضاع على الأرض في غزة والضفة الغربية. وتشمل هذه الخطوات المحتملة:

         يجب أن توقف إسرائيل جميع عمليات الاغتيال الموجهة وغيرها من التوغلات العسكرية في غزة والضفة الغربية، شرط أن يطبق الفلسطينيون جميع التزاماتهم. وستكون هذه الخطوة مهمة جداً بالتزامن مع حضور المسؤولين المصريين والأمريكيين و/أو غيرهم من المسؤولين الدوليين لمساعدة غزة والضفة الغربية الشمالية.

         يجب أن تعيد إسرائيل فتح الممر الآمن بين غزة والضفة الغربية. وإذا استمر نجاح خطة فك الارتباط، يجب تطبيق خطة بناء سكة حديد بين الضفة الغربية وقطاع غزة، شرط القيام بدراسة جدوى اقتصادية ناجحة وبالترتيبات المالية اللازمة.

         يجب إعادة فتح مطار غزة شرط تطبيق تدابير أمنية يوافق عليها الجانبان، كما يجب البدء بإعادة بناء مرفأ في غزة بعد توقيع اتفاقيات وتدابير أمنية يُتفق عليها بين الجانبين. وإلى حين بدء العمل بشكل كامل في هذا المرفأ، يجب إيجاد بديل له، ويرجح أن يكون هذا المرفأ البديل في أشدود.

تم تخصيص دور مميز للجهات الفاعلة من الطرف الثالث:

– يجب أن تقود الولايات المتحدة فريقاً لتنسيق الإصلاحات الأمنية والمساعدة فيها. وينبغي أن يشمل هذا الفريق مشاركة عدة دول، خصوصاً عربية وأوروبية، تقوم بأدوار تدريب وإشراف مختلفة.

– يجب تعيين فريق محدود من المراقبين الدوليين، كما ورد في خارطة الطريق، للتحقق من الأداء الفلسطيني ومن الانسحاب الإسرائيلي. ويتعيّن أن ينحصر دور هذا الفريق في التحقق، وينبغي أن لا يلعب أي دور عسكري أو دور لـ«حفظ السلام» أو أي شكل من أشكال فرض الحلول. ويجب أن تعين «اللجنة الرباعية الدولية» فريق المراقبين، وعلى هذا الأخير أن يرفع تقاريره إليها. وعلى الرغم من أن «اللجنة الرباعية» سوف تحدد قواعد عمل الفريق، يجب ألا يتم نشر هذا الأخير إلا بموافقة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.

– ينبغي على إسرائيل و«اللجنة الرباعية» و«البنك الدولي» أن يوضحوا لسكان غزة ما الذي سيحصل فور انسحاب الجيش الإسرائيلي، بما يتضمنه ذلك من توفير للأراضي الزراعية وخطط الإسكان الجديدة والأصول التي سيتركها المستوطنون وراءهم. ويجب أن يشرف المراقبون على تطبيق الفلسطينيين لأي التزامات ربما كانوا قد قدموها إلى المجتمع الدولي، بخصوص السلوك التخريبي خلال الانسحاب الإسرائيلي وبعده.

نظراً إلى الأهمية الكبيرة للتقدم الاقتصادي في المجتمع الفلسطيني، يجب على المجتمع الدولي، عبر «لجنة الاتصال المخصصة للمانحين»، أن يضع خطة لإعادة تأهيل الاقتصاد الفلسطيني (إنظر إلى القسم الاقتصادي في الفقرة التالية). ويجب أن يتولى المانحون عبر «البنك الدولي» حصراً [مناقشة] جميع القضايا غير الأمنية والسياسية، من بينها الفرق المشتركة التي ستتولى مسائل التسليم والتنمية“.

وتناولت الوثيقة بعد ذلك تفاصيل الخطة الاقتصادية القائمة على التعاون الوثيق بين إسرائيل وفلسطين، بمساعدة الغرب والدول العربية. واختتمت الوثيقة بما يلي:

من الواضح أن التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه خطة فك الارتباط هائلة، ولكن الفائدة المحتملة منها كبيرة أيضاً. وإذا بدأ التخطيط الإسرائيلي والفلسطيني والدولي المنسق حالاً، سوف تتعزز فرص النجاح، ولكنها ستبقى بأي حال من الأحوال غير مؤكدة حتى في ذلك الحين. ولن يتم التوصل إلى النجاح سوى عبر اليقظة الدائمة والجهود الدؤوبة والانخراط المتواصل من جميع الأطراف. ليس هناك وقت لتضييعه“.

وبالإضافة إلى الوثيقة نفسها، قدم أحد المشاركين الفلسطينيين – مسؤول رفيع المستوى في [أحد] الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، خطة مفصلة لوقف تهريب الأسلحة عبر الأنفاق المنتشرة على طول الحدود بين غزة ومصر.

وبالطبع، كانت لدينا شكوك واسعة حول التزام رئيس السلطة الفلسطينية في ذلك الحين ياسر عرفات ببنود جهود التنسيق المقترحة. فقد تُرجم النص الكامل إلى العربية لكي يُطلِع عليه، ولكننا شعرنا أنه من الضروري الحصول على التزامات فلسطينية مقابل الأراضي التي كانت ستُمنح إليهم. كانت هناك فائدة واضحة لتوفير فرصة تعاون كهذه على الأقل بالتزامن مع تقديم مجموعة من الالتزامات المتبادلة.

وبعد عودتنا إلى إسرائيل، عرض ثلاثة منا هذه الأفكار على شارون. وبقدر ما أتذكر، أمضينا ساعتين إلى ثلاث ساعات نناقش إيجابيات الوثيقة وسلبياتها وفي النهاية، أخبرنا شارون – بحرص وبلطافة كعادته – أنه يفضل الخطوة الأحادية الجانب. ولم يغير شارون رأيه عندما خلف محمود عباس، الرئيس عرفات.وفي غضون عامين، كانت حركة «حماس» قد استولت على قطاع غزة بكامله.

         إهود يعاري هو باحث في معهد واشنطن ومعلق شؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى