تقارير ووثائق

مسلحو الغوطة يقمعون «ثورة الجياع»

 

نشرت صحيفة “السفير” تقريرا لمراسلها في سوريا طارق العبد جاء فيه: في الغوطة الشرقية يمكن توصيف يوميات الناس مجازاً بالحياة.وشهدت الأيام القليلة الماضية بوادر «ثورة الجياع» ضد قيادات الامر الواقع، التي قمعت ما جرى من تصعيد، فيما يعمل القائمون على مسألة المصالحات بشكل دؤوب، مؤكدين أن النيات وحدها لا تكفي.

وأضاف : شكلت بداية المعارك حول المليحة في نيسان الماضي ما يشبه بداية فتح بوابة الغوطة الشرقية أمام تقدم القوات الحكومية ضمن منطقة تتحصن فيها مجموعة من كبرى الفصائل المسلحة في الريف الدمشقي.وبعد سبعة أشهر، تغيرت المعادلة كلياً، مع سيطرة الجيش على المليحة، وخسارة المسلحين للمواقع المهمة، مثل عدرا وتل كردي والريحان المتاخمة لمدينة دوما، في وقت سعى قائد ما يسمّى «جيش الإسلام» زهران علوش إلى تكريس نفسه كزعيم للمنطقة كخطوة اولى، ولاحقاً لريف دمشق عبر تشكيل ما يعرف بـ«القيادة الموحدة» التي ضمت معه «أحرار الشام» و«اتحاد أجناد الشام» و«فيلق الرحمن»، في حين بقيت «جبهة النصرة» خارج هذا الكيان الجديد.

وبذلك بات زهران علوش الحاكم المطلق للغوطة، من دون أن يتغير شيء على صعيد السكان المقيمين فيها، بل عمد إلى اعتقال عدد من الناشطين بحجة الدعوة للهدن، فيما كان لافتاً الحديث عن تكليف مسؤولي المجالس المحلية أو من وصفهم بـ«أهل الحل والعقد» للبحث في مسألة التسويات .

مسألة أخرى بدت لافتة للانتباه خلال الأيام الأخيرة، وهي تكاتف السلطات القضائية والعسكرية والمالية لقيادات الامر الواقع من الفصائل المسلّحة في وجه المدنيين، وهذا ما بدا واضحاً في التظاهرات التي خرجت يوم الجمعة الماضي في شوارع دوما للمطالبة بالحد من احتكار التجار للبضائع التي قفزت أسعارها بشكل هستيري في الفترة القليلة الماضية على اثر إغلاق معبر مخيم الوافدين، الذي تدخل منه السلع والمواد الغذائية للغوطة.

وسرعان ما تحرك المتظاهرون باتجاه مستودعات خاصة بالتجار، ليطلق حراسها النار عليهم، مع تحرك عناصر «القيادة الموحدة» لقمع «ثورة الجياع»، وسط إجراءات مشددة بحق عدد من الناشطين المدنيين المتهمين بالتحريض على التظاهر بحسب مصدر محلي.

يأتي ذلك في وقت اكتفى ما عرف بالقضاء الموحد (التابع لـ«القيادة الموحدة») بإصدار بيانات تدعو إلى منع الاحتكار، من دون أن يتحرك للضغط على التجار بحسب مصادر في داخل الغوطة.

وأشارت المصادر إلى ان الأمور لن تقف عند هذا الحد، حيث قرر الأهالي إعادة التصعيد والتظاهر خلال الأيام المقبلة، ما لم تتحرك «القيادة الموحدة» لوقف الارتفاع الهستيري في أسعار المواد الاساسية.

ولعل هذه العوامل، بالإضافة إلى الخسائر المتتالية التي تعرض لها زهران علوش وسلطة القمع ضد المتظاهرين أو الناشطين المدنيين، قد فاقمت من حال النقمة ضد «القيادة الموحدة» ومختلف الفصائل، ليتجه الرأي العام في الغوطة نحو خيار بين اثنين: الأول هو الاتجاه نحو «جبهة النصرة» التي يرتفع صوت ناشطيها كثيراً ضد «جيش الإسلام». اما الثاني فهو التوجه للبحث في التسوية مع النظام.

وبات من المؤكد أن العمل على اتفاقية تسوية أو مصالحة في ريف دمشق يسير بخطى ثابتة، وكان لافتاً ما أعلنه وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر عن معايير وضمانات جديدة، حيث قال، خلال لقاء مع أهالي بلدة حران العواميد أمس، إن على الأهالي الذي ما زال أبناؤهم يقاتلون في صفوف المجموعات المسلحة التواصل معهم لإقناعهم بالعودة، في مقابل العمل على تسوية أوضاعهم وإعادة دمجهم في المجتمع السوري.

وفي هذا السياق، قال محمد العمري وهو من المكتب الإعلامي في وزارة المصالحة، في حديث إلى «السفير»، إن وفداً من دوما والغوطة الشرقية قام بزيارة الوزارة في دمشق عارضاً أوضاع هذه المنطقة.

ويضيف أن «المصالحات المحلية بدأت تتضح أكثر فأكثر، ومنذ أسابيع قليلة، خرج وفد من الغوطة متحدياً الفتاوى التكفيرية الصادرة عن المجموعات المسلحة ضد المصالحة… وهناك تظاهرات عدّة خرجت في زبدين ومسرابا وعربين طالبت بخروج المسلحين وعودة الدولة وإجراء المصالحات»، لافتاً إلى ان «العمل جارٍ بهدف إطلاق المصالحات المحلية، ولكن بعض المجموعات مثل جيش الإسلام ترفض إجراء التسوية».

ويعتقد العمري أن وفد الغوطة خرج بقرار داخلي من المواطنين بنتيجة ما عاشوه من مآس، ووحشية المجموعات المسلحة، وممارساتها الاستبدادية.

ويرى أن المصالحات التي نجحت في السابق، خصوصاً في برزة وحمص القديمة وتلكلخ، تبدأ بفتح قنوات الاتصال لإقناع المجموعات بضرورة ترك السلاح ووقف إطلاق النار، ثم تسليم قوائم المسلحين والسلاح الثقيل، والسماح للدولة بإدخال الاحتياجات الأساسية للمدنيين، وتنتهي بعودة المؤسسات الخدمية إلى المناطق المعنيّة، لافتاً إلى انه ضمن هذه المراحل تتم معالجة بعض النقاط العالقة، كالموقوفين والمخطوفين، أما أهالي المسلحين فدورهم يكمن بإقناع ابنائهم للعودة الى حضن الدولة .

وعن داريا، يقول العمري إن هناك مبادرات لإنهاء الوضع وإطلاق المصالحة هناك، ولكن ما يعرقل هذه الجهود هو وجود المسلحين الأجانب.

ويخلص إلى أن ما يجري من تسويات يتم بسرّية تامة مثل ما جرى في حمص القديمة التي استمر العمل فيها لما يزيد عن سنة وشهرين معتبراً أن النيات وحدها لا تكفي ولا بد من حسن الفعل في رد على أنباء عن تفويض القيادة الموحدة في الغوطة للمجالس المحلية لبحث مسألة التسويات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى