تقارير ووثائق

الإمارات : تطبيع مجاني لخدمة الأميركي د. منذر سليمان

مركز الدراسات الأميركية العربية

 

         إعلان البيت الأبيض “تطبيع الإمارات” علاقاتها مع تل أبيب، وما ينطوي عليه من تمثيل ديبلوماسي متبادل واتفاقيات واستثمارات اقتصادية، لم يكن لهما ما يبرّرهما، أو ليمثّلا مفاجأة في سياق الصراع العربي – الصهيوني نظراً إلى تهافت معظم دويلات الخليج على نسج علاقات وثيقة مع العدو “الإسرائيلي”، منذ زمن بعيد، وخصوصاً لما وُصف “بإنهاء حالة العداء والحرب” بين الطرفين، اللذيْن لم تنشب بينهما أي مواجهة عسكرية أو غيرها، وليس للإمارات حدود مشتركة مع فلسطين المحتلة.

        توقيت الإعلان يؤشر على حقيقة الأهداف الكامنة والجامعة بين الأطراف الثلاثة: حاجة كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو إلى تسجيل “تقدم” سياسي لاستثماره في الحملات الانتخابية، الأول يعاني من شح الإنجازات وتراكم التحديات الداخلية والخارجية، والثاني يسعى على نحو محموم إلى التشبث بالسلطة وإبعاد شبح المحاكمة وقرارها بسجنه على خلفية قضايا فساد وتجاوزات أخلاقية. أمّا الطرف الثالث، أبو ظبي، فقد نذر نفسه لخدمة الخطط الأميركية في الوطن العربي أينما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وخصوصاً في اليمن وليبيا والسودان.

        أميركياً، رأت المؤسسات الإعلامية والسياسية والنخب الفكرية أن “الاتفاق الإسرائيلي – الإماراتي”  حاجة “ماسّة لكلٍ من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو لتسجيل انتصار على صعيد السياسة الخارجية، وقد وافق الأخير على “تعليق” عملية بسط السيادة على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية.”

        الرئيس ترامب وصف الأمر بأنه “اختراق هائل”، ونتنياهو عدّه “يوماً تاريخياً”. أما الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، فقد فضّل الصمت “كي يترك باباً خلفياً للتراجع إذا اشتدت الانتقادات”، كما تعتقد أوساط الجالية اليهودية الأميركية، “لكنه يعلم بالتأكيد أن هناك كلفة سياسية كبيرة إذا تراجع، وخاصة مع اقتراب الانتخابات الأميركية“.

        من أبرز أبعاد انزلاق الإمارات لتنفيذ ما يُطلب منها أميركياً انها تأتي بتنسيق فاعل مع النظام السعودي ومتقدمة عليه في بعض التفاصيل لاعتبارات داخلية صرفة في ما يخص السلطة الدينية، التي تتماثل ببعض الحذر مع التوجهات السياسية للرياض، لكنها بحاجة إلى مزيد من الوقت بانتظار دراسة حجم وطبيعة ردود الأفعال على تلك الخطوة المكمّلة لنهج “كامب ديفيد”، الذي رعته وموّلته وعمّمته في الوطن العربي.

        تاريخ أسرة آل سعود في خدمة المشاريع الغربية ليس وليد اللحظة، وخصوصاً في ما يتعلق بالنضال الفلسطيني، الذي أجهضته الرياض منذ بداياته في ثورة العام 1936، وما استتبعها من مراحل نضالية متفاوتة، ومخاصمتها الشاملة للفكر التقدمي والتحرر القومي العربي.

        ليس من المبالغة القول إن أي خطوة تقدم عليها دويلات الخليج تجري بالتنسيق والرعاية السّعودية، التي لها أطماع غير كامنة في أراضي كل الكيانات السياسية في شبه جزيرة العرب، ولعل الكويت واليمن وقطر تمثّل عناوين حية لأهدافها.

        تأكيدا على ذلك، كشفت يومية “نيويورك تايمز”، 13 آب/أغسطس الجاري، أن “ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي، يرغب في اتخاذ خطوة مماثلة، لكنه يخشى رد عناصر محافظة في بلاده، التي لا تتمتع بحرية الحركة نفسها لدولة مثل الإمارات“.

        وعليه، ليس من الإنصاف والحكمة التغاضي عن دور وقرار آل سعود في إجهاض كل ما يتعلق بالنزعات التحررية للشعوب العربية، التي سعت وما زالت تسعى للسيطرة على مواردها الطبيعية وتوزيع عائداتها بشكل أكثر عدلاً ومساواة، وتسخيرها في نهضة اقتصادية واجتماعية حقيقية.

التقارب الإماراتي مع “إسرائيل” لم يأتِ مفاجئاً وخصوصا بعد تصريحات “مسؤولي الموساد” المتكررة بأنهم زاروا الإمارات مراراً، ولديهم علاقات مع الدول الخليجية منذ 50 عاماً، كما نقلت وسائل إعلاميّة غربيّة متعددة.

ما لم يسلّط الضوء عليه على نحوٍ كافٍ هو العلاقة الجدلية بين المخزون البشري المتواضع جداً للإمارات مقارنة بالدور الإقليمي المتعاظم المنوط بها، وانتشارها عسكريا “بجنود وضباط من جنسيات عربية وأجنبية” على رقعة جغرافية مترامية الأطراف، وتدخلاتها المباشرة في سوريا واليمن وليبيا وفلسطين، التي شهدت وصول طائرات إماراتية محملة بالمعدات الطبية إليها بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا، قيل إنها لمصلحة الفلسطينيين، والتي رفضها الغزاويون جملة وتفصيلاً.

اتضح لاحقاً أن تلك الطائرات كانت تنقل “أسلحة إسرائيلية” إلى ليبيا واليمن، وتُسلّم معدات طبية متطورة “لإسرائيل” دفعت ثمنها أبو ظبي، وهي نحو 100 ألف جهاز لفحص فايروس  كورونا، برعاية ورضى واشنطن، بلا ريب.

بيان الإعلان المشترك تحدث بوضوح عن ضرورة “زيادة التكامل الاقتصادي والتنسيق الأمني” بين أبو ظبي وتل أبيب، أي إن علاقات قائمة سبقت الإعلان ينبغي تطويرها لدرجة أعلى من “التكامل والتنسيق“.

خطوة الإمارات التطبيعيّة ليست منفصلة عن سياق نهج التسوية والتنازلات التي دشّنها النظام العربي الرسمي بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وما استتبعها من اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وتنبىء بخطوات مماثلة لدول خليجية، كالبحرين وعُمان والسعودية، مستغلة حالة التراجع في المد القومي وتشديد الحصار على القوى والفصائل المقاتلة المناهضة للمخططات الأميركية.

مركز الدراسات الأميركية العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى