تقارير ووثائق

هل سيوافق “حزب العمل” على توسيع ائتلاف نتنياهو؟ ديفيد ماكوفسكي

 

16 أيار/مايو، 2016

تفيد التقارير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعقد محادثات سرية مع زعيم “حزب العمل” إسحاق “بوجي” هرتسوغ من أجل توسيع ائتلافه البرلماني القائم على 61-59. إن انضمام “حزب العمل” إلى الحكومة الحالية سيخفف بشكل دائم من قوة الأحزاب اليمينية مثل “البيت اليهودي” وسيكون له انعكاسات هامة على مستقبل السياسة الإسرائيلية .

ولم يعلق هرتسوغ كثيراً على الموضوع بصورة علنية، باستثناء الإشارة إلى أنه سينضم إلى نتنياهو فقط إذا تمكن هذا الأخير من أن يحدث فرقاً في القضايا الحاسمة التي تواجه مستقبل إسرائيل، بما فيها إنهاء الجمود بشأن القضية الفلسطينية. بيد، يعتبر منتقدو هرتسوغ من “حزب العمل” أنه يتنازل من أجل عدد قليل من الحقائب الوزارية، من بينها وزارة الخارجية، التي احتفظ بها نتنياهو شاغرة ليحثه على الانضمام إلى الائتلاف، بدلاً من الإصرار على إجراء تعديلات هامة في السياسة. وبصرف النظر عن القيود الرئيسية على قضية الاستيطان في الضفة الغربية، من المحتمل أن ينجذب “حزب العمال” إلى الائتلاف في حال استبدال وزيرة العدل أييليت شاكيد، وهو ما دعا إليه هرتسوغ في 15 أيار/مايو. وترتبط السيدة شاكيد بالتشريع الوطني مثل ذلك الذي كان يهدف إلى إبعاد أعضاء الكنيست العرب بسبب خطاباتهم التحريضية. ومع ذلك، فمثل هذه الخطوة ستؤدي إلى تصادم مع حزب “البيت اليهودي”، وليس هناك أي دليل يشير على أن حزب “الليكود” سيوافق على الأمر.

أما في ما يتعلق بـ”حزب العمل”، الذي ينتمي أعضاؤه التسعة عشر إلى كتلة أكبر تتألف من أربعة وعشرين عضواً هي “الاتحاد الصهيوني”، فتشير تكهنات وسائل الإعلام إلى أنه يمكن توقع انضمام ما لا يزيد عن اثني عشر عضواً من البرلمانيين في الحزب إلى حكومة نتنياهو. وبالفعل، أعلنت وزيرة الخارجية السابقة وعضو “الاتحاد الصهيوني” تسيبي ليفني أنها ستحل شراكتها مع “حزب العمل” إذا انضم هذا الأخير إلى الحكومة الحالية.

وفي الوقت نفسه، لم يتم الكشف عن شروط نتنياهو، ومن المرجح أن يكون الاحتمال لتشكيل ائتلاف مع “حزب العمل” ضيقاً. أولاً، إن الانتظار لفترة أطول بكثير في أعقاب انتخابات آذار/ مارس 2015 التي أسفرت عن تشكيل الحكومة الحالية يمكن أن يجعل إعادة تشكيلها غير ممكنة من الناحية السياسية. وفي الواقع، نادراً ما تستمر الحكومات الإسرائيلية لفترة ولاية كاملة، أمدها أربعة أعوام ونصف. ثانياً، إن إعادة تشكيل الحكومات عادة ما تتم خلال فترات عطل الكنيست [البرلمان]، مع الإشارة إلى أن فترة العطلة الحالية تنتهي في 22 أيار/ مايو، وذلك لتجنب أصوات حجب الثقة بشكل أسبوعي، والتي يمكن خلالها أن يتعاون الناقدون من اليسار واليمين من أجل إسقاط حكومة نتنياهو. لكن من الجانب المشرق في الأمر بالنسبة لحزب العمل، يمكن أن يحاول هرتسوغ استثمار الانتقادات الشديدة من داخل حزبه لزيادة مطالبه من “الليكود” لكي تشمل تغيير في السياسات. أما حول ما إذا كان سيتّبع مثل هذا المسار أم لا، فمن غير الواضح ما إذا كان بالإمكان الحفاظ على المستوى الحالي لسياسة حافة الهاوية بين نتنياهو وهرتسوغ في فترة العطلة الصيفية، وسط اتهامات داخل “حزب العمل” بأن هرتسوغ “يزحف” نحو حكومة نتنياهو.

حوافز لنتنياهو

بالنسبة إلى نتنياهو، إن مشاركة “حزب العمل” في حكومته ستقدم له مزايا عديدة في مجالات تتراوح من أداء ائتلافه العام وصولاً إلى سياسته الخارجية. كما أن ضم الحزب إلى ائتلافه لن يدفع بشركاء الحكومة الصغار إلى الانشقاق، وهؤلاء هم الحزبان اليهوديان المتشددان وحزب الاستيطان، الذين يعتمدون على سخاء الحكومة. وبالمثل، سيبقى وزير المالية موشيه كاحلون، الذي يتزعم “حزب كولانو” الوسطي، في منصبه من أجل تحقيق تعهده في حملته الانتخابية بخفض أسعار المساكن. وكما تبدو الأمور، فإن ائتلاف نتنياهو الضيق يعيق العمليات اليومية للكنيست، ويمنح كل عضو درجة النفوذ القصوى. وفي الواقع، عندما قرر اثنين من أعضاء الكنيست “الإضراب” في آذار/ مارس، ورفضا المشاركة في التصويت البرلماني، حُرّم نتنياهو من أغلبيته البرلمانية وأُجبر على الاستسلام للعضوين المضربين لاستعادة سلطته السياسية.

وبالنظر إلى الوراء، من المرجح أن تكون آراء نتنياهو حول التحالف الذي أقامه بين عامي 2009 و2013 بأنه كان مثالياً، وذلك لأن وجود أطراف من اليمين (“البيت اليهودي”) واليسار (“حزب العمل”) قد منحه مساحة دولية للمناورة. وقد استبعدت حكومته التالية “حزب العمل” من ائتلافها بين عامي 2013 و2015، إلا أن عدم رضاه الحقيقي من التحالف الذي قام بحله تَركز على استبعاد اليهود المتشددين، الذين وجد فيهم مرونة في القضايا التي لا علاقة لها بالدين. وبالتالي، فإن دمج “حزب العمل” في الائتلاف الجديد سيعيد هذه الديناميكية المفضلة ما بين العامين 2009 و2013، حيث تم الجمع بين “حزب العمل” واليهود المتشددين، مع الحفاظ على حزب “البيت اليهودي” تحت مظلة نتنياهو. وفي ما يخص “البيت اليهودي”، يكمن البديل غير المحبذ في مشاهدة الحزب يتسبب بضرر سياسي من خلال عمله مع خصم نتنياهو، أفيغدور ليبرمان اليميني أيضاً، والذي ينتمي إلى حزب “إسرائيل بيتنا”. وبشكل عام، لا يريد نتنياهو الكثير من القوة اليمينية في المعارضة.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، يواجه نتنياهو تحدّيين محتملين كبيرين أحدهما هذا الشهر؛ بيد يمكن التخفيف من حدتهما من خلال تأمين أغلبية أوسع. ففي نهاية أيار/مايو، وفي تحرّك رفضته إسرائيل، تعتزم فرنسا استضافة ثلاثين وزير خارجية كخطوة مبشّرة لعقد مؤتمر سلام في الشرق الأوسط على نحو أوسع نطاقاً في الخريف المقبل لبحث القضية الفلسطينية. وقد انبثقت الخطوة لإجراء هذه المحادثات في باريس، في الوقت الذي تعتزم فيه “اللجنة الرباعية الدولية”، المكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة، إصدار تقرير يُقال أنه سيكون متشدداً مع المستوطنات الإسرائيلية. لكن يبدو أن ائتلاف نتنياهو لا يعطيه مجالاً للتصرف بشجاعة في موضوع المستوطنات، مثل تجميد البناء وراء الحاجز الأمني، حتى ولو ألمح بعض الأعضاء البارزين بصورة غير علنية أنهم سينظرون في مثل هذه المبادرة.

أما التحدّي الثاني فيمكن أن يأتي في نهاية هذا العام، حيث من المتوقع أن تقرر إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ما إذا كانت ستمضي قدماً في سعيها لاتخاذ قرار في مجلس الأمن الدولي من شأنه أن يحدد القضايا الأكثر صعوبة التي تعترض طريق التقدم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهنا أيضاً يخشى نتنياهو أن يُفرض عليه حلاً ما، ويبدو أنه يعتقد أن دمج “حزب العمل” قد يسمح لإسرائيل بتعديل سياساتها بطرق تستبق مثل هذه الخطوة. إلى جانب ذلك، فإن الحكومة الأوسع ستمنح نتنياهو مرونة للتعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة. ولعل أعضاء “الليكود” يدركون هذه المزايا، نظراً إلى أن نتنياهو قد واجه مقاومة أقل بكثير داخل حزبه من تلك التي يمر بها هرتسوغ. وبطبيعة الحال، قد يتغيّر ذلك إذا قدّم نتنياهو تعديلات هامة على السياسة.

أما على الصعيد المحلي، فيمكن لحكومة تشمل “حزب العمل” أن تساعد على الخروج من المأزق الأخير حول الغاز الطبيعي. ففي 27 آذار/ مارس، حكمت “المحكمة العليا الإسرائيلية” بـ “شرط الاستقرار”، الذي ينص على تجميد شروط اتفاق الغاز الطبيعي مع “شركة نوبل الأمريكية للطاقة” و”مجموعة ديليك الإسرائيلية” لمدة عشرة أعوام، ومنَحَ الحكومة مهلة عام واحد لتعديل هذه الشروط والحصول على موافقة الكنيست على قيام شركة “نوبل” بالتنقيب في حقل “ليفياثان” قبالة ساحل البحر المتوسط. ويرى نتنياهو أن هذا التنقيب عن الغاز يوفر نفوذاً كبيراً في صفقات التصدير مع الأردن ومصر وتركيا، وربما دول أخرى. وحتى لو عارض معظم أعضاء “حزب العمال” إجراءً كهذا، باعتباره ودياً جداً لمصالح الشركات الإسرائيلية، فلن يحتاج التشريع سوى إلى تصويت عدد قليل من الأعضاء لإقراره.

وعلى الصعيد المحلي أيضاً، من شأن مشاركة “حزب العمل” أن تضمن إقرار الميزانية لمدة عامين، مما يؤمّن تقريباً السلام التشريعي لنتنياهو لمدة عامين، إذ إن الفشل في إقرار ميزانية الدولة لعامين، بموجب القانون، سيتسبب بحل الحكومة.

ويمكن لهذه الخطوة أن تخفف أيضاً من موقف المزيد من اليهود الليبراليين الذين أعربوا عن شعورهم بالإحباط بسبب تراجع نتنياهو الظاهر عن خطة الصلاة المختلطة التي تضم الرجال والنساء جنوبي حائط المبكى، والتي تغذيها الضغوط من اليهود المتشددين. بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن نتنياهو يشعر بأن الأفكار التشريعية لوزيرة العدل شاكيد قد تضر بمكانة إسرائيل الدولية.

حوافز لـ “حزب العمل

لنبدأ مع الحوافز المضادة. من خلال بقائه خارج الائتلاف، يمكن أن يحافظ “حزب العمل” على موقفه المعارض الواضح، وربما حصْد النتائج الإيجابية في الانتخابات المقبلة. وكان ذلك تبرير ليفني لعدم انضمام حزبها إلى حكومة نتنياهو عام 2009، وتبرير “حزب العمل” في عام 2013. إلا أن هذه الخطط أتت بنتائج عكسية في صناديق الاقتراع. فقد رأت ليفني حزبها، “كديما”، الذي فاز بثمانية وعشرين مقعداً في عام 2009، يختفي تماماً بحلول عام 2015. كما خسر “حزب العمل” الانتخابات في عام 2015. وقد يكون سبب ذلك لأنه يُنظر إلى ليفني و”حزب العمل” على أنهما يركزان على عملية السلام، لذلك يعانيان على الصعيد الانتخابي عندما تحدث انتكاسات دبلوماسية أو هجمات إرهابية. ومهما كانت نتيجة التصويت، قد يجادل منتقدو هرتسوغ من “حزب العمل” على أن انضمامه إلى “الليكود” هو ببساطة أمر غير مقبول أيديولوجياً.

إن انجراف البلاد نحو اليمين منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2004) يلعب أيضاً دوراً في حسابات “حزب العمل”. وفي الواقع، لم يفز الحزب في الانتخابات فوزاً صريحاً منذ عام 1999. وبالتالي، فبينما تزعم شمعون بيريز الحزب بالتزكية تقريباً من عام 1977 وحتى عام 1997، إلا أن الحزب قد شهد ما يقرب من ثمانية قادة في السنوات الخمسة عشر الماضية، مما يعكس النهج غير المتسامح للحزب تجاه الخسائر الانتخابية. لذلك، قد يرى هرتسوغ الذي تراجعت أسهمه مؤخراً في استطلاعات الرأي، أن الانضمام إلى الحكومة هو بمثابة فعل للحفاظ على الذات يهدف إلى تجنب اتجاه الحزب نحو مبدأ “بعد الفشل مرة واحدة، يتم عزلك”. وفي الواقع، اتهم الناقدون هرتسوغ بالانتهازية بناءً على هذه الفرضية، وهي تهمة يرفضها هذا الأخير.

الاستنتاجات بالنسبة لواشنطن

على الرغم من قيادته لحزب من أكبر حزبين مؤيدين تاريخياً للسلام في بلاده، لا يعتقد هرتسوغ أن إسرائيل تشارف على اتفاق سلام كبير [وشامل] مع الفلسطينيين. مع ذلك، يعتقد هرتسوغ أنه يتعيّن على إسرائيل القيام ببعض اللفتات تجاه الفلسطينيين، وخاصة في ما يتعلق بالمستوطنات، بغية الحفاظ على مقوّمات حل الدولتين وضمان بقاء إسرائيل دولة ديمقراطية وذات أغلبية يهودية على حد سواء. ومن جانبه، يعتقد نتنياهو أن بإمكانه تبرير القيود المفروضة على سياسة الاستيطان لأعضاء ائتلافه – تحت العنوان الثمين المتمثل بـ “الوحدة” – بسهولة أكبر من التنازل لصالح واشنطن أو رام الله. وإذا ما تم سن مثل هذه القيود الاستيطانية، سيكون من المهم مراقبة تأثيرها على مواقف الولايات المتحدة وفرنسا. وإذا نجح نتنياهو في تشكيل حكومة موسعة، ستستحق إسرائيل وقتاً لاتخاذ قرارات. ولكن إذا فشلت مفاوضات نتنياهو وهرتسوغ، فسيفتقر رئيس الوزراء على الأرجح إلى المساحة السياسية داخل ائتلافه الحالي لكي يوقف بشكل استباقي ما يعتبره مبادرات غير مرغوب فيها على الساحة الدولية.

ديفيد ماكوفسكي هو مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.

http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/will-labor-agree-to-broaden-the-netanyahu-coalition

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى