تقارير ووثائق

هل يحارب الأميركيون داعش أم يكتفون بمنع تمددها؟ بقلم نزار عبود

 

موجز

أهم نقاط الجدل الأميركي حول محاربة داعش

الأميركيون لا يملكون إستراتيجية لمحاربة “داعش” ويتجاهلون “النصرة”. يتوقعون إنهيار حلفائهم الخليجيين خاصة في السعودية التي يوالي نصفه داعش، ولا يريدون خوض حرب مع الإسلام بل ترك الحرب بين المسلمين. يشبهون فشل أميركا مع داعش بفشل إسرائيل مع حزب الله في حرب تموز، يتوقعون إستمرار حرب داعش لعدة عقود بين المذاهب لأنها حرب فكرية حسب رؤيتهم. يقرون بفشل خياراتهم في سوريا والعراق، فاستثمار ٥٠٠ مليون دولار أميركي أنجبت ٦٠ مقاتلا سوريا. لكنهم إذا لم يحاربوا داعش في العراق وسوريا ستحاربهم في عقر دارهم كما فعلت. لذلك تطارد المباحث الأميركية خلايا التنظيم في خمسين ولاية حاليا. وتنسق الولايات المتحدة مع ستين دولة ضد داعش والتنظيمات الإرهابية في كافة المجالات.

وماذا عن نظرة إسرائيل للتنظيم؟ ولماذا تبدو غير مكترثة بمحاربته؟ فريق منهم يقول، “إسرائيل تستفيد من إجرام داعش ضد حزب الله وحماس” وآخرون يقولون إن إسرائيل إذا قاتلتهم تجعلهم أكثر جاذبية. أما الأنظمة السنية الحليفة فهم غير جادين في قتال داعش لكي لا يكسب الشيعة.

يريد الأميركيون تغيير السلطة في سوريا بكل الوسائل وتقسيم العراق تحت ذريعة توزيع الثروات بشكل عادل.

مقدمة

تواجه الولايات المتحدة إمتحانا يحدد مستقبل زعامتها للعالم الغربي. فشلت خلال نحو ١٥ عاما في الإنتصار على القاعدة التي هاجمتها في عقر دارها. وبدلا من القضاء على خطرها، فرّخت القاعدة تنظيمات كثيرة تنهل من معينها، وبعضها يبزّ القاعدة في تطرفه. تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على رأسها.أصبح دولة تحتل مساحات شاسعة من العراق وسوريا. وبقيت الإستراتيجية الأميركية حتى الآن على الرغم من قتل الأميركيين وإستفزاز واستهداف وكلائهم في المنطقة، لا تخرج عن إطار إستراتيجية الإحتواء. الإصطلاح الذي إستخدم في التعامل مع الشيوعية التي أريد منع تمددها لعدم القدرة على إحراز إنتصار حاسم عليها إلى أن إنهار الإتحاد السوفياتي من الداخل.

لكن آخرين في الشرق والغرب يرون أن الإحتواء لا يكفي، فداعش يستفيد من التردد بكسب الأنصار الذين يتدفقون عليه بالآلاف. وهو يجند في الداخل والخارج كما يهدد بهجمات غاية في الجنون والإجرام. لذلك يجب كسر الدولة الداعشية حسب تقديرهم. لكن هل هذا ممكن؟ وبأي ثمن؟

النقاش جرى مؤخرا في مناظرة فكرية إستراتيجية، نظمها مركز “إنتلجنس سكويرد” وضمت نخبا أميركية قريبة من مراكز القرار، شملت فريقا من كبار المختصين المرتبطين بمراكز الأبحاث، وبعضهم بمراكز إتخاذ القرار. قدم الفريق الأول مطالعة تدعو إلى الحسم العسكري والإسراع بضرب داعش مهما غلا الثمن. والفريق الثاني توقع أن تدوم الحرب لعقود لأن الإنتصار غير ممكن من دون جيوش جرارة، والإمكانات الحالية لا تكفي. هذا الفريق يراهن على إهتراء داعش من الداخل بعد عمليات إحتواء واستنزاف من الخارج.

قادت ميشيل فلورنوي فريق الداعين إلى عمل عسكري منسق يلحق الهزيمة بداعش. إنها الخبيرة الإستراتيجية التي خدمت في وزارة الدفاع الأميركية في حقبة كلينتون وبعدها في إدارة أوباما، وهي اليوم تشغل منصب رئيس لمركز نيو أميركا، و مرشحة لأن تكون وزيرة دفاع إذا فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة عن الحزب الديموقراطي.

إلى جانبها جلس شريكها فيليب زيليكو، مدرس تاريخ من جامعة فرجينيا. عمل مستشارا لوزارة الخارجية الأميركية. وكان مدير هيئة التحقيق في ١١ أيلول ٢٠٠١، وخدم في مجلس مستشاري الرئيس الأميركي تحت إدارتي بوش وأوباما.

قالت فلورنوي، إن داعش أكثر من منظمة إرهابية. التنظيم مشروع دولة وحركة عقائدية ملتزمة بالجهاد ضد كل من يعارض فكرها. هدفها إنشاء دولة خلافة على إمتداد العالم الإسلامي. تمارس بطشا في غاية التطرف، ولا تتوانى عن تقطيع رؤوس المدنيين وتحرق أشخاصا أحياء كما فعلت مع طيار أردني، تغتصب وتستعبد وتبيع رقيق وتصلب وتدنس وتهدم الآثار والمعابد. أسست العام الماضي منطقة آمنة لها في العراق وسوريا. يدعو التنظيم لانضمام الآلاف عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وهو ملهم لهجمات فردية.

الأرقام وحدها مفزعة. هناك ٩٠ ألف رسالة عبر الإنترنت للتنظيم تنشر كل يوم. “لذلك داعش يمكن أن يصبح أخطر من القاعدة التي كانت تخضع لإنضباط شديد في طريقة إنتساب الأعضاء إليها. لذلك فإن الإنتساب يحدث بالآلاف” تمضي فلورنوي. وإذا مارس الأتباع إرهابا في الخارج فهذا زيادة في الخير كما يشعر التنظيم. منذ أيار ٢٠١٤ هناك ١٠ من أصل ١١ هجوما تعرض لها الغرب قام بها أفراد من تلقاء أنفسهم. والهجمات لا تقتصر على الشرق الأوسط بل تمتد إلى أستراليا وكندا وفرنسا والدنمارك وبريطانيا وفي الولايات المتحدة أيضا. ولا تستغرب أن تحدث “إعتقالات وتحريات أميركية حاليا في ٥٠ ولاية“.

بناء على هذه الخلفية تدعو فلورنوي إلى ضرورة هزيمة التنظيم. كيف؟ “هذا يقتضي تظافر الجهود بين الولايات المتحدة وشركائها الدوليين. بتكثيف العمل الدبلوماسي والدعم العسكري للشركاء لكي يتمكنوا من إلحاق الهزيمة بداعش على الأرض”. وسياسيا “يجب أن يكون لدينا الدبلوماسية القوية من أجل الضغط على الحكومة الشيعية في بغداد لمعالجة المظالم السنية، ولتوزيع الموارد على الأقاليم والمحافظات بفصلها عن المركز”. تود ببناء عراق فيدرالي منصف.

أما وصفتها السياسية لسوريا فبضرورة محاربة داعش والسلطة السورية في آن معا، بالسياسة والقوة.

في سوريا نحتاج إلى جهود أمتن لفرض تسوية تنهي حكم الأسد وتبعده عن السلطة. ونحتاج لجهد دولي يمنع إنتشار الحرب السورية الداخلية وتهديدها للدول المجاورة مثل الأردن ولبنان وتركيا.”

وتمضي في شرح أساليب العمل في هذه الدول،”من الناحية العسكرية علينا منح العراق المزيد من الدعم على شكل مدربين ومستشارين ومعدات وإسناد جوي لكي نساعد شركاءنا على قهر داعش واستعادة الأراضي.” هي لا تريد إرسال عشرات أو مئات آلاف الجنود الأميركيين مجددا إلى العراق. بل تريد تسخير العراقيين لتنفيذ المهمة بالنيابة. ” لا ندعو لإعادة غزو العراق أو إلى تكرار الحرب العراقية. إنما ندعو إلى تكثيف المساعدة والمساندة.”

أما سوريا فهي تريد توفير منطقة آمنة جوّا، “علينا تغيير التركيز بما يوفر الدعم الجوي لبعض الجماعات التي تحقق إنجازات على الأرض. مثل “الجبهة الجنوبية” و”الجيش السوري الحرّ”. وعلينا توجيه دعمنا بحيث نشكل بدائل عن داعش والأسد في سوريا.” أم جبهة النصرة فليست على الأجندة ولم تأت على ذكرها.

وعلى المستوى العالمي، تدعو لتجنيد الوسائل التي بنيت من أجل مكافحة التطرف والإرهاب وهذه تشمل، “تعطيل تمويلهم، واستهداف قياداتهم، وبناء قدرات شركاء لكي يمنعوا داعش من التغلغل. يجب أن نعمل مع القطاع الخاص ومع المنظمات الأهلية لمحاربتهم عبر الشبكة العنكبوت. ويجب أن نعالج الخلل في الحكومات التي تؤمّن تربة خصبة لنمو داعش، مثل ضعف السلطات ومعالجة المظالم الإجتماعية.”

لكنها لا تنفي أن كل هذا محفوف بالمخاطر. أما عدم الإقدام على شئ فينطوي على مخاطر أكبر. والإحتواء في نظرها لن يعطي نتيجة، لأن “أسلوب الإحتواء يتيح لداعش الإحتفاظ بمعقله، وهذا يسمح له بتخطيط الهجمات، وتجنيد الأتباع وإلهام الأفراد المعزولين. الإحتواء يعني تعرض الغرب لعدد لا متناه من الإعتداءات ولعدم إستقرار دائم في الشرق الأوسط.”

أنصار الإحتواء

في مقابلها من المناظرة جلست آن ماري سلوتر، رئيسة وعضو مجلس الإدارة المنتدب في مركز أبحاث “نيو أميركا،” وإستاذة الشؤون الدولية في جامعة برنستون. أول أمرأة إحتلت منصب التطوير والتخطيط في وزارة الخارجية وكانت عميدة كلية وودرو ويلسون للعلاقات العامة والشؤون الدولية.

إلى جانبها جلس شريكها دوف زاكايم، المستشار في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وزميل في مؤسسة “سي أن أيه،” عمل في وزارة الدفاع في عدة مناصب. كان منسقا للبرامج المدنية في أفغانستان. وكان مدير مالي أول ومساعد وزير الدفاع. وهو من الصقور واحد من سبعة مستشارين عملوا لدى جورج دبليو بوش عندما رشح نفسه للرئاسة. المجموعة شكلتها كوندليزا رايس، والتسمية نقلت من تمثال الصقر في برمنغهام.

طرحت آن ماري سلوترالسؤال، هل تحاصر قوات داعش في معقلهم أم تطردهم منه؟ المهم في رأيها، هو أن تمتلك الولايات المتحدة إستراتيجية لهزيمة داعش من دون زج جنود أميركيين على الأرض. لذلك إنطلقت من تعريف تحديد الهزيمة وطريقة تحقيقها.

الإحتواء يعني في نظرها “محاصرة داعش في مكانه وسلبه من خطاب النصر الذي يدعيه.” إستشهدت بالبروفسور خوان كول، المختص بالدراسات الإسلامية الذي يرى إن داعش يقول في كل نصر تحرزه إن الله يقف معه “لذا سنبني الخلافة وننشرها في العالم والله معنا لأنه سخر لنا هذا النصر بفتح هذه المدينة”، تقتبس منهم.

وتضيف، ” الإحتواء يعني منعهم من إحراز إنتصارات جديدة أو جذب مزيد من الأتباع. الإحتواء يعني التصدي للحد من التوسع وليس الجلوس في موقع المتفرج. كذلك بذل كل ما يمكن فعله دبلوماسيا وعلى الإنترنت، وعسكريا بإيقافهم عن التمدد. ويعني أيضا دعم من يقاتلهم في الشرق الأوسط بحيث يكونوا في موقع القيادة في المواجهة لردع داعش.”

تراهن على إسقاط خطابهم العقائدي بالممارسات الشاذة التي تحدث على أرض الواقع. أما مهاجمتهم عسكريا وطردهم من معقلهم فذلك صعب للغاية لعدة أسباب سياسية، وتشرحها، “الجنرال دافيد بترايوس حدثنا كيف أنه طرد القاعدة من الموصل. لم تعد القاعدة في الموصل لكن داعش حل محلها. هذه هي الجولة الثانية. الجولة الأولى فشلت. والسبب يعود إلى أن القضية لا تنحصر في الجانب العسكري، داعش تمثل فكرا. وسأل البروفسور كول كيف تستطيع أن تهزم مجموعة أفكار؟

وعادت إلى تجربة الإحتواء التي إتبعتها الولايات المتحدة للإنتصارعلى الإتحاد السوفياتي بمنعه من التمدد قبل ترك التناقضات الداخلية تدمره. وهي تتحدث عن حرب قد تمتد لعقود لأن الحسم غير ممكن فالنزاع يدور بين المسلمين، وهي معركتهم. ودور الغرب هو حماية النفس وحسب.

قالت، “داعش يقول أنه يحارب الصليبيين والصهاينة، والشيعة والصوفيين. مواجهتهم تعني تنفيذ تصورهم بأنها معركة الألف عام بين المسلمين الأصوليين المدافعين عن الإسلام والصليبيين. لعبة الإحتواء تعني الصمود في وجههم وعدم مجابهتهم في حرب طاحنة. الحرب بيننا طويلة. بترايوس نسب إلى الجنرال أدجيرنو أن هذه حرب ستمتد إلى عقد إذا لم نقل عقدين. هذا يشبه ما جرى في القرون الوسطى من حركة إصلاح إمتد صراعها لقرون.” وتستدرك، “لكن هذا النزاع يجري داخل الديانة الإسلامية ويتعلق بروح الإسلام. إنها ليست معركتنا. إنها معركة المسلمين، وفي النهاية يجب أن نحمي أنفسنا، يجب إحتواء داعش، لكن الغرب لا يستطيع الإنتصار.”

ويفصل فيليب زيليكو، مدرس تاريخ في جامعة فرجينيا من الفريق الأول الداعي إلى إلحاق الهزيمة بداعش، بالقول إن الحرب ضد داعش ماضية عسكريا الآن. “ولقد تم قتل عشرة آلاف من أفرادهم. لكن داعش لم يندحر. أي أن الغرب يقاتلهم لكنهم لم يهزموا. وهذا يغذي خطابهم بأنهم ينتصرون. يهاجموننا يوميا، يقولون، ها نحن نسيطر على ٢٠ مدينة ونحكم ملايين السكان ونستعبد أكثر.”

وحذر من أن الإستكانة وعدم حساب الخطر قد يؤدي إلى مفاجآت ميدانية من مستوى ١١ أيلول ٢٠٠١ أو أكبر. يقول إنه إذا لم نبادر لقتالهم سيكون الغرب مهزوما عندمايوقع هجوم يسقط فيه مئات أو آلاف القتلى بعد شهر أو عام.

درس زيليكو هجوم ١١ أيلول الذي لم يستغرق الإعداد له أكثر من ٣ سنوات حسب قوله. وخلص إلى أن الذين نفذوا الهجوم هاجروا من ألمانيا إلى أفغانستان. كانوا يعتقدون أنهم في طريقهم لمقاتلة الروس ودعم الشيشان. لذلك هو يحذر من أن الهزيمة “ستعني أيضا سقوط الشرق الأوسط في براثن التطرف. حرب الجميع ضد الجميع. الشيعة تدعمهم إيران يقابلهم السنة ممثلين بداعش كتنظيم يمثل الطهارة الدينية.”

ويحذر من قيامة مقبلة، “سينهار لبنان والأردن وتتهاوى تركيا. والمنطقة باتت مسرحا يفيض بملايين المهجرين. إنهم ينوؤون تحت عبء الهجرة والمهجرين.”

وماذا عن الحلفاء الخليجيين؟

يحذر، “يتضعضع إستقرار السعودية مع دخول المزيد من السعوديين في الفكر المتطرف الذي يريدون إتباعه.” ويتساءل، “هل هذه هي النقطة التي تفرض على الولايات المتحدة إعادة إحتلال الشرق الأوسط؟ إذا حصل هذا عندها تقع الهزيمة.

يستنتج، ” لذا يجب مهاجمة داعش وهزيمته لكي لا نضطر لإعادة غزو الشرق الأوسط.”

تقييمه للنجاح يتم بإلحاق الهزيمة بالتنظيم. ” رسالتهم، رسالة القوة. داعش يقول للسنة نحن من يقويكم بالكلمة والسيف ويمكّنكم من الإنتصار على أعدائكم في مناطق سيطرتنا رغم هجمات الصليبيين علينا. الإنتصار.

زيليكو يلتقي مع الفريق الأول بضرورة إعادة تركيب العراق على أسلوب فيدرالي يكون للسنة إقليمهم الخاص. يقول إن الإنتصار يتحقق، “بأن يحرر السنة أراضيهم ويقرروا مصيرهم على أرضهم بأنفسهم.” والعمل السياسي أهم في نظره لتغيير الأنظمة في العراق وسوريا فضلا عن القضاء على داعش ” لأننا نرمي إلى تمكين المسلمين السنة من القتال من أجل إسترجاع أرضيهم والقتال بأنفسهم كي لا نقاتل نحن مباشرة. يقاتلون لأنهم في حاجة إلى التحرر من إستبداد الأسد في سوريا. يجب أن ننضم لهذا القتال وننهي الحرب الأهلية السورية التي تدمر المنطقة وتنقلها إلى شفير يوم القيامة. وهذه الرسالة تخاطب رغبة تركيا وتنقلها إلى صفنا وتوحد السعودية وسنة لبنان. وملايين السوريين في مخيمات الخارج التي يريدون العودة منها إلى منازلهم.”

يضيف عن التنظيمات المسلحة المقاتلة في سوريا من داعش بالقول “داعش لم ينبت من سوريا. إنهم أجانب، قادة داعش في سوريا عراقيون من ضباط مخابرات صدام حسين الذين يجندون الأزبكيين والشيشان الذين يديرون قوات الإعدام في الموصل. كثير من العراقيين المستعبدين تحت أيديهم لا يفهمون لغة الأوامر التي يتلقونها. لذلك تكون الإستراتيجية السياسية بتقرير مصير السنة بأنفسهم.”

أما الإستراتيجية العسكرية الأميركية فتكون حسب زيليكو بتقديم المشورة والدعم لكي يؤدوا المهمة. مستطردا “لكنها مهمة شاقة. عليهم أن يستعيدوا مدنا في حرب مدن لا أحد يمتلك معدات مناسبة لها سوى الولايات المتحدة. حرب تحتاج إلى عربات مدرعة لا تفجرها ألغام محلية الصنع بسهولة. وسائل تشويش تعطل أجهزة التفجيرعن بعد. قناصة يحرسون من الأسطح. أجهزة إتصال تمكن من معرفة ما يجري على بعد مبنيين، وقدرات إسعافية تجعلك مطمئنا إلى أنك ستعالج إذا أصبت بجراح، وطائرات هليكوبتر تستطيع فتح نيران كثيفة على الأهداف من أمامك.

ويسخر من نظرية الإحتواء التي “لم يؤد إلى إنهيار فيتنام أو كوريا الشمالية أو العراق من الداخل. يجب أن تقهر الإستبداد بشئ آخر.”

زاكايم: نحن من سلح داعش

المعارض لهذا الطرح من الفريق الثاني هو دوف زاكايم، المستشار في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية سخر بالقول،

نحن من سلّح داعش، فهم يستخدمون ناقلات جند ودبابات وذخائر أميركية لأن الولايات المتحدة دربت العراقيين تدريبا رائعا (متهكما). فعلنا ذلك على مدى عقد. وبلونا بلاء حسنا بتدريب الأفغان لهذا يبدعون في نشاطهم (بتهكم أيضا)”

ويسخر أيضا من الإستراتيجية المتبعة حاليا في سوريا، ” وإذا نظرنا لمن دربناهم في سوريا نجد أن برنامجا كلف ٥٠٠ مليون دولار تمخض عن بصق ٦٠ مقاتلا، آمل ألا يكونوا جميعا قد وقعوا بالأسر.”

تحدث عن عبر للتاريخ تؤكد أن هزيمة تنظيمات كهذه تحتاج إلى جيوش جرارة يحشد فيها مئات آلاف المقاتلين. وساق تجربة محمد علي باشا الذي زحف إلى الدرعية في نجد في القرن الثامن عشر وقضى على الوهابيين. وكذلك وتكرر الأمر في أواخر القرن ١٩ عندما حشد اللورد كتشنر، الذي أصبح الجنرال كتشنر، قوة هائلة لكي يهزم جيش المهدي في السودان “المشترك في كل هذا هو الحشد الكبير من القوات، وليس بضعة آلاف أو بعدد من رجال ومن أجهزة الإستطلاع.”

ولم ينس تجارب حزب الله في لبنان فقال “عندما لم يستطع الإسرائيليون هزيمة حزب الله عام ٢٠٠٦ لم يكن لديهم مشكلة في عدد رجال وأجهزة الإستطلاع. وعندما حاولنا إعادة فيتنام إلى العصر الحجري بالقصف لم يكن لدينا مشكلة في الإستخبارات. القضية ليست قضية أجهزة تجسس. القضية تتعلق بقدرتك ورغبتك في إرسال مئات آلاف القوات. وهل تعتقدون أن هذه الدولة تريد فعل ذلك؟ هل نريد إنفاق المال اللازم؟ إننا نعيش تحت شيء عجيب يدعى تقشف. التقشف قلص الإنفاق. وإذا تحدثت إلى وزير الدفاع كارتر يقول لك إن يديه مغلولتان في كل شيء. وهذا ما قاله الرئيس أيضا. لا أعتقد أن لدينا الرغبة. وإذا كانت لدينا فمن أين نجد المال لتمويل هذه القوات أو حتى لفعل ما دعا إليه فيليب زيليكو. وحتى لو لم تسقط في أيدي داعش، من أين نأتي بالمال؟ وهل لدينا القدرة على الإستمرار طويلا في هذا النوع من القتال؟

ويخلص زاكايم إلى أن الإحتواء إستراتيجية وحيدة صالحة “لا سبيل لإيقاف هؤلاء سوى بجعلهم يتآكلون من الداخل. عليك محاصرتهم وإبقائهم في مكانهم ولا نعرف بعد كيف نقوم بذلك. فنحن نحب الأكراد لكن لا نسلحهم. نريد العمل مع الأتراك. لكن للأتراك أجندة مختلفة هم يريدون قصف الأكراد الذين نحبهم.”

أكد أن البحث عن إستراتيجية عسكرية متينة متماسكة جار. لكن في ظل غيابها البديل الوحيد يتم “بمحاصرتهم وتسليح أصدقائنا وتضع تصورا لمن يريد فعلا أن يقاتل.”

وهنا يشكك في أن تكون دول المنطقة السنية تعرف ما تريد. قال، ” نعم السنة قد يقاتلون، لكنهم لم يقاتلوا حتى الآن. توسلنا إليهم منذ أعوام. السعودية تقاتل، لكن ليس في سوريا ولا في العراق. إنها تقاتل في اليمن ولا يبذلون وسعهم هناك أيضا. إذا يجب أن تضع تصورا لمن سيقف معنا وهذا يستغرق وقتا. وفي هذه الأثناء نشدد محاصرة داعش وإذا كنا نجحنا في هزيمة الإتحاد السوفياتي فإننا نستطيع هزيمة داعش.”

ردت عليه ميشيل فلورنوي بأن السنة يحتاجون إلى ضمانات بأنهم سينالون مكافأة سياسية إذا قاتلوا، “لكي يتم طرد داعش من المناطق التي يسيطر عليها لا بد من مشاركة سنية فاعلة. لكن ذلك لا يتحقق من دون تقديم ضمانات بأن تضحياتهم لن تؤول إلى إستفادة الشيعة منها. بل يريدون أن يضمنوا المشاركة في الحكم على قدم المساواة. كما يجب أن يشعروا بأن أحدا يساندهم بشكل كامل. دعم بالخبراء.”

أجابها زاكايم “كنا نعد السنة بذلك منذ وقت بعيد ولم نف بوعودنا. بدأنا ذلك عام ٢٠٠٧ (الصحوات) ثم توقفنا عن الدعم. المشكلة الأميركية في الشرق الأوسط، مثلما دعمنا الشاه في إيران بنسبة ألف في المئة، أين هو الشاه اليوم؟ والآن نحن في مواجهة مع الإسرائيليين. العرب ينظرون لما يجري ويرون أننا إنقلبنا على الشاه وعلى الإسرائيليين وعلى حسني مبارك، هل نستطيع الثقة بهم؟ الجواب ما فعلناه في ٢٠٠٧ و٢٠٠٨ كان جيدا، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟

لننظر إلى ما يجري في سوريا، من يريد السوريون محاربته أولا؟ داعش؟ أم الأسد؟ إذا أردت حشد الناس لمقاتلة داعش لن تقدر لأننا لا نتمتع بالثقة لتحشيدهم.”

فيليب زيليكو ردّ العمل في المنطقة على أسس مذهبية. أسس تقضي بضرورة دعم السنة في سوريا ” لأنهم يشكلون غالبية الشعب السوري.” وفي العراق “هم أقلية محمية. وهذا ممكن تحقيقه في الشمال والجنوب. رئيس وزراء العراق ومعه مجلس الوزراء تبنوا للمرة الأولى بضغط أميركي وطبقوا قانون توزيع السلطات للأقاليم إلى مستويات غير مسبوقة، مع دستور يعطي الأقاليم المال تبعا لحجم السكان وللميزانية العراقية. إلى جانب الدعم العسكري تصبح الإستراتيجية واقعية.”

خلال المناظرة تقلص الخلاف بين الطرفين حول أسلوب الدعم الخارجي المساند ضد داعش. وتدخلت آن ماري سلوتر بالقول “الكل يريد محاربة داعش لكنه يريد محاربة الآخرين آكثر. لكن لا نستطيع المحاربة عنهم. كل استراتيجية تبدأ بـ “نحن” محكومة بالفشل حسب توماس فريدمان. يجب أن يقاتلوا هم بأنفسهم ونحن نمنع تمدد داعش، نساعدهم لكن لا نعود للقتال لدفعهم إلى الخلف.”

فيليب زيليكو يصر على ضرورة مساندة السنة بقوة ماديا وتسليحيا وتدريبيا لتمكينهم من الإنتصار. رد زاكايم أن مليارات الدولارات أنفقت في دعم الجيش العراقي ولم تؤت نتيجة. ثم أن دعم السعوديين وإنفاق ٥٠٠ مليون دولار على التسليح والتدريب في سوريا لم يؤمن الحد الأدنى من المقاتلين في سوريا. وإذا أرادت الولايات المتحدة دعم السنة أو الأكراد فإن الحكومة العراقية لن تقبل.

نصف السعوديين مع داعش

آن ماري سلوتر خرجت عن هدوئها مشككة بصدق الدول السنّية في المنطقة لعوامل تتعلق بقناعات شعوبها، لا سيما السعوديين منهم. “بالنسبة لما يريد السنة عمله. إستمعنا في اليومين الماضيين من البروفسور خوان كول الذي أمضى معظم حياته يدرس الإسلام السني، وهو يقدر أن نصف السعوديين، يتعاطفون مع داعش. يقول إن الحكومة السعودية لن ترسل قواتها إلى محاربة داعش لأنهم من نفس القبائل، وهم قلقون من أن الجيش السعودي لن يقاتل إخوته في العشائر والقبائل.”

وردت ميشيل فلورنوي “لن نطلب من السعوديين أو الإماراتيين إرسال جيوشهم لقتال داعش في العراق أو سوريا. هناك سنة يقاتلون داعش حاليا في مناطق سيطرة داعش في سوريا والعراق وهم يريدون إستعادة مدنهم وقراهم. هؤلاء من يجب مساعدتهم.”

دوف زاكايم يعتقد أن القضاء على التطرف السني لن يتم بقتل البغدادي أو في عقد أو عدة عقود. وذكر بأن داعش لم يكن موجودا في عام ٢٠٠١. يقول “حتى لو تخلصنا من داعش لا يمكننا التخلص من ١١ أيلول. لم يكن هناك داعش في ١١ أيلول، ولا تزال القاعدة هناك. وكل وكالات المجموعات الإرهابية، بعضهم يسمي نفسه داعش والبعض الآخر لا يملكون نفس التصميم لمطاردتنا. قتل شخص واحد والإعتقاد أننا هزمناهم هذا لن ينجح.”

إذا كان داعش خطر بهذا الحجم لماذا تبدو إسرائيل غير مكترثة سأل أحد الحاضرين؟

بررت آن ماري سلوتر، “إسرائيل عدوة لداعش بقدر ما نحن نعاديه. لكنها تدرك أنها إذا تدخلت لإخراجهم من الأراضي التي يسيطرون عليها فإنها ستقويهم. لأنهم عندها سيبدون كما لو أنهم يحاربون العدو الصهيوني.”

سلوتر كان لها رأي ثان بأن إسرائيل مستفيدة من داعش، “إسرائيل ليست منزعجة ربما لأن داعش يقاتل حزب الله وحماس.”

المناظرة إنتهت بتصويت الجمهور دعما لنظرية المحافظة على إستراتيجية الإحتواء بأسلوب الحرب الباردة. وطرح زاكايم فكرة تأسيس إذاعات مثل صوت أميركا مطورة، متجاهلا وجود عدد كبير من محطات التلفزة الأوروبية والأميركية والخليجية العاملة في هذا الإطار لكن بأجندات متباينة. وغاب عن كل النقاش الدور السلبي الذي تلعبه المحطات الخليجية في دعم فكر داعش الترويج لانتصاراته. وقال زاكايم إن الحرب فيها ٦٠ حليفا يساهمون في الحرب على داعش. “وإذا كان السعوديون لا يستطيعون المشاركة في القتال. فإنهم يساعدون بالمساهمة المالية.”

خاص بمركز الدراسات الأميركية العربية – واشنطن

مراجع:

http://intelligencesquaredus.org/debates/past-debates/item/1386-containment-is-not-enough-isis-must-be-defeated

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى