تقارير ووثائق

البنتاغون يستعد لقرن من الأزمات المناخية والحروب النفطية: حافظ أحمد

 

في الوقت الذي لعبت فيه الطاقة دائمًا دورًا في الصراعات العسكرية، يعتقد الخبراء العسكريون الأميركيون أن الجغرافيا السياسية للطاقة والأراضي والمياه أصبحت أمرًا مركزيًا على نحو متزايد لمن يحكم أو يدمر، العالم .

وتكشف ورقتان بحثيتان تم نشرهما في الأشهر الأخيرة بواسطة الجيش الأمريكي أحدث أفكار المؤسسة العسكرية، ولا تضفي البحوث فقط مصداقية على التحذيرات البيئية التي تقول بأن تغير المناخ سوف يغذي عدم الاستقرار السياسي؛ بل تثبت أيضًا صحة المخاوف المتعلقة بأن أزمة نقص الموارد التي تلوح في الأفق يمكن أن تزعزع استقرار الاقتصاد العالمي.

ندرة الحكم

في يونيو قدم الجيش الأميركي تقريره لوزارة الدفاع والذي يتضمن الخطوط العريضة لاستراتيجية أمن الطاقة الجديدة. عمليات الجيش الأميركي في المستقبل، بحسب التقرير سوف تتشكل من خلال “زيادة التحضر، وتزايد عدد السكان، ومستوى البطالة عند البالغين، والطبقة الوسطى المتنامية التي تدفع للتنافس على الموارد.

التقرير تحدث ايضا عن “تغير المناخ وانتشار التكنولوجيا السريعة والتحولات في مراكز النشاط الاقتصادي” كقنوات رئيسية لتغيير:القيود المفروضة على الموارد العالمية أيضا تهدد سلامة وصول الإمدادات للجيش … ولم نعد نستطيع الوصول دون عائق إلى الطاقة، والمياه، والأراضي، والموارد الأخرى اللازمة لتدريب الجيش وانتشاره على الصعيد العالمي“.

وبالتالي يحدد التقرير خطة لكيفية اعتزام الجيش الأميركي للحفاظ على الفعالية التشغيلية، استنادا إلى تقليل موارده، وتعظيم كفاءته، فضلا عن تأمين الموارد الحيوية لسلاسل التوريد العالمية العسكرية.

الاستدامة والأمن القومي

العديد من التغييرات المقترحة رسمت على نطاق واسع في مجال البحوث العلمية الجديدة وفي مجال الاستدامة البيئية، وتدعو الخطة لدمج “اعتبارات الموارد وإدارة التكاليف” في صلب عمليات صنع القرار في جيش الولايات المتحدة، بما في ذلك “مجموع تكاليف دورة الحياة” و”تعزيز الإشراف على الموارد.

سيتم إعادة تصميم العمليات التجارية، واستراتيجيات الاستحواذ، وإدارة التقنيات، وحتى سلوك العمليات العسكرية لدمج مبادئ جديدة من “المرونة” و “الاستدامةفي حين أنه غالبا ما ينتقد قطاع الشركات والقطاع الخاص استخدام “التعبيرات الطنانة” مثل العلاقات العامة دون تطبيقها بشكل كامل، وايجاد استراتيجية للجيش الأميركي تكون جديدة مختلفة وسلسة.

ولكي يحافظ الجيش الاميركي على قدراته في المستقبل، يجب أن يكون مستعد لمواجهة عصر جديد من نقص الموارد مع واقعية بحتة: نتيجة يبررها العلماء والناشطين لحث الحكومات على تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية وتحسين قدرتنا على إدارة الوصول إلى الماء والأرض.

المستقبل الاخضر

الرؤية العامة قد تعمل بشكل جيد من خلال كتيب “السلام الأخضر”، على سبيل المثال:يمكن للجيش استخدام الطاقة بصورة أكثر كفاءة من خلال شراء المنتجات الموفرة للطاقة، وتحديث المباني وأنظمة المرافق، وشراء السيارات التي تستخدم لتوفير الطاقة، واستخدام / مصادر طاقة بديلة متجددة أكثر، ويمكننا استخدام المياه بشكل أكثر كفاءة من خلال شراء المنتجات الأقل استهلاكا للمياه، ومطابقة نوعية المياه المستخدمة، وتعزيز الفرص لإعادة استخدام المياه، وزيادة تغذية المياه”.

“سوف يقوم الجيش بالانطلاق من برامجه المستدامة، والخطط المتكاملة لإدارة الموارد الطبيعية، والخطط الرئيسة للممتلكات العقارية، من أجل تحسين متطلبات استخدام الأراضي التي تحمي الموارد الطبيعية والثقافية المنوطة برعايتنا، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للجيش أن يدعم استدامة الموارد عن طريق استخدام مواد البناء أو المنتجات التي يتم اشتقاقها أو تصنيعها داخل المنطقة”.

الدروس المأخوذة من تقنيات العصر الصناعي في إنتاج الوقود الأحفوري والنقل والبنية التحتية هي كافية تماما.بدأت العديد من التقنيات تستخدم على نطاق واسع لأغراض عسكرية ضيقة. قرار الجيش الأميركي لقيادة الانتقال السريع لأنظمة الطاقة المستدامة والأراضي والمياه يدق ناقوس الموت لأنظمة العصر الصناعي القديم.

حماية مصالح الولايات المتحدة من “التعطيل

الخطة ليست مثالية، يقوم مفهوم الجيش الاميركي “للمرونة” على قدرته على التوقع التحمل والتكيف مع “الاضطرابات الطبيعية أو تلك التي هي من صنع الإنسان” و “التعافي بسرعة” منها.

هذه الفكرة تدور حول المرونة وليس حول تحويل النظام الذي يولد الاضطرابات، وحول زيادة قدرة الجيش الأميركي على تحمل الاضطرابات:المرونة ضرورية لاستجابة الجيش، ولتثبيت قوة الموقف وقدرات الداخل والخارج لحماية مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائنا“.

“مصالح الولايات المتحدة،” مرتبطة باستغلال الموارد الجارية في أماكن أخرى، ويمكن أن تستمر بشكل كفوء في استخدام الموارد.هذا الموقف ليس مستغربا نظرا إلى أن الجيش يمكن أن يخطط فقط في إطار توجيهات وزارة الدفاع.

حروب الطاقة

ضرورة حماية “البيزنيس” تظهر في تقرير منفصل نشره معهد الجيش الأمريكي “الجيو-استراتيجي” ومعهد أبحاث الأمن القومي وذلك التقرير اظهر حقائق جديدة، فقد تحدث عن أمن الطاقة في الـ 2010وانعكاساته على الجيش الأميركي، فتوقع قرنا جديدا من الصراع على إمدادات الطاقة العالمية، وأرجع ذلك إلى التحولات الجذرية في طريقة إنتاج الطاقة واستهلاكها في المناطق الرئيسية.

وقد صدرت في وقت سابق من هذا العام، وثيقة هي عبارة عن مجموعة من الأوراق من مؤتمر اعده معهد الدراسات الاستراتيجية (SSI)-الكلية الحربية التابعة للجيش الأميركي حول أمن الطاقة، الذي حضره جونديني، المستشار السياسي السابق والمخطط الاستراتيجي لقادة الجيش الأميركي في أوروبا. حاليا الاستاذ ديني هو باحث في الدراسات الأمنية في مباحث أمن الدولة، وكان أيضا مستشارا للأمن القومي ولإدارات الطاقة والدفاع والخارجية.

ذكر التقرير أن المشهد العالمي للطاقة يشهد تحولا كبيرا نظرا لثورة الوقود الصخري في الولايات المتحدة، وبسبب انخفاض قوة منتجي النفط والغاز في الشرق الأوسط، وارتفاع طلب الصين والهند فضلا عن سوء الإدارة في روسيا وترتيباتها للطاقة المحلية.

كما أنه يحذر على وجه التحديد مصالح الولايات المتحدة للطاقة – بما في ذلك الحاجة إلى تنظيم إمدادات النفط العالمية ونظام الأسعار – وقد يؤدي ذلك إلى المزيد من التدخلات العسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وخاصة في سياق حالات الطوارئ المتكاثرة الناجمة عن تغير المناخ:“تطور المصالح القومية الأمريكية المعتمدة على الطاقة في إفريقيا أو الشرق الأوسط قد يشكل حافزا لرفع درجة تدخل الجيش الأمريكي في الأزمات السياسية أو الإنسانية في تلك المناطق. والتضييق على إمدادات الطاقة قد يغير جذريًا الطريقة التي تستخدم بها الولايات المتحدة القوة العسكرية في عمليات الطوارئ”.

التقارير التي نشرتها مباحث أمن الدولة في الجيش الأمريكي لا تمثل “بالضرورة” السياسة الرسمية للحكومة – لكنهم “قاموا بتحاليل مستقلة لإجراء دراسات حول الاستراتيجية التي وضعت فيها توصيات السياسة” وفي سياق متصل “الجيش ووزارة الدفاع، والمجتمع القومي يدعمون مشاركة الجيش في تشكيل سياسة الأمن القومي“.

الوقود الأحفوري وجد ليبقى

يتضمن تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية (SSI)-التوتر الشديد في استراتيجية أمن الطاقة المقترحة من الجيش الأميركي. وتحذر ورقة كارين سميث ستيغان، أستاذ الطاقة المتجددة والسياسة البيئية في جامعة جاكوبس في بريمر، ألمانيا، من وجود مخاطر كبيرة مع استراتيجية الطاقة التي تركز على الطاقة المتجددة، إلى حد كبير بسبب احتكار الصين على المعادن الأرضية النادرة الحرجة لألواح الطاقة الشمسية، وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية والبطاريات.

التقرير أخذ علما بجهود الجيش الأميركي والبنتاغون بزيادة المرونة والكفاءة، مع الحد من الطاقة وموارد البصمة.

ولكن هذا ضد حماية مصالح الولايات المتحدة في النظام العالمي، حيث يفترض التقرير، ان واشنطن ستظل تعتمد اعتمادا كبيرا على الوقود الأحفوري في المستقبل المنظور.

ويحذر التقرير من ازدهار الطلب في الصين والهند، وعبر العالم النامي، وقد يسبب ببقاء أسعار النفط مرتفعة، وزيادة تكلفة العمليات العسكرية التي تستخدم الوقود في البيئات النائية”.

ويشجع التقرير ليس فقط على الاستمرار، ولكن ايضا على تكثيف الاعتماد على الوقود الأحفوري في الاقتصاد العالمي.

تلبية طلب البلدان النامية الأكثر فقرا والاغنى بالوقود الأحفوري، سيؤدى إلى تفاقم التغير المناخي الذي يتسبب فيه الإنسان، وربما زيادة آثار الكوارث الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، انتاج الوقود الأحفوري في نصف الكرة الغربي سيتوسع باطراد، وستكون هناك زيادات في حركات الوقود الأحفوري العالمية“.

زيادة التعرض للإرهاب سيرافقه كوارث طبيعية ومزيد من المنافسة التقليدية للدولة مقابل الدولة الأمنية على موارد الوقود الاحفوري المحدودة خاصة في البلدان الأكثر فقرا.

التوسع العسكري شرقا

في بعض المناطق، يمكن أن يقلل تراجع إنتاج النفط من المشاركة الإقليمية للولايات المتحدة: “خفض إنتاج النفط في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى انخفاض أهميتها في مزيج استيراد الطاقة في أمريكا، قد يحد بشدة من مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وفي نفس الوقت زيادة مخاطر عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في أفريقيا بسبب انخفاض إيرادات الدولة”على نطاق أوسع، على الرغم من محورية النفط في الاقتصاد العالمي لكنه يحتاج إلى وجود الجيش الأميركي النشط.

وفي مداخلته سلط مايكل كلير، أستاذ دراسات الأمن العالمي والسلام في كلية هامبشاير، الضوء على دور أميركا الذي نصبت نفسها عليه في طرق الشحن العابرة للنفط في العالم. أكبر تدفقات النفط “تمر من مناطق الصراع الدائمة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا وشرق آسيا، وغالبا ما يسافرون من خلال “نقاط الاختناق الضيقة التي أثبتت انها مغناطيسات قوية للمتمردين والإرهابيين والقراصنة.”

وعلى الرغم من ثورة الوقود الصخري في الولايات المتحدة، هناك حاجة إلى القوات العسكرية الأميركية لمراقبة هذه المناطق الحاسمة للحفاظ على العالم آمنا للرأسمالية، وبحسب كلير “استقرار الاقتصاد العالمي يعتمد إلى درجة كبيرة، على تدفق شحنات النفط من الخليج دون انقطاع”.

يصف كلير تاريخ التوسع العسكري الأميركي بالمتنوع الذي يهدف الى حماية الوصول إلى إمدادات الطاقة العالمية. وقد أدى البحث عن مصادر جديدة للطاقة الى عمليات عسكرية اميركية للتوسع أبعد من الشرق الأوسط، إلى مناطق مثل القوقاز وبحر قزوين وغرب أفريقيا.

كما زاد الطلب على التحولات العالمية على الطاقة شرقا، وحذر التقرير من أن هناك خطر من تفاقم الاشتباك الاميركي- الصيني على تعزيز قدرات كل منهما للدفاع عن الممرات الملاحية للطاقة الحيوية، عبر المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي والغربي والمحيط الهادئ.

كما استنفدت مصادر رخيصة قديمة من النفط والغاز، وهناك تزايد في التحول إلى أشكال “الطاقة غير التقليدية” الاكثر تكلفة والتي تسمح بها التكنولوجيات الجديدة في استخراج النفط، في البيئات الصعبة مثل القطب الشمالي:

مشكلة الديمقراطيات القومية

وفي أماكن أخرى، يدعو التقرير إلى نهج أكثر تدخلا في أمريكا اللاتينية واصفا إياها بأنها “من المحتمل أن تكون غنية بموارد النفط والغاز الصخري غير التقليدية، بالإضافة إلى مصادر الطاقة المتجددة. ويمكن لهذه الموارد أن تغذي النمو المحلي”، بالإضافة إلى تعويض انخفاض موارد النفط في الشرق الأوسط.

وبحسب البروفيسور ديفيد ماريس، أخصائي الطاقة في أمريكا اللاتينية بمعهد بيكر جيمس للسياسة العامة، فإن البلاد الأكثر ملاءمة لمصالح الولايات المتحدة هي كولومبيا وبيرو، لأنهما “يشجعان على الاستكشاف والإنتاج”.

وفي المقابل، يشير ماريس إلى فنزويلا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك لكونهم “عقبات كبيرة” لاستثمارات النفط وإنتاجه، ومثل هذه الديمقراطيات يجب “تكييفها” لتتبنى مواقف سياسية مواتية لمصالح الولايات المتحدة.

“إن التحدي الأساسي لأميركا اللاتينية فيما يتعلق بالمواد الهيدروكربونية يتمثل في صياغة تحالفات سياسية داخلية مستقرة ترى الفائدة من وراء تقديم حوافز للمستثمرين الأجانب من أجل جلب رأس المال والمهارة والتكنولوجيا إلى المنطقة. وتاريخيا، لا تمتلك ديمقراطيات أمريكا اللاتينية سجلًا ممتازًا في تقديم مثل هذه الحوافز عندما يرون أنهم يمتلكون أصولًا يرغب فيها الآخرون”.

وتكمن الملاحظة في أن الولايات المتحدة ترى أن مهمتها هي مواجهة الديمقراطيات الإقليمية إذا ما أصروا على “تأميم الموارد” عن طريق مقاومة تدخل الشركات الأجنبية.

عودة إمبراطورية النفط

هذا التحول باتجاه الغرب، بحسب روبرت مانينج مسؤول سابق بوزارة الخارجية، يتم دفعه بواسطة ثورة الوقود الصخري الأميركي، ويوافق مانينج وغيره من المشاركين في التقرير على أن الوقود الصخري سوف يساهم في “عودة” الاقتصاد الأمريكي في أعوام ما بعد 2020 في حين يتم تقليل الاعتماد المباشر على مصادر الطاقة التقليدية في الأقاليم غير المستقرة.

وبالطبع، ومع اعتراف الجيش الأميركي بالحاجة الملحة إلى التحول نحو طرق أكثر مرونة واستدامة لاستخدام الطاقة، فإن الأراضي والمياه تعتبران من الأمور المشجعة على ذلك، ويبين أن المخاوف البيئية ليست مجرد أمور متعلقة بمنظمة السلام الأخضر، ولكنها ترقى إلى أعلى مستويات القوة العسكرية.

ولكن السياق الجيو سياسي لاستراتيجية الجيش الأمريكي الجديدة للطاقة يسلط الضوء على قصر نظر المخططين العسكريين الأميركيين. لأن استراتيجية الجيش تتعلق في نهاية المطاف بالحفاظ على الهيمنة العسكرية الأمريكية على الرغم من ندرة الموارد، والحفاظ على نظام الوقود الحفري بشكل أوسع، وليس تغييره.

ويبين الالتزام غير المتزعزع بحماية سير العمل على النحو المعتاد، والاستسلام للاعتماد على النفط في المستقبل، والاعتقاد ضيق الأفق بأن صحة الاقتصاد العالمي مرتبطة باستغلال الموارد غير المنتهية؛ كلها أمور تبين أن صناع السياسة الأمريكية لا يزالون يدفنون رؤوسهم في الرمال.

وإذا ما كان مسؤولو وزارة الدفاع يريدون حقًا الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي، فإنه يجب أن يوقظوا حقيقة أن النظام العالمي نفسه يجب أن يخضع لعملية تغيير جوهرية، بحيث لا يعتمد فيها الاستقرار الاقتصادي على الاستهلاك غير المحدود للوقود الأحفوري.

انفورميشين كليرينغ هاوس

ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان

.http://www.informationclearinghouse.info/article42577.htm

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى