مقالات مختارة

تحوّلات أيّار: هكذا أصلحت موسكو أخطاءها أحمد الحاج علي

موسكو | مع انسحاب القوات المسلّحة الروسية من محيط مدينتَي كييف وتشيرنيغوف في نيسان الماضي، أصابت النشوة النظام الأوكراني وحلفاءه الغربيين، الذين بالغوا في الاحتفال بذلك التطوّر، وبدأوا بالتنظير لإمكانية الاحتفال بـ«عيد النصر» على مشارف موسكو، بمزيد من الضغط الإضافي، إلّا أن وقائع الميدان في شهر أيار جاءت لتُبطل مفعول تلك النشوة، وتعيد إمالة الكفّة لصالح موسكو. تدريجياً، بدأت القوات الأوكرانية تفقد عناصر قوّتها التي سمحت لها بتسجيل بعض النقاط خلال الشطر الأوّل من الحرب، حيث أتاحت لها خبرتها التي اكتسبتها من ثماني سنوات من المواجهات في إقليم دونباس، التكيّف المرحلي في وجه خصم يتفوّق عليها تقنياً ونوعياً. كما أن ضخّ السلاح الغربي، بكمّيات هائلة، إلى كييف، أدّى، في المراحل الأولى من العملية، إلى إلحاق خسائر فادحة بالقوات الروسية، خصوصاً عندما وضعت موسكو هدفاً لها الوصول إلى العاصمة كييف بأيّ ثمن، أو في الحدّ الأدنى إطباق الحصار عليها حتى إرغام سلطاتها على الاستسلام غير المشروط. لكنّ «الخطّة أ» لم تؤتِ أُكلها، ما جعل القيادة الروسية تتّجه إلى تبنّي «الخطّة ب»، والتي بنت على ثغرات الاستراتيجية الأصلية، وتحاشت الرهان على المسار التفاوضي، قبل إنجاز تحوّل وازن في الميدان.

إثر ذلك، بدأت التكتيكات الروسية تثبت نجاعتها، سواءً في إفشال الهجوم المضادّ للقوات الأوكرانية على مقاطعة خيرسون، أو خلال العملية المستمرّة لانتزاع كامل مساحة دونباس. هذه التكتيكات كانت مدروسة، وتمّ التحضير لها بجدّية أكبر، ورُصدت من أجلها الإمكانات المطلوبة، فكانت نتائجها مُرضية، وعلى رغم أنها ليست حاسمة إلى الآن، إلّا أنها ثابتة و لا تُسجّل إخفاقات. كذلك، لا ينكر المتابعون، حتى الغربيون منهم، التفوّق التقني العسكري الروسي، مع زيادة الاعتماد على سلاح الجوّ التكتيكي العملياتي، وعلى القوّة الصاروخية الدقيقة والبعيدة المدى، والتي ألحقت خسائر فادحة بالأوكران، بلغت باعتراف الرئيس فولوديمير زيلينسكي نفسه، مئة قتيل وخمسمائة جريح يومياً، وهي خسائر لا طاقة لكييف ولا للغرب على تعويضها عملياً. في المقلب الآخر، تشهد الجبهات كافّة حالة تراجع وترهّل في قدرة الأركان الأوكرانية على الإمساك بزمام الأمور أو القيام بمبادرات قتالية وازنة قادرة على تغيير المشهد، فضلاً عن مؤشّرات تَناقض ما بين القيادة السياسية التي تطلب من القوّات المسلّحة ما يفوق طاقتها، واضعةً كلّ رهاناتها على سلّة الدعم الغربي، وما بين الجيش غير القادر على استيعاب أشكال الدعم في تشكيلاته القتالية المشتّتة، والقاصر عن الوصول إلى جميع المساعدات جرّاء استهداف قوافلها من قِبَل القوات الروسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى