مقالات مختارة

لوغانسك في قبضة روسيا: معركة دونباس تدْخل فصلها الأخير أحمد الحاج علي

موسكو | أخيراً، تمكّنت القوات الروسية والتشكيلات الموالية لها من السيطرة على كامل مساحة منطقة لوغانسك، بعد انتزاعها مدينة ليسيتشانسك، وقبْلها نقطة بيلوغوروفكا السكنية. وبدا واضحاً، في خلال الشطر الأخير من المعركة، أن القوات الأوكرانية قرّرت عدم التمسّك بهذه المحاور، مُفضّلةً سحْب تشكيلاتها القتالية كافة، ضمن مجموعات صغيرة متفرّقة سيراً على الأقدام، بعدما تركت خلفها آليات ومدرّعات ومعدّات حربية. وكان الروس وحلفاؤهم تمكّنوا، يوم الجمعة، من اختراق دفاعات الأوكران، والدخول من شمال المدينة ضمن عملية توغّل استمرّت حتى يوم السبت. وتُعتبر السيطرة على ليسيتشانسك ومحيطها خسارة كبرى للقوات الأوكرانية في الدونباس، حيث سيَصعب عليها تعويض ما فقدته من مواقع استراتيجية، على رأسها مثلث سيفيرودونيتسك – ليسيتشانسك – غورسكويه وزولوتويه. ومع هذا التطوّر، انتقل مسار تقدّم القوات الروسية إلى سيفيرسك شمالاً وسوليدار وباخموت جنوباً، حيث بدأت تلك القوات مساعيها للسيطرة على محور فيرخنيكامينسكويه، الذي يُعتبر معبراً إجبارياً للوصول إلى سيفيرسك، وبالتالي تحصين «إنجازها» في لوغانسك.

وبعدما منعت القوات الروسية، بواسطة تكتيك قتالي وُصف بـ«المتفاعل ديناميكياً»، تجمّع القوات الأوكرانية المنسحِبة من ليسيتشانسك، وبناءها خطوطاً دفاعية محصّنة من جديد، اتّخذت موطئ قدم عند الضفة الغربية للنهر الذي يمرّ عبر باخموت، تمهيداً لإحكام سيطرتها على سوليدار وسيفيرسك، ومن ثمّ التقدُّم إلى مشارف كراماتورسك وسلافينسك، وتوجيه ضربة للنسق الخلفي للتشكيلات الأوكرانية المتموضعة في أفدييفكا، لتنتهي هذه الخطّة عملياً بالسيطرة على كامل مساحة دونباس. ولا يُتوقّع أن تُخالف التكتيكات في المعركة القادمة تلك التي اتُّبعت في السيطرة على سيفيرودونيتسك – ليسيتشانسك، حيث سيجري تضييق الخناق من ثلاثة اتّجاهات، وترك ممرّ للقوات الأوكرانية للانسحاب، إضافة إلى محاولة جرّها للقتال في أرض مفتوحة، وإخراجها من تحصيناتها عبر انسحابات موضعية شكلية متعمّدة للقوات الروسية. وبالنظر إلى تلك المعطيات، فقد نصحت الأركان المسلّحة الأوكرانية، وفق تقرير مُسرَّب عنها، الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بالانسحاب من سيفيرسك، مُبرِّرة ذلك بأن القوات المنسحِبة من ليسيتشانسك متعَبة ومصابة بانهيار معنوي، فيما لا تكمن فائدة استراتيجية في المحافظة على المدينة الواقعة في أرض منخفضة ومحاصَرة من قِبَل القوات الروسية من ثلاث جهات، وبالتالي فهي ليست بأهمية باخموت الاستراتيجية ذاتها. وخلص التقرير إلى أن استراتيجية الاحتفاظ بالمناطق الجغرافية هي أمر مرهق للجيش الأوكراني، وتؤدّي إلى خسائر فادحة في المعدّات والأفراد.

أمّا بالنسبة لما حصل الأسبوع الماضي في جزيرة زمييني، فقد أدّى تزويد القوات الأوكرانية بمنظومات مدفعية بعيدة المدى إلى استحالة إبقاء الحامية الروسية فيها؛ كونها قريبة من ضواحي أوديسا، وبإمكان الأوكران استهدافها بكثافة. والمفارقة أنه بعد مرور عشرة أيام على انسحاب الروس من الجزيرة، لم تتمكّن القوات الأوكرانية من التموضع فيها، وذلك للسبب نفسه المتمثّل في كونها معرّضة للقصف الروسي على مدار الساعة، ولذا، فإن جلّ ما سيستطيعه الأوكران هو رفع علم يتيم لهم هناك، في انتظار حسم معركة أوديسا وضواحيها. وعلى رغم أن موسكو برّرت انسحابها بتسهيل عملية تصدير الحبوب، إلّا أن الواقع الميداني يشير إلى أسباب مغايرة؛ إذ إن زمييني تحتلّ موقعاً استراتيجياً بالفعل، يضمن عدم استغلال تلك العملية لتهريب الأسلحة، لكن دخول المنظومات الصاروخية الأميركية، ولا سيّما منظومات «هيرميس»، الخدمة، أثّر سلباً على قدرة القوات الروسية على التقدُّم المنتظم في بعض المحاور، وتوجيه صليات من صواريخ «إسكندر» و«كاليبر» وغيرهما من الأسلحة الصاروخية العالية الدقة.

في خضمّ ذلك، عاد التهديد المحدق بالمناطق الروسية المحاذية للحدود الغربية إلى الواجهة، مع استهداف مدينة بيلغورود شمال شرق خاركوف، وميليتوبول في محاور جنوب أوكرانيا، فضلاً عن التصعيد في اتّجاه مقاطعة كورسك الروسية. والظاهر أن القوات الأوكرانية حاولت صرْف الأنظار عن خسارتها ليسيتشانسك، بتوجيه تلك الضربات، التي ردّت عليها روسيا بإطلاق عدّة صواريخ «إسكندر» شديدة التدمير، ضدّ أهداف محدَّدة في ضواحي خاركوف، يُعتقد أنها أماكن تموضع المنظومات الصاروخية الأوكرانية من طراز «سميرتش» وغيرها. وحول إمكانية تكرار هذه الحوادث، يرى المراقبون العسكريون أن ذلك الاحتمال سيظلّ قائماً حتى تتمّ السيطرة على كامل مقاطعة خاركوف وضواحيها، خصوصاً أن القوات الأوكرانية تمتلك منظومات بإمكانها إصابة أيّ نقطة في بيلغورود وضواحيها، بل وما بعدها إن تمّ إطلاق القذائف من مناطق حدودية أكثر تقدُّماً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى