مقالات مختارة

على خُطى القرم… خيرسون تستعجل الضمّ أحمد الحاج علي

موسكو | تدرك روسيا أن معركتها في أوكرانيا طويلة الأمد. ولذا، فهي تعتمد تكتيك النفَس الطويل في معاركها الدائرة على مسرح العمليات، عن طريق إضعاف دفاعات الخصم وقدراته القتالية على طول الجبهات، مع الاحتفاظ بزمام مبادرة القضم البطيء المستقرّ، من دون استخدام أسلوب الهجمات الشاملة والواسعة، والتي يمكن أن تسفر عن خسائر كبيرة في صفوف قوّاتها. وأظهر هذا التكتيك نجاعة في الميدان، خصوصاً في الشرق والجنوب الشرقي والجنوب والجنوب الغربي. أمّا التكتيك الثاني، فيتمثّل في تولّي إدارة المناطق الداخلة حديثاً في السيطرة الروسية، وعلى رأسها إقليم خيرسون الاستراتيجي، والذي يحوز أهمّية كبيرة لعدّة أسباب منها وجود سدّ وبحيرة مائية فيه، تزوّد المنطقة الجنوبية بالمياه، بما فيها شبه جزيرة القرم (أعيد فتح أقنية البحيرة بعد سيطرة موسكو على خيرسون، إلى جانب فتح ممرّ برّي يصل جنوب غرب روسيا عبر الإقليم بشبه جزيرة القرم). كما أن السيطرة على سواحل خيرسون تعزّز قدرة البحرية الروسية على الإمساك بالمنافذ البحرية، وتوسيع شعاع أمان الأسطول العامل في البحر الأسود، وبالتالي إنجاز عملية السيطرة الكاملة على المنافذ البحرية والسواحل الجنوبية، بما يهيّئ لإسقاط مدينة أوديسا البحرية، المتبقّية لأوكرانيا كمعقل أخير محاصَر من قِبَل القوات الروسية.

ويشهد إقليم خيرسون، اليوم، عملية متواصلة لتطبيع الحياة على المستويات كافة، بما يشمل تفعيل إدارات السلطات المحلية ومرافق البنى التحتية الحيوية، في وقت بات فيه سكّان الإقليم يتسلّمون رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية بالروبل. وفي مؤشّر إلى إمكانية تطوّر هذا المسار، أعلن نائب رئيس الإدارة العسكرية والمدنية لمقاطعة خيرسون، كيريل ستريمائوسوف، أن سلطات المنطقة المحلية ستتوجّه إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بطلب ضمّ الإقليم إلى روسيا، ليَعقب ذلك إعلان المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن سكّان خيرسون وحدهم مَن يقرّرون ما إذا كانت منطقتهم ستصبح جزءاً من روسيا، مع التشديد على إنضاج المبرّر القانوني، بما يضمن «شرعية الانتقال بالكامل، كما هو الحال مع شبه جزيرة القرم». وفي ظلّ تتالي المؤشّرات إلى إمكانية تقدّم إدارة خيرسون بطلب الانضمام من دون اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي، يَبزر احتمال تَحقّق هذا السيناريو حتى قبل ضمّ «جمهوريتَي» لوغانسك ودونيتسك اللتين اعترفت روسيا باستقلالهما حديثاً.

ميدانياً، يمكن القول إن «جمهورية» لوغانسك باتت بأكملها تحت سيطرة القوات الروسية وحلفائها، فيما نظيرتها دونيتسك في طريقها إلى المسار نفسه، ما يعني أن معركة إسقاط الدونباس بات حسمها مسألة وقت لا أكثر. إلّا أن المراقبين العسكريين يدركون أن التقدّم الروسي لن يتوقّف عند حدود هذا الإقليم؛ إذ إن روسيا أعلنت مراراً أن هدف عمليتها العسكرية «حماية وضمان أمن وسلامة حدودها الغربية»، ما يعني أن كلّ ما يقع جنوب الحدود الشمالية الشرقية لأوكرانيا مع روسيا، بما فيه مدينة خاركوف وضواحيها، إضافة إلى القسم الشرقي لمقاطعة دنيبرو وإقليم زباروجيا مروراً بخيرسون ونيكولايف وصولاً حتى أوديسا التي تُعتبر بدورها الممرّ الطبيعي لفتح طريق الحياة أمام الحامية الروسية في إقليم ترانسنيستريا في مولدوفا، مناطق ضرورية لتحقيق ذلك الهدف.

وتتزايد، يوماً بعد يوم، المؤشّرات إلى اقتراب الهجوم الروسي على أوديسا، ومن بينها قيام سلاح الجوّ الروسي والقوات الصاروخية بتوجيه ضربات، للمرّة الرابعة على التوالي، إلى جسر زاتوكا الواصل بين منطقة خيرسون وضواحي أوديسا، ما أدّى إلى تعطيل حركة المرور عبر الجسر، إضافة إلى استهداف مقرّات القوات الأوكرانية في أوديسا بشكل مستمرّ ومركّز. ويُضاف إلى ذلك، تعزيز التموضع الروسي في جزيرة الأفاعي ومحيطها، بهدف تعزيز قدرات البحرية الروسية وتمكينها من القيام بعمليات إنزال فاعلة ومؤثّرة في محيط أوديسا، تمهيداً لبدء الهجوم على المدينة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى