مقالات مختارة

خلافات واشنطن وأنقرة: لا حلول سحرية في جعبة بايدن: محمد نور الدين

تبدو العلاقات التركية ــــ الأميركية مرشّحة نحو مزيد من التصعيد، في ظلّ إدارة جو بايدن المقرون اسمها بمحاولة إطاحة رجب طيب إردوغان، صيف عام 2016. لكن أنقرة، التي تنظر بعين القلق إلى ساكن البيت الأبيض، تسعى، من جهتها، إلى إحداث خرقٍ يُرمِّم الصدع ويفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع واشنطن، وهي لا تسهو، في الوقت ذاته، عن واقع تكدُّس الملفات الخلافية بين الجانبين، والاتجاه الانحداري الذي تسلكه علاقاتها مع الغرب منذ سنوات عدّة

 

انتظر العالم وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. وإن كان الكلّ يأمل في أن يُحدِث الرئيس الأميركي الجديد تغييراً في سياسات سلفه دونالد ترامب، إلّا أن تركيا تنظر بعين القلق إلى فوز الخلَف الديموقراطي، لاقتران اسم الإدارة التي شغل فيها منصب نائب الرئيس باراك أوباما، بمحاولة خلع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في محاولة الانقلاب الفاشلة (15 تموز/ يوليو 2016). مع ذلك، فإن العلاقات بين الدول لا تُرسم في إطار العلاقات الشخصية بين زعمائها. وما كان من روابط شخصية بين ترامب وإردوغان لا يُغيّر من حقيقة أن بين البلدين ملفاً متعدّد العناوين وشائكاً، بدأ يتراكم منذ دعم واشنطن لـ«قوات حماية الشعب» الكردية في سوريا، ومن ثمّ محاولة الانقلاب ودور الداعية فتح الله غولن فيها، وأخيراً صفقة صواريخ «إس – 400» مع روسيا. أمّا مسألة الديموقراطية وحقوق الإنسان والحرّيات التي يتغنّى بها الحزب الديموقراطي، فلم تكن يوماً عقبة أمام تحسُّن العلاقات بين واشنطن ومعظم استبداديّي العالم. وقد ارتفع منسوب الحرج الأميركي في هذه المسألة بعد الهزّة العنيفة التي تعرّضت لها الديموقراطية الأميركية إثر اقتحام مبنى الـ«كابيتول»، ومحاولة منع إصدار نتائج الانتخابات الرئاسية.

نظرة واشنطن

أصدر «مركز التقدُّم الأميركي» في واشنطن، وهو واحد من مؤسّسات الفكر المؤثّرة في صناعة القرار في الولايات المتحدة، عشية تسلُّم بايدن الرئاسة، تقريراً حول نقاط الخلاف والتقارب بين أنقرة وواشنطن في عام 2021. التقرير الذي حمل توقيع ماكس هوفمان، يلَحَظَ بدايةً أن علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، تسير، منذ ثماني سنوات، في اتجاه انحداري، لكنه يلفت إلى أنها لا يمكن أن تستمرّ في الإطار الذي شهدته في عهد ترامب، والأرجح أن«تفيض» في العام الجاري، وصولاً إلى حافة الانقطاع. وستؤثّر قضية «بنك خلق» على الاقتصاد التركي المتهالك أصلاً، فيما سيهدّد وضعُ صواريخ «إس-400» قيد التشغيل، وتعزيزُ أنقرة علاقاتها مع موسكو ردّاً على العقوبات الأميركية، العلاقاتِ الاستراتيجية لتركيا مع أميركا.

ويوزّع التقرير نقاط الخلاف مع تركيا على ثلاث مجموعات:

1- أولوية حقوق الإنسان والديموقراطية وسيادة القانون.

2- السياسة الدفاعية والتناغم الاستراتيجي.

3- النزاعات الإقليمية.

في العنوان الأوّل، يبدو سجلّ تركيا قاتماً. فإردوغان يلقي بالمعارضين في السجن، ويقيل رؤساء البلديات المنتخَبين ويعيِّن آخرين مكانهم، ويجبر لجنة الانتخابات على إعادة انتخابات بلدية اسطنبول، ويقمع الصحافة. وهذه نقاط، بحسب التقرير، ستشكّل بسهولة سبباً لتفاقم الخلافات بين البلدين، لكنها لن تكون السبب في انقطاع العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا التي يصفها بـ«الديموقراطية المتراجعة».

على تركيا أن تحسم أمرها بين أن تكون حليفاً كاملاً للغرب، أو أن تُواصِل لعبة الرقص على الحبلَين

في مسألة صواريخ «إس-400»، يتوقّع التقرير أن تستمرّ القضية هذه في كونها عاملاً مؤثّراً ومفاقماً للتوتّر بين الطرفين، لا سيّما أن بايدن سيمارس ضغوطاً من أجل أن تحسم تركيا أمرها بين أن تكون حليفاً كاملاً للغرب، أو أن تُواصِل لعبة الرقص على الحبلَين مع روسيا. وإلى ذلك الحين، ستبقى العلاقات التركية – الأميركية معلّقة، في ظلّ العمل على حماية الروابط المؤسسّاتية. ويلفت التقرير إلى أنه على رغم فرض عقوبات كبيرة على تركيا بإخراجها من مشروع إنتاج طائرات «إف-35»، إلّا أن إردوغان لم يبدّل موقفه. كما يحذّر أنقرة من المبادرة إلى شراء حزمة ثانية من الصواريخ الروسية، لأن من شأن ذلك أن يؤدّي إلى وقفٍ كامل للتعاون العسكري معها، وتطبيق عقوبات أقصى، في إطار قانون «كاتسا»، ضدّها.

وفي العلاقات الإقليمية، يعتبر أن الوضع في شمال غربي سوريا وشمال شرقها سيكون عاملاً في تحديد الشكل الذي ستكون عليه العلاقات التركية مع الولايات المتحدة ومع روسيا.

نظرة أنقرة

على المقلب الآخر، يرسم برهان الدين دوران، المقرّب من الرئيس التركي والمشرف على التقرير الاستراتيجي السنوي الذي تصدره مؤسسة «سيتا»، مشهداً لما يمكن أن تكون عليه العلاقات التركية – الأميركية، في مقالتَين متتاليتَين في صحيفة «صباح»، يومَي الجمعة والسبت الماضيين. في هذا السياق، يشير الكاتب إلى كلام وزير الخارجية الأميركي الجديد، أنتوني بلينكين، أمام الكونغرس، والذي قال فيه إن شراء تركيا صواريخ «إس-400» من روسيا أمر غير مقبول، وربّما يؤدّي إلى زيادة العقوبات ضدّها. وبحسب دوران، فإن العالم تَعِب من الحسابات الصغيرة لأميركا على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع دول أخرى، ويعطي مثالاً على ذلك: حمايتها لفتح الله غولن، ودعمها «قوات حماية الشعب» الكردية في سوريا، وهو ما أدّى إلى إفراغ التحالف التركي – الأميركي من مضمونه. كما يحذّر من احتمال أن يحاول بايدن، بذريعة التخلُّص من إرث ترامب الفوضوي، تولّي دور الزعيم الأوحد والعدواني في العالم، الأمر الذي سيعرّض العالم إلى هزّات جديدة.

بالنسبة إلى تركيا، يقول دوران إن الأخيرة أعربت بوضوح عن رغبتها في فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة، مع إشاراته إلى أن قضايا «إس-400» والأكراد و«بنك خلق» والإبادة الأرمينية تمثّل العناوين الرئيسة للخلاف، بحسب ما يستنبط من التصريحات الأميركية الجديدة. ويرى الكاتب أنه سيكون من الخطأ، تحت ذريعة تحالف الديموقراطيات، استبعاد تركيا، فيما يدعو البلدين إلى تحديد مجالات التعاون الجديدة والركون إلى «دبلوماسية صابرة وصارمة»، معدّداً الخطوات الجديدة لأنقرة في أكثر من مجال: التفاوض مع اليونان، وإحياء محادثات قبرص، وتنظيم مؤتمر لشرق المتوسط، وتجديد اتفاقيات الهجرة، وتحديث الاتحاد الجمركي، وحرية التنقّل مع الاتحاد الأوروبي.

ويحذّر دوران من سياسة التنسيق بين أوروبا وأميركا لإحراج تركيا، والزعم بأن الأخيرة لا يمكن أن تتبع سياسة توازن بين واشنطن وموسكو، في وقت يمكن لها، كما بدا في السنوات الأربع الأخيرة، أن تؤدّي دوراً كبيراً في مسألة التوازنات العالمية. ويتوقّف الكاتب عند طبيعة أيّ تعاون أميركي – أوروبي باعتباره سيكون مؤثراً على السياسات العالمية، ومنها تلك الخاصة بكلٍّ من موسكو وأنقرة. هنا، يرى أن علاقات جديدة وجيّدة بين تركيا والاتحاد الأوروبي ستقوّي يدَ بروكسل، كما أنقرة، تجاه واشنطن. ويضيف أن أيّ تحالف بين أميركا والتكتّل سينعكس سلباً على الدول الأوروبية قبل غيرها، بدءاً من مسألتَي الأمن ومكافحة الارهاب، وصولاً إلى قضايا مثل الهجرة والتجارة. كذلك، فإن حملة الولايات المتحدة لتطويق روسيا عبر «حلف شمال الأطلسي» تمثّل مسألة حساسة بالنسبة إلى تركيا. في هذا الإطار، يقول إن محرّكات بايدن قد تنطلق بقوّة كبيرة، لكن لا ضرورة لأن تكون سلبية. ويرى في فريق الإدارة الجديدة إشارة سلبية تجاه تركيا، يُحتمل أن تُدخل العلاقات الثنائية في مآزق جديدة. ويسدي دوران نصيحة لإدارة بايدن، بدعوتها إلى العمل على ترميم العلاقات التركية – الأميركية، وفي الوقت نفسه، أن تكون أنقرة مستعدّة لكل الاحتمالات.

ويكتب سادات أرغين، من جهته، في صحيفة «حرييت»، أن وزير الخارجية الأميركي الجديد يحمل هدفاً مركزياً، وهو تطويق روسيا. لذلك، يعترض بايدن بشدّة على صفقة «إس-400»، بزعم أن أنقرة لا تتعامل مع واشنطن وفق ما يقتضيه التحالف الاستراتيجي. ويختم أرغين مقالته بالقول إن إشارة الرئيس الأميركي إلى أن بلاده ستكون «شريكاً موثوقاً» لحلفائها تُختبر بمدى استمرار الولايات المتحدة في دعم «قوات الحماية» الكردية في سوريا من عدمه، وهو ما ستحسمه الأيام والأسابيع المقبلة.

(الاخبار)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى