الصحافة الأمريكية

من الصحف الاميركية

قد تكون أفضل طريقة لمنع محمد بن سلمان من إغلاق الستار على مقتل جمال خاشقجي وإسكاته للعديد من المدافعين السعوديين عن حقوق الإنسان هو في تذكير بايدن بوعده بالمحاسبة.

كتبت صحافية في صحيفة واشنطن بوست مقالة في الصحيفة قالت فيها إن النظام في المملكة العربية السعودية يعتقد أن الناس يجب أن يكونوا أصماء وأغبياء وعميان عندما يتعلق الأمر بقتل الصحافي وكاتب العمود في “واشنطن بوست” جمال خاشقجي.

فأولاً، سارعت السعودية إلى إنكار الفوضى الوحشية التي أحدثها العملاء السعوديون بعد ظهر يوم 2 تشرين الأول / أكتوبر 2018 في اسطنبول، ثم قامت بالتستر عليها، مدركة ما حدث بالفعل فقط بعد أن رد العالم بالغضب والضغط.

هذا الأسبوع طرح السعوديون الفصل الختامي في عرضهم المهرج للعدالة، حيث أصدروا “الأحكام النهائية” في قضية مقتل جمال خاشقجي. حُكم على ثمانية متهمين لم يتم الكشف عن أسمائهم بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاماً. في وقت سابق من هذا العام، أصدر أبناء جمال عفواً عن الرجال المجهولين، ومنعوا عنهم مواجهة عقوبة الإعدام.

وأضافت الكاتبة إنه لم يكن من الممكن تحقيق القليل من مسابقة الإفلات من العقاب التي استمرت عامين لولا دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية ومباركتها. ففي الأسبوع الماضي فقط، زار جاريد كوشنر الرياض للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الرجل الذي تعتقد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنه مسؤول عن جريمة القتل البشعة.

كانت تكتيكات محمد بن سلمان لتجاوز مقتل جمال متوقعة بقدر ما هي غير مفاجئة. لكن ما كان أكثر ضرراً وصدمة – حتى هذا العام ومع هذه الإدارة – هو أن الولايات المتحدة فقدت قدراً لا يُصدق من السلطة الأخلاقية على المسرح العالمي عندما يتعلق الأمر باحترام حياة الصحافيين وحريتهم.

كشف تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز شارك فيه جملة من مراسليها، عن شبكة الفساد التي أدت إلى انفجار مرفأ بيروت في الشهر الماضي، فـ 15 طنا من الألعاب النارية وأباريق من الكاز والأحماض وأطنان من نترات الأمونيوم تم تخزينها وسط نظام من الفساد والرشى.

وجاء فيه أن الضابط الأمني الجديد للمرفأ وجد بالمصادفة بابا مكسورا وثغرة في مستودع، وعندما نظر من خلاله اكتشف أمرا مروعا، آلاف من أطنان نترات الأمونيوم تسربت من أكياسها، وفي نفس المستودع أو العنبر هناك أباريق من الكاز وكلها مواد كافية لتصنيع قنبلة تدمر المدينة، ويعيش في محيط المستودع حوالي 100.000 شخص بدون توفر أنظمة سلامة فيها، وقام الكابتن جوزيف نداف من جهاز أمن الدولة بإخبار المسؤولين عنه وحذرهم من المخاطر والتهديد الأمني. وما لم يعرفه الكابتن أن الكثير من المسؤولين الأمنيين كانوا يعرفون بالأمر.

وثائق لم يكشف عنها في السابق تشير إلى الكيفية التي حاولت فيها مؤسسات الدولة حرف المسؤولية عن نفسها ورميها على المؤسسات الأخرى ولم تعمل على نزع فتيل الوضع.

وفي التحقيق الذي أجراه مراسلو الصحيفة في المرفأ ومع مسؤولي الأمن والجمارك ووكلاء الشحن البحري والعاملين في مجال الملاحة البحرية كشف عن نظام فاسد وعاجز فشل في الرد على التهديد في وقت واصل فيه إثراء النخبة السياسية عبر الرشوة والتهريب. وتشير وثائق لم يكشف عنها في السابق إلى الكيفية التي حاولت فيها مؤسسات الدولة حرف المسؤولية عن نفسها ورميها على المؤسسات الأخرى ولم تعمل على نزع فتيل الوضع.

وحصلت الصحيفة على صور من داخل العنبر تكشف عن الطريقة العشوائية والكارثية في النهاية للتعامل مع المواد المتفجرة. ويظهر تحليل لشريط فيديو الكيفية التي تعاونت فيها مواد قابلة للاشتعال على إنتاج أكبر انفجار في تاريخ لبنان. فمنذ وصول 2.750 طنا من نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت قبل 6 أعوام صار مصيرها موزعا بين مؤسسات الحكومة وسلطات الجمارك و3 وزارات وقائد الجيش اللبناني إلى جانب قاضيين كبيرين، وقبل أسبوع من الانفجار وصل الملف إلى رئيس الوزراء والرئيس.

وفي هذه الشبكة من المسؤولين والعارفين بالمواد المخزنة لم يتحرك ولا طرف لتأمين المواد الكيماوية والتي كانت ضعف ألف مرة من المواد التي استخدمت لتفجير مبنى الحكومة الفيدرالية في مدينة أوكلاهوما عام 1995. وكانت الكارثة التي تنتظر الحدوث نتاجا للإهمال وسياسة البيروقراطية في حرف المسؤولية وعجز حكومي، وتخل عن السلامة العامة من أجل مواصلة الرشوة والتكسب غير المشروع. ولم يكن النظام أوضح منه في الميناء الذي كان بمثابة الجائزة التي وزعت على إقطاعيات متداخلة تعود للأحزاب اللبنانية. وتعاملت معه كمصدر للربح الشخصي والعقود وتوفير الوظائف للموالين ومكان لتبييض البضائع غير المشروعة. وظهرت مخاطر النظام عندما انبعث دخان رمادي من عنبر 12. وتبعه ضوء لامع ناجم عن وصول النار إلى الألعاب النارية. ويقول الخبراء إن نترات الأمونيوم لا تشتعل بنفسها دونما محفز. ولكن اشتعال الألعاب النارية كان محفزا على انفجار نترات الأمونيوم الذي أدى تفجيرها إلى هز البنايات البعيدة عن المستودع أميالا وانهارت معه البنايات التاريخية وحول ناطحات السحاب إلى إطارات فارغة و تناثرت في الشوارع الشظايا وقتل أكثر من 190 شخصا وجرح 6.000 آخرون. ويحتاج إصلاح الضرر مليارات الدولارات. وقبل الانفجار كان عجز الحكومة قد وضع لبنان على حافة الانهيار ببنية تحتية متدنية وتظاهرات معادية للحكومة لم تتوقف منذ تشرين الأول/أكتوبر. لكن التفجير غطى على كل هذه المشاكل وأثار القلق حول عدم كفاءة النظام وبطريقة مخيفة وحية. وكان المرفأ رمزا لكل العلل التي يقول المتظاهرون إن الحكومة تعاني منها ولفساد استشرى في كل ملمح من ملامح عملها.

ووجدت الصحيفة أن العمليات اليومية لنقل البضائع من المرفأ تحتاج في كل مرحلة إلى رشى لمفتش الجمارك الذي يسمح للمستوردين تجنب دفع الضريبة وإلى الأمن أو الجيش حتى لا يقوم بتفتيش الشحنة، ومن ثم إلى المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية للتسامح مع مزاعم زائفة، مثل منح طفل عمره 3 أشهر إعفاء ضريبيا بسبب الإعاقة لاستيراد سيارة فاخرة.

وتعزز الفساد من خلال العجز الوظيفي. فالكاشف الضوئي للمرفأ لا يعمل منذ سنين ما ساعد النظام المثقل بالرشوة على تجنب التفتيش اليدوي للشحنات.

وبعد ساعات من الانفجار اجتمع الرئيس ورئيس الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية في القصر الرئاسي لتقييم ما حدث، ولكن اللقاء تحول سريعا إلى تبادل اتهامات، حسب شخص حضر اللقاء. وهناك الكثير من اللوم على الجميع، خاصة أن أيا من الأحزاب والأجهزة الأمنية التي لها مصلحة في المرفأ لم تقم باتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايته، وقال القاضي غسان عويدات، النائب العام التمييزي: “هناك فشل في الإدارة منذ ولادة لبنان حتى اليوم” و”فشلنا في إدارة البلاد والوطن”.

وصفت خطيبة الصحافي القتيل جمال خاشقجي إغلاق السعودية ملف القضية وسجن خمسة متهمين بالتورط في مقتله لعشرين عاما بدلا من الإعدام بالمهزلة.

النائب العام السعودي أعلن إلغاء الأحكام الصادرة بحق الخمسة بدون أن يكشف عن هويتهم ولا عن دورهم في الجريمة. وكانت خديجة جنكيز تخطط للزواج من خاشقجي قبل مقتله في قنصلية السعودية بإسطنبول في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2018. وفي بيان نشرته جنكيز قالت إن القرارات “سخرية من العدالة”. وعلقت صحيفة وول ستريت جورنال على إعلان النائب في القضية التي غرست إسفينا بين المملكة والغرب بقولها إن الذين تمت إدانتهم توقعوا تجنب الإعدام بعدما أعلن نجل جمال الأكبر، صلاح خاشقجي، في أيار/مايو عن عفو العائلة عنهم.

لكن قرار النائب العام لن يخفت الأصوات المطالبة بتحقيق العدالة، بمن فيهم أعضاء مؤثرون في الكونغرس الذين طالبوا بإعادة النظر في التحالف القديم بين الولايات المتحدة والسعودية. وأشارت الصحيفة إلى أن ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي يدير الشؤون اليومية للبلاد، كافح من أجل تصحيح صورته قبل قمة العشرين التي ستستضيفها السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ولم يزر الولايات المتحدة منذ مقتل خاشقجي الذي جاء بعد أشهر من رحلة استمرت أسبوعين طاف فيها على الولايات الأمريكية واجتمع مع مدراء الشركات الأمريكية العملاقة من أجل دفعهم للاستثمار في رؤيته 2030. ودافع الرئيس دونالد ترامب عن ولي العهد الذي قالت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) إنه مسؤول بدرجة متوسطة وعالية من الثقة عن مقتل الصحافي الذي كتب مقالات نقدية لولي العهد في واشنطن بوست.

وأكدت المقررة الخاصة في الأمم المتحدة في قضايا القتل خارج القانون، أغنيس كالامار، أن قرار مقتل خاشقجي جاء بأوامر من القيادة. ووصفت القرار الأخير للنائب العام بأنه يفتقد للشرعية القانونية والأخلاقية. وقالت إن القرارات الجديدة “جاءت في نهاية عملية لم تكن منصفة أو شفافة” و”يجب ألا يسمح لهذه الأحكام بتبييض ما حدث”.

وجاء مقتل خاشقجي الناقد الذي فر من السعودية وعاش في منفى اختياري بالولايات المتحدة وسط حملة قمع واسعة ضد نقاد ولي العهد. وشملت الاعتقالات مثقفين وناشطين ودعاة، وتزامنت الحملة مع خطط تخفيف التشدد في داخل المجتمع المحافظ مع أن وريث العرش لم يظهر تسامحا مع نقاده من المواطنين السعوديين والمسؤولين السابقين، ودخل خاشقجي القنصلية السعودية في إسطنبول للحصول على أوراق تتعلق بزواجه من جنكيز ولم يخرج، وكشفت السلطات التركية لاحقا عن قتله وتقطيع جثته التي لم يعثر عليها أبدا.

وفي تغريدة عقب القرار السعودي قالت جنكيز: “يعرف الجميع أن القتلة الحقيقيين ليسوا الثمانية الذين أدينوا وسجنوا ولكن من خططوا وقرروا وأصدروا الأوامر لاغتياله بطريقة شنيعة”. وأدى القتل لحملة شجب دولية للسعودية وملفها في مجال حقوق الإنسان وأبطأ عمليات الاستثمار الخارجي. ويرى أنصار ولي العهد أن الوقت قد حان لطي الصفحة التي تعتبر الأكثر جدلا في تاريخ حكم العائلة السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى