مقالات مختارة

مرفأ بيروت بين اليوتيوبيا… والدستوبيا… ما وراء الأكمة فاطمة مزيحم

 

تولد المأساة فينتج عنها فكر يستوعب الحوادث, ويساهم في توحيد الصفوف لمواجهة التحديات التي يفرضها هذا الحدث.

 

ولمأساتنا اليوم مظهران:أولا طرق تفكير مرجعية النخب على اختلاف مواقعها بما تمتلكه من كفاءة وخبرة واختصاص . وثانيا منهجية التعاطي للمعطيات السائدة والبائدة, وطرق معالجتها وتوظيف تلك المعطيات في الداخل والخارج ,وكنموذج للأطلاع على نخبتنا سأتعرض لشهادتين: أحدهما الوزير السابق جوزيف الهاشم الذي عنون مقاله “تابوت العهد” عن صحيفة الجمهورية بتاريخ 14-8-2020 وشاهد اخر لجيل اليوم كتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي“فايس بوك” متاهة سوف يسجلها التاريخ على انها أعظم متاهة حصلت بتاريخ الشعوب.

وخلاصة ما طرحه الهاشم من حيث المنطلق “تابوت العهد” “الثورات والأنجيل” وغاب عنهما “القران” . ومن حيث المأساة القطعان يدفعون الأثمان ,وركز على بيروت فقط دون الدمار في العواصم الأخرى ولم يخرج المقال عن تساولين: ماذا بعد؟ وبأي تابوت؟ ولم يلتفت الي حذر المأساة في العصر الحديث من غزو واحتلال وانتداب ,فجاءت مثاليته لتخاطب الشمس والقمر ,وعلى اعتبار ان القاتل مجهولا.

وحينما أراد ان يورخ لتاريخ المأساة, قفز الي تاريخ القرون الوسطى في أوروبا, لذا كانت مرجعيته في التفكير“روسو” وخلع الملوك “لوستال والامن العام” الثورة الفرنسية /سجن باستيل/ قصور الأمراء/ لكن المقصلة بيت الشعب مع ان الحادثة تستلزم الوحدة كما تقدم.

ومن هول الصدمة التأريخية قارب الانفجار بالزلزال الجيولوجي في طبقات الأرض ,ليستدرك بعدها ززلزال مماثل يتمثل في الطبقات الاجتماعية والسياسية القائمة والمستعلية على بناء الدولة ,لكن لم يوضح.

وبالطبع تكمن في المحاصصة والتسويات, وللمفكر المحقق ان يستشهد بأسطورة “سيزيف” في إعادة انتاج هراء الانتداب الخارجي ,وهراء رواسب التأريخ المأزوم داخليا لا مجال فيه لعبرة ذاتية متأملة لعبر المصائر التاريخية والتي منها سرطان السلطات المنقسمة على ذاتها, والفاسدة في فكرها, والمستعلية كما قال على بناء الدولة وقيمها وشعوبها.

فماذا ستكون النتيجة؟ طبعا هجرة العقول أولا, ثم هجرة الشعوب ثانيا, أي ان من سمات الفكر العربي الحديث الاتجاه دوما نحو الخارج, وحينما تفكر الشعوب المستضعفة في الداخل بطريقة  عاطفية انفعالية رعناء, تحدث ثورات اسميناها زورا وبهتانا “ثورة!؟ ثورات لا دماغ لها,لا قيادة ترسم لها الطريق, لا مرجعية سواء كانت مذهبية او أيديولوجية أي انها موزعة لوحدة الشعب.

لا خطط استراتيجية, او تكتيكية, او إجرائية وبالتالي لا برامج يومية غير مراسم الاستقبال والضيافة ورفع العلم والنشيد الوطني, ويدعون أخيرا بأن طائر الفينيق لا يموت بل ينتفض من تحت ركام الانفجار.

 فماذا نصنع نحن اذا؟ يكفي للمراقب ان يرى أمورا أخرى وراء الأكمة الروح الحية/مواردنا الطبيعية/ والأهم من ذلك مواردنا البشرية موضع الاستحقاق لا لتكريس الفئويات والمذهبيات والايديولوجيات والزعامات.

بينما الشاهد الثاني فهو يمثل تطلعات الجيل الراهن تجاه القوى السياسية التي تقوده نحو المتاهة, ولم يبصر ما وراء الأكمة ,نظرا لعملية الصرف المتعمد او الألهاء التي قام بها الغرب عن طريق الغزو الثقافي والتبشير والاستشراق ,والذي اوجد في وطننا تيار التغريب كما انصرف عن قضية النهضة, الى الانشغال بمشكلات وهمية وكذلك تيار الدفاع الإسلامي الذي انصرف هو أيضا ,عن المشكلات الأساسية للمجتمع فدخل معه في متاهة لم يعد يعرف كيف يخرج منها.

والذين يعرفوننا يعلمون ذلك ويشرفون على متاهتنا بكل عناية ,ويعدلونها حسبما تقتضيه تجاربهم  ثم نتحدث بعد ذلك عن انفسنا كما لو كنا أحرارا .

فكيف يفكر هولاء العبيد دونما الأخذ بعين الأعتبار دور المفكرين الأحرار؟

ولا يمكن لأي باحث ان يغفل عن معطيات حركة التاريخ او الجغرافيا ,او الحوادث التي تتم بفعل صناعة الأنسان وصناعة الدول ,والمعتبر من هذه العوامل لا بد ان يأخذ بعين الأعتبار أولا القوى الدولية وصراعاتها في التاريخ تأثيرات هذه الدول على المساحات الدولية ,او بما يعرف بالمجال الحيوي لأي دولة فمثلا: المجال الحيوي لروسيا السوفيات من عهد القياصرة من(كاثرين الى بوتين) فمجالها الحيوي يمتد من موسكو الي شواطئ المتوسط وسوريا على المستوى الرسمي, اما على المستوى غير الرسمي فقوات”فاغنر” تقوم بنفس المهمة في كل من (سوريا ليبيا مصر السودان) أولا لغرض القضاء على الجماعات الأرهابية والنفط “ضريبة مضافة” والمجال الحيوي للصين “طريق الحرير” الذي يبدأ من بكين مرورا بمنطقة الخليج العربي, حتى يستقر في اسبانيا والبرتغال.

اما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية فاستخدمت أسلوبا جديدا في إدارة العالم من الخمسينات, وهو سياسة ملء الفراغ ,بينما في المرحلة الراهنة اتبعت أسلوب الفوضى الخلاقة واثارة الحروب بل والتفرد في قيادة العالم عن طريق تحريك اساطيلها في المنطقة “سانتكوم افريقا” “ليمونير” وما لتحركات البوارج الحربية الأميركية والبريطانية والفرنسية في مرفأبيروت الا لأستكمال هذه الهيمنة فكان ماكرون الأسرع في المجيء لحماية الدولة الفرنكوفونية.

 

التأثيرات الأقليمية:

وعلى الباحث ان يدقق في القوة الأقليمية وأثرها على المرحلة المصيرية “انفجار مرفأ بيروت” فتركيا بعد ان تدخلت في سوريا والعراق وليبيا جاء الدور على دولتنا والأهداف سواء كان التدخل التركي مشروعا او غير مشروع, فهي الدولة العاشرة في الأقتصاد العالمي ,ومتقدمة في العمران /انشاء المطارات /المرافئ والصناعات الحربية. بينما يقتصر التأثير الإيراني على مكافحة الأرهاب وحماية النظام السوري وتحالفاتها العسكرية لقوى المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان.

 

التأثيرات القومية:

تأرجح لبنان بين قوى قومية بزعامة الناصرية والاشتراكية ,والبعثيين واليساريين والقوميين العرب ,ألا ان هذه القوى اصطدمت بعدوان 1967 وتوجت بحرب أهلية عام 1975 في لبنان ,أدت الى اخراج الحركات الفلسطينية, ولم يقتصر الأمر الى هذا الحد, بل استتبعه العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982 .

ومع صعود رأس المال الخليجي او ما يسمى “بالبترو-دولار” والمرحلة الحريرية لثني لبنان الى التوجه نحو الأنماء والأعمار, وكان الهدف من تلك المرحلة قسر لبنان بالأنكفاء نحو الداخل ,وقد رافق تلك المرحلة في لبنان والمنطقة العربية عموما بروز حركات الإسلام السياسي خاصة في لبنان ,لمقاومة عدو تفرغ للجبهة الشمالية بعد ان حقق انتصارات على دول “الطوق” وتكبيلهم باتفاقية كامب ديفيد1 واستتباعا كامب ديفيد 2“موتمر الرباط بالمغرب” كامب ديفيد3 تطويع باقي الدول العربية في سياسة التطبيع.

وهنا لا بد من استدعاء تدمير الضاحية في عدوان تموز 2006 واستدعاء انفجار مرفأ بيروت 2020 وللاطاحة بالأنجازات العمرانية الحريرية, فضلا عن اعتقال الحريري الأبن ,وتجريد الدعم السعودي المالي فكانت هذه بمثابة قطع شعرة معاوية ما بين المرحلة القومية ورأس مال الخليجي, حيث اصبح لبنان وحيدا في الساحة العربية, مما جعله عرضة للتدخلات الخارجية ممثلة في مأساة انفجار المرفأ.

والمضحك في المأساة ان الشعوب دائما تدفع الأثمان, اما الطبقة السياسية فغالبا ما تهرب الى الخارج بأموال شعوبها المنهوبة .

وما بين هذا وذاك يطفو على السطح منظومات قيم منهارة وهدر بفعل الفساد واعلام يقوم بتغييب الشعب ولا يدرون ماذا تصنع بهم الفوضى الخلاقة والعولمة المتوحشة في عصر الادماج الاقتصادي, وما على الشعب في كل محنة الا التطوع العفوي الموزع دون إدارة للازمة وماذا ينتظر اذا من تلك التوجهات الا الي اللجوء للخارج وتدويل مقتل الرئيس الحريري وتفجير المرفأ وتدخل القوى الدولية.

 

هل لبنان دولة:

اذا اين هي الدولة بالمعنى السياسي ؟ للإجابة عن ذلك السوال تقتضي لفت الانتباه الى المؤشرات التالية فهي من جهة دولة “مصطنعة” سايكس بيكو 1916 ومن حيث مراحل تأسيسها ,انتداب فرنسي أفضى عن اعلان الجمهورية؟ 1926 في ظل حكام ومفوضون ساميون فرنسيون “ترايو” “ابوار” الي العام 1943 أي ربع قرن صناعة فرنسية وتلك كانت مرحلة المضحك فيها انها”دولة”.

ومن جهة أخرى ,اضحوكة الاستقلال من 1943 الي 1975 ألم تفشل القوى الداخلية وتبعيتها الخارجية الي نشوب الحرب الاهلية على المستوى الشعبي, والصراع بين الروساء الخوري والصلح على المستوى الرسمي للدولة والتي انتهت باغتيال الأخير عدا عن الصراعات القومية ما بين “حلف بغداد” و”اميركا” والتحالفات السوفياتية بواسطة القوميين العرب.

هذا من جهة الحوادث,  فكيف تنشأ دولة في ظل عدم الاستقرار الأمني؟ واذا التفتنا الى لب وجوهر النظام السياسي وادعاءات وصفه بالديمقراطية التي اقتصرت على المارونية السياسية, والأدعاء بأن النظام جمهوري لا تقل أضحوكة عن سابقتها . اين هي الجمهورية في ظل نظام اجتماعي موزع بين الطوائف والمذاهب, وفي ظل أحزاب سياسية متنافرة. ومما زاد الطين بلة الادعاء بأنه نظام برلماني يعيد انتاج تفكك البنى داخل مجلسه.

اذا عن أي نظام سياسي رسمي نتحدث؟ والعلاقة وطيدة بين الأسباب السابق ذكرها والنتائج التي تمخضت عنها.

من هنا يأتي دور المقاومة الشعبية غير الرسمية ,ونهضة طائر الفينيق من تحت ركام الضاحية ليحقق اكبر انتصار على ” الدولة التي لا تقهر” واصبح رقما في معادلة توازن الرعب .

فماذا يصنع الكيان الإسرائيلي  والقوى الغربية الا الالتفاف على هذا الانتصار , وهل تفجير مرفأ بيروت وتدمير العاصمة يعد سيناريو جديد للفوضى الخلاقة التي وعدت بها “رايس” لبنان والمنطقة واستهدافا لحرب أهلية جديدة بل استبدال بنية النظام السياسي وترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل عبر “إقرار السلام مقابل اللاشيء”.

 

تدمير العاصمة:

ماذا يفرق الأعلام اللبناني عن حكواتية أيام زمان؟ وعلى ما يبدو ان المسالة مابين المرفأ وقهوة “المودكا” في شارع الحمرا ليست بعيدة.

ان هول الحدث استدعى مجموعة ادبيات من ذاكرة الطفولة منها محارب طواحين الهواء”دون كيشوت” ومصارع الأستبداد بين “ليلى والذئب” والأميرة والاقزام السبعة “واليس في مدينة “العحائب” او ذكريات المسامرات العربية شهرزاد والملك شهريار في قصة”الف ليلة وليلة” وحكواتية عنترة وعبلة وأبو زيد الهلالي سلامة.

وتراوحت رؤى اللبنانيين التفسيرية لما حدث مابين”تابوت العهد” و”متاهة الجيل الراهن”.

 ومن شدة هول الصدمة توزعنا في اتجاهات شتى تراوحت ما بين ما هو أسطوري, ومنها ما وقع على قياس ريختر كأنه حدث فجئي, الا ان المرفأ كان يحوي في طياته على حروب الجيل الرابع التي ترتكز في أساسها على تنمية فاشلة من فقر وجهل ومرض ,ومثلث الازمات, استبداد وتحديات خارجية وانهيار منظومة القيم ,عشعشت خيوطه في مرفأ بيروت

-امراض فيروسية/ ادوية منتهية الصلاحية/ إضافة الى كورونا وتوابعها.

-تلوث المياه والهواء/ حبوب مسرطنة/ لحوم فاسدة/وأزمة قمامة.

-حروب أهلية وبينية وقومية ومذهبية وثورات ملغومة “زوبعة في فنجان”

– اهمال بيروقراطي وامني, وفساد مالي, فماذا كانت النتيجة؟ لجوء فئات من اللبنانيين مطالبة ماكرون بتكريس الانتداب ,اما راعي البطريركية فقد طالب بالحياد ومصادرة الدولة لكل مخازن الأسلحة ….!؟

ولم يقتصر الامر على تلك المواقف بل تعدتها الي سجالات حادة على شاشات للتلفزة للرأي العام ,وكأنها فرصة لتصفية الحسابات, وتراشق واثارة الغرائز المذهبية والطائفية ,دون انتظار نتائج التحقيق وانعكاس اثار تلك السجالات على الشارع اللبناني الذي كان يعج بثورة”كلن يعني كلن” الا انه انقسم من اول صدمة للانفجار على نفسه, وكان الجيش هو سيد الموقف ,وكذلك سذاجة ما تمخض عنها في تفسير الحدث ما بين من اعتبرها مجرد “اسمدة زراعية” بينما ارجعها البعض الاخر الي شرارة “لحام” وغيرهم من الأمنيين اعتبروها مجرد صاعق ,ناهيك عن مشاهدة عدة مواطنيين في أماكن متفرقة, لطائرة مسيرة.

وللمراقب أن يتساءل :ماذا عن السفينة المشبوهة؟ السفينة انطعجت/ السفينة خردة/ وأخيرا غرقت السفينة.

ولكن من هم القباطنة الروس؟ وهل لهم علاقة من قبيل الحس الأمني بقوات فاغنر” ومن هو صاحب السفينة ؟ ومن هو صاحب نترات الامنيوم؟ ومن تواصل معه من اللبنانيين؟ ومن يتحمل مسؤولية إبقاء نترات الامنيوم التي تصلبت وأصبحت قنبلة نووية موقوتة؟

وكيف تمت عملية التفجير والايداعات المصرفية في بلد المنشا؟ وأين هي المحطات التي رست فيها السفينة ومتى استغرق تخزين هذه المواد في المرفأ وكم استغرقت رحلة السفينة من جورجيا حتى بيروت مرورا بتركيا واليونان؟ ولماذا تأخر الإفصاح عن صدور التقرير الدولي والمحلي بصورة شاملة ؟ .

وهل من مخرج لأستيعاب هذا الحدث ؟ اجل.

تتراوح الأجابة عن هذا السوال التوقف عند السيناريوهات التالية:

عقب الانفجار صرح دونالد ترامب بعد ساعات قليلة بأنه عمل عدواني على لبنان, وقبل هذا التصريح بشهر أصدر قانون قيصر, فضلا عن تقريرأحد أعضاء اللجنة الإيطالية في التحقيق الدولي بأن الانفجار ناجم عن صاروخ , ولكن الأهم مقابلة “افاغي ادرعي”باستهداف مرفأ بيروت من خلال خريطة استعرضها على احدى شاشات إسرائيل منذ وقت مضى.

يبدو ان التطويع العولمي يستخدم أسلوب المطرقة مع الديكتاتوريين, والسندان لشراء الولاءات الدولية.

لكن كيف نشخص هذا الحدث على ضوء المعطيات في إدارة الحروب؟

لقد اقرت الولايات المتحدة الأميركية ,شرعية حروب المدن منذ العام 1982 وشرعية النووية المحدودة  النطاق ذات الروؤس المنضبة.ولاكمال منهج الاطار يحتاج المراقب الي عناء ما حدث في المنطقة فغاز الخردل التي منحته القوى الأوروبية “لصدام حسين” فاستخدمه ضد اكراد العراق واستخدم ضده كذريعة للتدخل بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل.

وكذلك الأسلحة الكيماوية التي منحتها المانيا لسوريا, وحوادث استخدامها في الغوطة أدت لتخلص اميركا منها بالقائها في المتوسط ولا يمكن استبعاد نترات الامنيوم التي دمرت مدينة الشرائع.

وأخيرا ماذا يمكن ان يقال عن انفجارات طهران…. ما يعني بأن اللعبة دولية وعلينا ان نفهمها نحن ونواجهها نحن سويا.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى