مقالات مختارة

شرقي الفرات نحو تصعيد كبير!: د. وفيق إبراهيم

الثلاثيّ الروسي الإيراني التركي المتحالف في اطار اتفاق آستانا ينقل حركته الميدانية من منطقة إدلب السورية الى شرقي الفرات لإجهاض محاولات اميركية سريعة تريد استنهاض الارهاب من جهة ودعم الانفصال الكردي من جهة ثانية.

 

لماذا اذاً يتحرّك الثلاثي الآن؟

كان وباء الكورونا قلّص من حركتهم العسكرية والتنسيقية لكن الاتفاق الذي قضى ببيع نفط شرقي الفرات من الأكراد الى شركات اميركية، أثار استياء هذا الثلاثي، خصوصاً التركي الذي رأى فيه دعماً اميركياً لدولة كردية تبدأ من شرق الفرات، ولن يقف أحد في وجهها اذا اخترقت الحدود السورية وشجعت أكراد تركيا على تشكيل دولتهم الخاصة.

هناك أيضاً ايران التي تعتبر المشروع الكردي مضراً بحليفتها سورية صاحبة الارض والنفط والسيادة، كذلك فإن روسيا تستشعر ان الأميركيين يستهدفونها في سورية وبيلاروسيا واوكرانيا وحتى في الداخل الروسي، هذا ما يشجع ثلاثي استانا على بلورة عمل فعلي، يلجم المشاريع الأميركية في شرق الفرات والوسط ومهدداً دور قاعدة التنف الاميركية عند الحدود السورية الأردنية العراقية، التي تقطع عمليات الطرفين بين سورية والعراق وإيران.

هناك اذاً موقف استراتيجي روسي لا يقبل بتقسيم سورية ويشعر ان الأميركيين على مشارف الدفع نحو هذا الهدف مجدداً، هذا الى جانب ايران التي تريد حماية حليفتها وفرملة الدور الأميركي في بحر الخليج وحصارها.

أما تركيا فهي المتضرّر الأكبر من ولادة خنجر كردي في شرقي الفرات تصوّبه أميركا نحو تركيا نفسها.

للتوضيح فإن تراجع الدور الاميركي لناحية تعثر مراميه في تقسيم سورية وإسقاط دولة صنعاء وضرب الحشد الشعبي في العراق وخنق حزب الله في لبنان، دفع الأميركيين الى استراتيجية جديدة تبدأ بتطبيع عربي مع اكبر قدر ممكن من الدول مع إسرائيل بدأته بالإمارات وسارعت الى احتواء حكومة الكاظمي في العراق وشدّدت حصار ايران، مع قصف سعودي إماراتي على اليمن وتسعير الخلافات السياسية في لبنان، اما في سورية فدفعت المشروع الكردي الى مرحلة إعلان الانفصال وسرقت نفط الشرق السوري بعمليات بيع بين أكراد قسد وشركات أميركية.

وأخيراً عادت الى تنشيط التنظيمات الارهابية من داعش والقاعدة وهيئة تحرير الشام على شكل خلايا في البادية والوسط ومنطقة شرقي الفرات وخطوط تقاطعها مع محافظة إدلب وغربي النهر.

هذا ما استثار الأتراك والإيرانيين والروس بالإضافة الى الدولة السورية. لذلك فإن اهمية البيان الصادر عن هذا الثلاثي انه استجاب لحاجاتها حتى المتناقضة بينها، فمقابل الادانة الروسية الايرانية للمشروع الكردي، وافقت تركيا على محاربة تنظيمات داعش والنصرة والقاعدة وكل ما يتفرّع منها وتلك الموضوعة على لوائح الارهاب في الامم المتحدة.

هناك نقطة مهمة جداً وهي إعلان الثلاثي إصراره على رفض الاتفاق الذي قضى بشراء شركات اميركية للنفط السوري الموجود في مناطق في الشرق يسيطر عليها الاكراد وتشتريها شركات اميركية، بما يعني ان هذه الشركات لن تتمكن من شحنها من آبار كونيكو في شرق سورية الى تركيا لتصديرها الى الخارج، كما ان كلفة نقلها جواً باهظة الى جانب ان شحنها الى كردستان لا أفق خارجياً له إلا عبر تركيا.

بالاستكمال حرص الثلاثي وخصوصاً التركي على احترام سيادة الدولة السورية وهذا تطوّر لافت لم تمارسه السياسة التركية منذ احتلالها أراضي سورية قبل أربع سنوات، كما ادانوا بشدة الاعتداءات الاسرائيلية على سورية مؤكدين على ضرورة التصدي لها ومنعها، خاتمين بالتأكيد على سلامة أمنهم القومي. وهذه اشارة واضحة الى السياسات الاميركية التي تحاصر ايران وتخترق الحدود الاستراتيجية لروسيا وتناوئ الاتراك في حركتهم في ليبيا وقبرص ومعظم مياه شرق البحر الابيض المتوسط.

ماذا يكشف هذا الاتفاق؟

يكاد يصل الى حدود رفض مجريات مؤتمر اللجنة الدستورية المنعقد في جنيف بين الدولة السورية ومعارضات محسوبة على الاميركيين والسعوديين وفئة هامشية من الموالين للأتراك، لكنه لا يعرف الرفض مكتفياً ببرنامج عمل يتحدّى الأميركيين في شرقي سورية وقاعدة التنف، والشرق الاوسط.

الامر الذي يعني أن هذا الثلاثي يحاول انتزاع حصته من جغرافية النفوذ الاميركي في الشرق والبحر المتوسط، مستفيداً من تراجع الاميركيين ومحاولتهم تكليف ورثة او وكلاء يديرون المنطقة انما الى حين.

هذا ما فهمه «الثلاثي» من التطبيع الاماراتي الاسرائيلي المبرم وجولة وزير الخارجية الاميركي بومبيو على السودان والبحرين وعمان في محاولة لسحبها الى مذبحة التطبيع.

وهو يؤكد رغبة الاميركيين بتفويض حلف عربي – اسرائيلي ادارة النفوذ الاميركي المتراجع في الشرق.

اما النقطة التي ألهبت مشاعر ثلاثي آستانا فهو حلف ثلاثي مضاد يضم أكبر الدول العربية صنعته السياسة الاميركية ويضمّ مصر والعراق والأردن بأهداف اقتصاديّة واستراتيجيّة وأمنية، كما ورد في البيان الصادر عنه.

للإشارة فإن هذا الحلف يضمّ بلدين هما مصر والأردن مطبعاً مع «اسرائيل» ولهما حدود وعلاقات معها.

فإلى أين يذهب عراق الكاظمي؟ وهل تسمح موازنات القوى الاميركية الايرانية باستدراج العراق نحو اسرائيل والتخلّي عن المبدئية في الصراع معها؟ وهل لهذا الحلف دور في وقف اندفاعة ثلاثي استانا الإقليمية خارج سورية وربما داخلها؟

ضمن هذه المعطيات يمكن الإشارة الى ان ثلاثي استانا ذاهب نحو التضييق على ثلاثة محاور يصادف أنها مجتمعة في شرقي الفرات والوسط وهم الاميركيون الذين يثيرون سخط الروس والأكراد الذين يفجرون غضباً عثمانياً وذعراً من تصديع حقيقي لتركيا من ناحيتها الكردية، وايران التي تعمل على التضييق على الاميركيين في كل مكان لإجهاض محاولاتهم لخنقها.

هذا ما يدفع الى اندلاع قتال بين الدولة السورية مدعومة من قوى التحالف في شرقي الفرات وحرب فعلية بين الروس والأتراك من جهة والإرهاب من جهة ثانية في بعض أنحاء ادلب وشرقي الفرات والبادية. مع تشديد الحصار على قاعدة التنف.

اما الوسيلة الأكثر فاعلية، فهي الإعلان عن مقاومات شعبية مدعومة من الدولة السورية وروسيا لبدء اعمال جهادية فعلية من منطقة دير الزور وحتى اعالي الحدود الشمالية مع تركيا والشرقية مع العراق.

إن موعد الاعمال العسكرية في منطقة شرقي سورية لم يعُد بعيداً ويرتبط بانتهاء عشائر المنطقة وابنائها من الاستعدادات الضرورية لإنهاء مشروع اميركي كردي لن يكون اقوى من اجتماع ستين دولة وتنظيماً لمحاربة الدولة السورية في دمشق، كما حدث في العقد الأخير.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى