مقالات مختارة

فرضيتا إنفجار مرفأ بيروت.. وقرار السلم والحرب محمد شمس الدين

  انفجار المرفأ الذي هز العاصمة اللبنانية بيروت في 4 آب الماضي وتسبب باستشهاد عدد كبير من الأبرياء وجرح الآلاف عدا عن ما أحدثه من تدمير هائل في نفس المرفأ والمناطق القريبة منه، لم تتوصل التحقيقات بشأنه إلى نتائج عملية أو على الأقل لم يتم الإعلان عن ما تمت معرفته حتى الآن، فيما تركت الإستنتاجات المتناقضة تأخذ مداها عن قصد أو غير قصد بهدف الإستغلال السياسي.

 

فرضيتان أساسيتان وضعتا في واجهة الفرضيات المتداولة، الأولى أن الإنفجار ناجم عن حادثة سببها الإهمال الإداري والسياسي، والثانية أنه ناجم عن عمل تخريبي أو هجوم إسرائيلي يندرج في إطار الصراع المفتوح مع لبنان على خلفية دور الأخير الإقليمي من خلال الدور الذي يلعبه حزب الله لا سيما ميدانياً في أزمات وحروب المنطقة

بالنسبة لفرضية الحادثة، فقد انطلقت التحقيقات القضائية متجهة نحو المسؤولين المباشرين عن إدارة المرفأ وكافة الأجهزة المعنية به وصولا إلى الوزارات ذات الصلة على مستوى الوزير وما تحته وربما ما فوقه، مع إجراءات طالت “التوقيف الإحتياطي” لعدد من الموظفين الكبار في إدارتي الجمارك والمرفأ مع إستمرار التحقيقات التي تشارك فيها فرق عديدة محلية ودولية تابعة لأجهزة أمنية وعسكرية بغية التوصل إلى كشف الحقيقة حول ما جرى.

إلا أن ما يمكن التوقف عنده مجموعة من الأمور أو الملاحظات المرتبطة بالشأن السياسي اللبناني وارتباطاته الخارجية وما أدت إليه الأمور في الأشهر الأخيرة بعد انطلاق ما سمي بـ”ثورة 17 تشرين” من العام الماضي، وصولاً إلى الإنهيار الإقتصادي والمالي الذي حصل في لبنان وتتويجه بالعقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية عليه من خلال ما سمي بـ”قانون قيصر” الذي يستهدف سورية بشكل اساسي، لكن واضعه يعلم أن تطبيقه سيشمل لبنان حكماً لأسباب لا تعد ولا تحصى أولها وآخرها استهداف المقاومة وحزب الله وتطويقهما وحصر نشاطهما بالساحة اللبنانية تمهيداً لعزلهما عن مسارات ما يرسم من خطط وسياسات أميركية وإسرائيلية للمنطقة استطاع الحزب ومقاومته التأثير فيها لدرجة إفشالها.

ما يمكن ملاحظته بداية التوقيت الذي حصل فيه الإنفجار الذي جاء في خضم ما تم ذكره آنفاً من عمليات ضغط إقتصادي ومالي على لبنان كان عنوانه “الفساد”، إلا أن الإنهيار حصل بـ”فعل فاعل” أميركي تحديداً استفاد من حالة الإهتراء التي تصيب الدولة ومؤسساتها بفعل عوامل الفساد والإستزلام والمحاصصات وتحكم أمراء الطوائف بمقدرات طوائفهم ووصولاً إلى نهب البلد برمته ما ولد إعلاء صوت الإعتراض الشعبي الذي تم استثماره من قبل الأميركيين وجماعاتهم من اللبنانيين الذين يراهنون على دعم خارجي لدعم إعادة تموضعهم في تركيبة الدولة السياسية والإدارية بعد فشلهم في توفير مساحة كافية لهم بالطرق الدستورية.

الهدف من الإنفجار في هذا التوقيت هو الدفع إلى تسريع تحركات الشارع المعترض على الفساد لأسباب سياسية وتوسيع دائرته و”تثويره” عبر توجيه اصابع الإتهام إلى المسبب بالإنفجار بغض النظر عن فرضيتي “الحادثة” أو “الهجوم” وذلك ربطاً بالمسارات السياسية التي تسعى الإدارة الأميركية لتكريسها في المنطقة بالتزامن مع انتخابات الرئاسة الأميركية التي دخلت نطاق “المعركة” الفعلية بالنسبة للمعنيين بها لا سيما الإسرائيليين الذين علقوا آمالاً كبرى على ولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب لحسم الكثير من الملفات في المنطقة لا سيما تلك المتعلقة بالجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله في لبنان وما يتصل به من “توازن رعب” يتخطى الساحة اللبنانية.

سارع العالم بقيادة الفرنسيين إلى الحضور إلى لبنان لأخذ إنفجار المرفأ باتجاه فرضية “الحادثة” وسط تهديد بالتخلي عن لبنان في هذا الظرف المأساوي والمصيري من جهة، ووعود بالدعم إذا ما تم اسغلال الظروف من أجل تغيير بنيوي في إدارة البلد للتخلص من العبء الثقيل الذي يحمله من خلال إدارته الحالية التي يتحكم بها سياسيون أصبحوا يمارسون لعبتهم المافيوية في السلطة.. وإلا فإن الأمور قد تتجه إلى حرب لا تبقي ولا تذر في حال تم اعتبار الإنفجار “هجوماً” بغض النظر عن كيفيته، مع تصريح من الجهات الدولية بأنها ستتخلى عن دعم لبنان في أية معركة ستنشب وستزيد نتائجها بسقوط البلد إلى غير رجعة..

لكن التحقيقات التي لم تلمح حتى الآن إلى أية فرضية من الفرضيتين ما زالت في بداياتها قد تطول وسط مجموعة كبيرة من فرق التحقيق الدولية التي من مصلحة كل واحد منها أخذ التحقيق بالإتجاه الذي تريده وفق ما يتوافق مع مصالح دولها، في حين أن الإتجاه لاعتبار الإنفجار “حادثة” سيبقي على المسؤوليات داخل لبنان في حين أنه فتح الباب واسعاً أمام حضور عسكري دولي تحت عنوان تقديم المساعدات الإنسانية لكنه في الوقت نفسه طرح الأزمة السياسية كعناوين رئيسة سيكون لها أثرها الأكبر في مسارات التحقيقات القضائية التي من المفترض أن تكون مستقلة استقلالاً تاماً.

الحضور العسكري الدولي في المياه الاقليمية اللبنانية والإشراف الدولي على التحقيقات وإدارة المساعدات بشكل مباشر يؤشر إلى ممارسة وصاية جديدة على إدارة الأمور في لبنان يطمح ممارسوها تحت العناوين التي ذكرت آنفاً إلى تمرير مشروع محاصرة حزب الله والمقاومة من خلال وضع كل المعابر الجوية والبحرية والبرية إلى لبنان تحت الإشراف المباشر لقوات دولية تمهيداً لتحجيم دور حزب الله الإقليمي الأمر الذي قد يتسبب بأزمة أكبر، فحزب الله الذي بنى قوته بعد انتصاره على إسرائيل في حرب 2006 لتكون بمستوى صراعات المنطقة لن يقبل بأي شكل من الأشكال أن يقزم حجمه ليتموضع في الداخل اللبناني ولو منح كل السلطات في البلد إذ أن فهمه للصراع القائم في المنطقة يتجاوز حدود لبنان والذي يرى الحزب بأنه بات صاحب الدور الأبرز فيه وفي صياغة المنطقة بعد الإنجازات التي تحققت خلال العقود الماضية.

في إطار ما تقدم، فإن فرضية “الهجوم” في إنفجار المرفأ وما رافقها من عناوين سياسية واقتصادية تتقدم على كونه “حادثة” ولو أنه استند إلى عوامل داخلية كالإهمال وما ينتج عنها من مسؤوليات على المستوى الإداري والسياسي، أو “العمالة” لإرادة خارجية بهدف استجلاب التدخل الخارجي تحقيقاً لأهداف سياسية. وعليه فإن ما سيعلن من نتائج للتحقيقات الجارية سيقوم على ما ستتوصل إليه المناقشات السياسية حول دور لبنان الإقليمي والدولي ومدى استعداد الدول للتضحية بهذا البلد الذي يحاول أن يصنع تاريخه من جديد.

إن “قرارالسلم والحرب” الذي تتقاذفه الإتهامات بين الأفرقاء السياسيين اللبنانيين، سيتعين على الدولة اللبنانية أن تحسم أمره وفقاً لما ترتأيه من مصلحة للبنان وقد بات بيدها الآن بعد الهجوم على بيروت من خلال مرفئها وليس على الضاحية أو حيث يتواجد حزب الله ليتقرر معه دور لبنان في المنطقة وصراعاتها. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى