مقالات مختارة

يا حاكم المصرف المركزي!
استقل وارحل عنا!: د. عدنان منصور _

ما الذي ينتظره بعد، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أحد «أفضل حكام البنوك المركزية في العالم»، على حدّ زعم مجلة «غلوبال فينانس Global Finance « وفقاً لتقريرها الذي تجاوز المنطق والعقل والواقع، في العام الماضي!

 

في عهد «الحاكم الأفضل»، ساكن مصرف لبنان، مورس الكذب، والتضليل، والتسويف، والمبالغة، والتمويه، والتغطية على حقائق الأمور، والتواطؤ الخبيث مع حيتان المال والمصارف، وطبقة الاحتكارات، ما أدّى إلى أخذ البلد، على يد طغمة من القابضين على المؤسسات المصرفية، والمالية، والنقدية، الى الانهيار المالي، والاقتصادي، وإفلاس المواطنين ونهب ودائعهم وسرقة جنى عمرهم.

لقد ضلل رياض سلامة بتصريحاته الموثقة، الدولة والشعب، والمودعين على السواء، بحيث أنه أخفى الحقائق، وكلّ ما كان يجري في الخفاء، بمعرفته، ومباركته، وعلمه، إذ لم يكن مطلقاً شفافاً حيال المودعين والمواطنين، بل تعمّد المراوغة والتمييع، وتخدير أصحاب الودائع، مؤكداً لهم على ثبات الليرة اللبنانية، وأنه لا خوف على القطاع المصرفي، ومعرباً عن ارتياحه للأوضاع المالية المستقرة، ومطمئناً على أنّ إرادة مصرف لبنان والقطاع المصرفي، كفيلين بتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، وأنّ هذا الأمر محسوم وثابت لآجال طويلة! بعد أسابيع قليلة، تبيّن للبنانيين كيف أنّ إرادة مصرف لبنان، التي تكفلت باستقرار الليرة، على حدّ زعم الحاكم، أدّت إلى فقدان ثقة الشعب بقطاعه المالي

إنّ «ثقة» الحاكم العالية، بالليرة اللبنانية، وبسعر صرفها، تدفعنا لنسأله بكلّ شفافية ونقول له: هل ودائعك ومدّخراتك الشخصية، بالدولار ام بالليرة اللبنانية؟! وهل ودائعك ومدّخراتك، ومعك نوابك الذين تولوا مهامهم معك طيلة ثلاثة عقود، موجودة في مصارف لبنانية، أم في مصارف دول أجنبية؟! فإذا كانت ودائعكم موجودة في بنوك لبنانية، هل طالتها قرارات تجميد الحسابات، وتقييد السحوبات عليها، وهل لحقكم أيها الحاكم، مثل ما لحقني، ولحق آلاف المودعين من تطبيق سياسة ال Hair Cut عليها!؟

وإذا كانت ودائعكم ومدّخراتكم موجودة في مصارف أجنبية، فأيّ ثقة هي هذه الثقة، التي تمنحونها لقطاعنا المصرفي والمالي من جانبكم؟! وهل هناك في العالم، حاكم مصرف مركزي في بلد ما، له ملء الثقة ببلده، وقطاعه المالي، يضع أمواله ومدّخراته في بنوك خارجية دون مساءلة او إثارة الموضوع علناً وعلى مختلف المستويات الرسمية، وغير الرسميةّ؟!

فيا ساكن المصرف المركزي! ما الذي تنتظره وننتظره معك، بعد الانهيار المالي الذي شهده البلد، وانهيار عملته، وتضخم الأسعار، وتعميم الجوع والفقر، على غالبية أبناء الشعب وجعله في الحضيص؟!

ما الذي تنتظره أكثر من ذلك أيها الحاكم، بعد أن فشلت سياساتك النقدية والمالية، فشلاً ذريعاً، وأنت تقوم بتأدية مهمتك، بعد أن وصفوك بالحاكم المعجزة، والنعمة الإلهية التي هبطت على لبنان، ومؤسّساته المالية!

فما الذي تنتظره بعد، كي تبتعد عن الحاكمية! ما الذي تريده، وما الذي تخطط له، وتراهن عليه في الداخل والخارج، وانت تستميت للبقاء في منصبك!

هل هناك من حاكم لمصرف مركزي في العالم كله، يطلب منه رئيس جمهوريته، كشوفات عن حسابات المصرف، وبعد ذلك يماطل، ويلف ويدور، ليقدّم في ما بعد لرئيس البلاد، قصاصات ورق، عليها طلاسم حسابات، لا تسمن، ولا تغني من جوع. ما شكل استخفافاً بالمقامات، وانعدام الأصول واللياقات واحترام الذات من مقدمها!

كيف يمكن لك يا ساكن المصرف المركزي، ان تصرّ على البقاء في منصبك، عندما يتهمك مباشرة رئيس الحكومة، بـ «غموض مريب في أدائك إزاء تدهور سعر الصرف، معتبراً «انّ دور مصرف لبنان، يبدو إما عاجزاً، أو معطلاً بقرار، أو محرّضاً على هذا التدهور الدراماتيكي في سوق العملة الوطنية». وهذا صحيح جداً، لأنّ طلاسم حسابات المصرف المركزي حتى الآن لا يفكّها إلا سحرته، والمشعوذون الضالعون في إخفاء حقائق الأمور… لكن ان يسمع ايّ حاكم مصرف مركزي في بلد ما، يحترم نفسه ويحافظ على كرامته، كلاماً قاسياً مشابهاً لكلام رئيس الحكومة بحقه، للجأ على الفور الى تقديم استقالته، حفاظاً على سمعته، وكرامته الشخصية. لكن للأسف حاكم مصرفنا موجود في لبنان، حيث ترى في بلدنا عجائب سلوك المسؤولين.

يا حاكم المصرف المركزي! هل سمعت ما ردّده المواطنون المسحوقون تجاهك؟! هل وصل الصوت إليك ام ضاع في الأثير؟! هل سمعت أنين الجائعين، ونقمة المنهوبين على يد سياساتكم المالية والنقدية؟! هل سمعت شتائم الذين يبحثون عن رغيف الخبز وأفلسوا، جراء هندساتك المالية للبنوك، التي نفخت بطونها بمال وجنى المودعين الصغار، ام كنت كمن كان على رؤوسهم الطير؟!

ألا يكفي بالنسبة لك، اعتراض الناس ونقمتهم، وشتائمهم التي طالتك بالشخصي والمهني بالصميم؟! ألا تكفي نداءاتهم المطالبة بتنحيتك ورحيلك عن المصرف؟! ألا تكفي تصريحاتك المتناقضة التي أثارت علامات تساؤل واستفهام، والتي سبّبت الإحراج لك، ولم تعد للأسف، تعبّر عن صدقية وشفافية وسلامة قراراتك، كي تعيد النظر في قراراتك وسياساتك المالية والنقدية الفاشلة، وتصغي لمطالب الناس؟! ألم تسمع بعد صيحات الغاضبين الناقمين الثائرين عليك، وعلى قراراتك المشبوهة المدمّرة، التي أفقرت البلاد والعباد! قد تقول يا ساكن المصرف المركزي ـ وهذا وارد جدا عند أمثالك ـ إنك غير مسؤول، وهي دائماً حجة الفاشلين، الذين يرمون المسؤولية على الآخرين، بأنك كنت تنفذ قرارات الحكومات! فأيّ حكومات أيها الحاكم الفذ! ألم يكن باستطاعتك أن تضرب بيدك على الطاولة وأنت الحاكم، لتنبّه، ولتقول للحكومات بصوت عال، انّ ما تطالبين به من قرارات، هو ضدّ القانون، وله تداعيات خطيرة، تهدّد المنظومة المالية والاقتصادية والنقدية والمعيشية والأمن الاجتماعي والاستقرار في البلد كله. وانّ إصرارك على هكذا قرارات، ستدفعني لتبيان المخاطر الناجمة عنها على الملأ، إبعاداً ورفعاً لأيّ مسؤولية عني! فالحكومة يا حاكم المصرف المركزي، إذا ما أصرت على موقفها وقراراتها غير القانونية، التي قد يترتب عنها تداعيات خطيرة واسعة، عندئذ، من الواجب عليك، ان تقف وقفتك الشجاعة في وجهها، من خلال صلاحياتك الواسعة، فإنْ أصرّت، فإنه من الأشرف لك حينئذ ان تقدّم استقالتك المعللة بالوقائع والحقائق، وترميها في وجهها، بهذا، تخرج مرفوع الرأس، وطنياً بامتياز، عزيزاً نزيهاً، لتظل الأجيال القادمة تذكرك وتذكر اسمك بكلّ فخر واعتزاز، وهي تسجل إعجابها الكبير بك وبمناقبيتك، ووقفتك، بدلاً من أن تكون شاهد زور، تتلطى خلف منصبك، وتستمرّ في حاكميتك، وتكون بعدها، جزءاً لا يتجزأ من مسار طبقة سياسية واقتصادية ومالية ونقدية فاسدة.

هل تعلم يا حاكم المصرف المركزي، انّ الساكت عن الخطأ، أسوأ من مرتكبه. والذي يغضّ النظر عن تهريب الأموال والودائع للخارج، خلافاً للقانون ودون وجه حق، أشنع من ناهببها وسارقيها، خاصة أنك في موقعك الحساس، تعرف جيداً كلّ الخفايا والخبايا، وتعرف بالتفصيل الأسرار وتصرفات الأشرار، غاسلي الأموال ومالكيها ومهرّبيها، والضالعين فيها، ومهندسي الصفقات، ودهاليز رجال «الأعمال»!

يا ساكن المصرف المركزي! لقد قيل إنه، إذا أردت أن تعرف حقيقة ومعدن إنسان، أعطه سلطة او مالاً. وهذا صحيح. فالبشر معادن. فمنهم من الألماس، ومنهم من البلاتين والذهب، ومنهم من النحاس والقصدير، ومنهم من الحديد الصدئ.

لقد أعطِيَت السلطة لك، وأعطيَ المال لك، فماذا تنفع السلطة وينفع المال، إذا ربحهم الإنسان، وخسر ثقة الناس، ولحقت به لعنات المقهورين، المنهوبين، الجائعين، المفلسين، على يد سياساته وقراراته!

يا حاكم المصرف المركزي! لماذا تصرّ بعناد، على تجاهل مطالب الشعب، وتتمسّك بمنصبك الذي لن يدوم، وإنْ طال بعض الوقت، ولا تريد التخلي عنه، رغم الفشل الذريع في سياساتك المالية والنقدية! لا تراهن على الخارج، وتحتمي وتقوى به، بل اكترث لمطالب الناس التي تدعوك، وندعوك معها لنقول لك: استقل وارحل يا «أفضل حاكم مصرف مركزي» قبل فوات الأوان.

*وير الخارجية الأسبق

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى