مقالات مختارة

“قيصر” يستنفر المنطقة: بشارة مرهج*

 

قانون «قيصر» الذي شرّعه الكونغرس الأميركي ووقّع عليه الرئيس دونالد ترامب لمحاصرة سورية وحلفائها وأصدقائها ليس جديداً، وإنما هو حلقة جديدة في سلسلة القرارات الأميركية الجائرة بحقّ سورية والمنطقة. واذا كان هذا القانون سيوضع موضع التطبيق خلال أيام فلا يجوز بأيّ حال من الأحوال التقليل من شأنه أو التعامل معه إعلامياً وسياسياً فحسب، ذلك أنّ هذا القانون هو عدوان سافر على الشعب السوري ودولته واقتصاده، ويستهدف في ما يستهدف إخراج سورية من دائرة المقاومة وفكّ تحالفها مع أصدقائها وتشديد الحصار عليها وحرمانها من الحاجات الأساسية، تكنولوجياً وصناعياً ومالياً وغذائياً، وجعلها تلهث وراء الرغيف والدواء والغاز والمحروقات تماماً كما حصل مع الشعب العراقي عندما حاصرته واشنطن بالتعاون مع تل أبيب لعقد ونصف عقد من الزمن، ومنعته من الاستيراد والإعمار او تدوير عجلة الاقتصاد.

 

كذلك يشبه هذا الحصار، أو بالأحرى هذا الهجوم، ما تعرّضت له مصر بزعامة جمال عبد الناصر عندما منعوا عنها السلاح وحرموها من قرض البنك الدولي المخصص لبناء السدّ العالي وجمّدوا لها المساعدات الغذائية وحاولوا تجفيف المال المصري في البنوك وشلّ الحركة التجارية كي ترضخ مصر للإملاءات الأميركية الإسرائيلية الغربية. وقد ردّت مصر يوم ذاك بكسر الحصار على كلّ الجبهات عن طريق التواصل مع كتلة دول عدم الانحياز والكتلة الشرقية وبدعم هائل من الشعب العربي الذي انتفض من المحيط الى الخليج دفاعاً عن الحقوق العربية، فأغلق الموانئ بوجه السفن الأميركية وقطع إمدادات النفط وقاطع البضائع والسلع الأجنبية مما شكل ضغطاً هائلاً على كلّ من واشنطن وتل أبيب وحلفائهما من الأجانب والعرب وفتح الطريق نحو توازنات جديدة في المنطقة لصالح حركة التحرّر الوطني والأممي.

ومن جهة أخرى، فإنّ من يظنّ أنّ ما يمسّ سورية يمسّها وحدها، فهذا مخطئ، بسبب ترابط وتشابك المصالح بين لبنان وسورية. وليس جديداً القول انّ لبنان سيكون في طليعة المتضرّرين من «قيصر» وجماعته وإجراءاته إذا أخذت طريقها الى التنفيذ.

ـ فلبنان لن يتمكن من المشاركة في عملية الإعمار في سورية لأنّ العملية ستضمر حكماً، وثانياً لأنّ العقوبات ستكون بانتظار من ينقل مالاً أو معدات للعمل هناك.

ـ أما حركة نقل البضائع والسلع من لبنان وإليه فهي الأخرى ستتضرّر ومعها المزارعون والصناعيون والتجار والموانئ والشاحنات والسائقون والمنظومة المالية المصرفية أيضاً.

ـ إلى ذلك ستتراجع حركة التبادل التجاري بين لبنان والبلدان العربية مما يلحق أفدح الأضرار بلبنان واقتصاده المأزوم.

ـ أما الطلب السوري من الأسواق اللبنانية فالأرجح انه سينحسر، أيضاً خصوصاً أنّ الإجراءات الأميركية ستكون متشدّدة مما يفاقم الأزمة اللبنانية ويمنع عنها التنفس من الرئة السورية بالاتجاهين.

لكلّ ذلك لا بدّ، بمواجهة هذا العدوان المتصاعد على سورية وحركة المقاومة في المنطقة، لا بدّ من التفكير بشمولية وتكاملية على صعيد المنطقة المعرّضة كلها للجوع والاستباحة، خصوصاً أنّ قانون «قيصر» الموصى به صهيونياً يطبّق بالتزامن مع تصعيد الضربات الجوية الإسرائيلية وتصعيد حركة الاستيطان التي تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني وتهويد أراضيه.

وإذا كانت جامعة الدول العربية قد استقالت من مهامها القومية، فالثقل يقع على بلدان المنطقة – العراق، سورية، لبنان، الأردن، فلسطين وقواها الشعبية الفاعلة التي ينبغي عليها استلهام تجربة مصر عام 1955 والمبادرة للتنسيق في ما بينها على الصعد الاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية للردّ على هذا العدوان الكبير الذي يستهدف المنطقة وكلّ دولها وشعوبها ومؤسّساتها. فالحاجة اليوم هي أكثر ما تكون للمقاربة العربية المشتركة كبديل عن المقاربة القطرية الانعزالية – المحكومة بالفشل قبل أن تبدأ.

*وزير سابق

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى