الصحافة الأمريكية

من الصحف الاميركية

تجددت الاحتجاجات في الولايات المتحدة بعد ليلة من الاضطرابات وعمليات النهب في حين نقلت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نحو 1600 عنصر من قوات الجيش إلى منطقة واشنطن، وسط ضغوط من الرئيس دونالد ترامب من أجل حل عسكري.

قالت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها إن أمريكا فشلت في تقديم مبادئ أساسية جسدها الدستور وأهمها حق الحياة، وإن الاحتجاجات لن تتوقف حتى يتوقف عنف ووحشية الشرطة.

وأشارت الصحيفة إلى لافتة حملها طفل أسود عمره خمسة أعوام في احتجاجات في تامبا “توقفوا عن قتلنا” ولكن الرسالة لم تصل بعد إلى أصحاب القرار وبناء على أيام من الاحتجاجات التي اجتاحت البلد. ففي الأسبوع الماضي، قتل جورج فلويد عندما كان رجل شرطة يحاول منعه من الحركة بعدما حاول شراء علبة سجائر مستخدما ورقة 20 دولارا مزيفة، مع أنه لم يكن يمثل تهديدا على الشرطة وقت مقتله وسط مينيابولس. وقبله كانت برينونا تيلور، الفنية في غرفة طوارئ حيث قتلت في شقتها عندما داهمتها الشرطة. وقبلها كان لوكوان ماكدونالد وإريك غارنر ومايكل براون وساندرا بلاند وتامي رايس وولتر سكوت والتون ستيرلينغ وفيلندا كاستيل وبوتام ديام وأحمدو ديالو، والقائمة طويلة، فقد تم تخويف الأمريكيين السود وقتلهم على يد رجال فرض النظام والذين نادرا ما قدموا لمحاكمة أو واجهوا عواقب ما يفعلون.

وباسم هؤلاء القتلى وأعداد أخرى منهم خرج الأمريكيون إلى الشوارع للتعبير عن الغضب واليأس. اليأس لعدم توفير حكومتهم لهم أهم مبادئ الحماية الأساسية التي ينص عليها الدستور وهي حق الحياة وألا يتم قتلهم بدون ذريعة أو سبب. وما يريده المحتجون هو بلد يتم فيه عزل رجال الشرطة الأشرار لا حمايتهم. ويريدون بلدا يعزل فيه عناصر الشرطة الذين يضربون المتظاهرين بدلا من حماية نقاباتهم لهم. ويريدون بلدا تقوم به الشرطة بحماية حق أبناء الوطن في التجمع والتعبير عن مظالمهم بدلا من بلد تقوم فيه السيارات بدهس المتظاهرين. ويريدون بلدا لا تستخدم فيه القوات الفدرالية ضد المتظاهرين السلميين من أجل تسهيل التقاط صورة للرئيس.

وقالت الصحيفة إن معظم التظاهرات كانت سلمية، وهناك بعض التظاهرات ليست سلمية حيث يتم فيها استهداف الشرطة ولكن طريقة تعامل الأخيرة معها مهمة جدا، فالشرطة هي التي تبادر بالعنف من خلال ضرب المتظاهرين وملاحقة الرجال الكبار بالعمر ورش الأطفال بالفلفل الحارق. وكلما حدث عنف سواء من قبل قوات حفظ النظام فقد كانت سببا في حرف النقاش عن المصدر الرئيسي لليأس.

وأشارت لما كتبه داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ عام 1967 أن العنف “مدمر اجتماعيا وهازم للذات”. وفي نفس المقالة قال “من المهم بالنسبة لي أن أكون دقيقا في نقد الظروف التي تجعل الشخص يشعر بالحاجة إلى نشاطات شغب كما هي الحاجة لشجبها مني.

قال دانا ميلبانك في واشنطن بوست إن ما يحدث في المدن الأمريكية هو نتيجة لغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مذكرا بمقابلة أجراها معه بوب وودورد وروبرت كوستا من “واشنطن بوست” قبل 50 شهرا قال ترامب فيها إن أهم ما يميزه هو قدرته على “إخراج الغضب” و”دائما ما أفعل.

وبعد أربع سنوات يقول ميليبانك إن أمريكا تدفع ثمن الكراهية التي أشعلها ترامب، وفي خطاب تنصيبه للرئاسة تعهد بإنهاء “المذبحة الأمريكية” ووعد بنهاية سريعة لـ”العنف في شوارعنا والفوضى في مجتمعاتنا”. وكانت هذه النظرة السوداوية عن البلد مجرد اختراع وتزييف وأداة سياسية. ولكن ترامب استطاع بعد أربعة أعوام تحويل رؤيته القيامية عن البلد إلى حقيقة.

وفي خطاب تنصيبه للرئاسة تعهد ترامب بإنهاء “المذبحة الأمريكية” ووعد بنهاية سريعة لـ”العنف في الشوارع

وهي تتكشف بشكل واضح على شاشات التلفزة في عنف بائس تقوم فيه السلطات الفدرالية بمهاجمة المتظاهرين السلميين أمام البيت الأبيض بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، في وقت وقف فيه ترامب الخارج من روايات جورج أوريل في ساحة روز غاردن يعلن دعمه للتظاهر السلمي. وهدد دونالد ترامب بتعبئة القوات الأمريكية لضرب مواطني الولايات المتحدة وبدون إذن من السلطات الفدرالية، ثم مشى إلى كنيسة سانت جونز بعدما تم تفريق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والقوة لكي يقف في وسطها ويلتقط صورة للإعلام.

ويعلق الكاتب أن المشهد المقرف كان يحضر له منذ وقت، فقد تجاهل ترامب الوباء القادم وحول فيروس كورونا إلى كارثة على الولايات المتحدة وزاد من الانهيار الاقتصادي الذي لم تشهد مثله الولايات المتحدة منذ الكساد العظيم، وبـ 40 مليون شخص بدون عمل وأكثر من 100.000 وفاة نتيجة للفيروس. وفي الوقت نفسه أشعل تمجيده للعنصرية وتفكيكه لمؤسسات المجتمع المدني التي تربط الأمريكيين معا.

وأخذ في كل هذا يوجه أصابع الاتهام في العنف الذي رافق الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة، المعادين للفاشية والفوضويين أو المتفوقين البيض والانتهازيين، وهم كلهم مسؤولون ويجب شجبهم. ولكنهم سبب مباشر ““وعليك ألا تشك في المصدر: لقد صنع ترامب الكراهية الأمريكية، ولم يقتل ترامب جورج فلويد بوضع ركبته على رقبته لمدة ثماني دقائق، فالعنصرية تلاحقنا منذ قرون، ولكنه هو الذي غذى الغضب عبر تعصبه الأعمى وتفكيكه أي إصلاح للشرطة وتشجيعه لعدوانية رجال الشرطة وخطاباته الداعية للعنف.

ويقول ميليبانك إن جرائم الكراهية ارتفعت في الولايات المتحدة بنسبة 30% عما كانت عليه قبل تولي ترامب الحكم، وشاهدنا أنصار ترامب يرسلون عبوات متفجرة إلى ديمقراطيين بارزين ووسائل إعلام معروفة، وشاهدنا أعضاء جمهوريين في الكونغرس يطلق عليهم النار وهم يلعبون بيسبول، وشاهدنا مذبحة كنيس بيتسبرغ والقتل في شارلوتسفيبل وغير ذلك من المجازر، واليوم نشاهد الجماهير وهي تتدفق إلى الشوارع تنفث غضبها- غالبتهم بشكل سلمي والبعض بشكل عنيف، إلا أن الرئيس يواصل تحريك العنف. ففي يوم الجمعة أعاد عبارة كريهة في تاريخ العنصرية “عندما يبدأ النهب يبدأ القتل.

 

وعلق ميليبانك: “مضت أربعة أعوام على كل هذا، فقد تحدث عن إطلاق النار على المهاجرين العزل على الحدود، وشارك أشرطة فيديو عنف عبر تويتر، ومدح عضوا في الكونغرس لأنه هاجم صحافيا، وعادة ما تقدم الحشود وحذرهم من مخاطر الصحافيين “الأعداء” الموجودين بينهم. ودعا أنصاره لركل وضرب المتظاهرين وتخيل أنه يلكم أحدهم وتبرع بدفع الكلفة القانونية لمن يقوم بأمر كهذا.

ويقول الكاتب إن كل هذا العنف موجه ضد غير البيض، ذلك أنه وصف المتظاهرين منهم في شارلوتسفيل بالناس الطيبين. ودعا برلمانيات في الكونغرس غير بيض للعودة إلى بلادهن الأصلية “الأماكن المحطمة والتي تنتشر فيها الجريمة”، وشجب دولا إفريقية واصفا إياها بـ”حفر البراز” واتهم كل المهاجرين القادمين من هاييتي بحمل الإيدز، وهاجم أفراد “الوطني” لكرة القدم وأعاد نشر تغريدات شيطنت المسلمين والمكسيكيين وتبنى الحركة التي تشكك بولادة أول رئيس أمريكي أسود في الولايات المتحدة وهاجم خمسة متهمين سود أبرياء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى