مقالات مختارة

عار الصمت! العميد منير عقيقي

رئيس تحرير مجلة الأمن العام

 

ما من شيء في لبنان الا يقرع  ناقوس الخطر الذي احاط بنا جميعا، واحكم الخناق علينا اقتصاديا ومعيشيا وتربويا وبيئيا. طبعا يبقى الخطر الصحي نتيجة جائحة كورونا في سلّم الاولويات التي تهدد مصير لبنان والعالم باكمله. اما وقد اقرت الحكومة خطتها المالية والاقتصادية في جلستها في قصر بعبدا، نهاية الشهر الماضي، التي تحمل في طياتها برامج اصلاحية على كل المستويات. تعطي للبنانيين بارقة امل للمستقبل، من خلال الاجراءات الكفيلة بايجاد السبل والوسائل المناسبة ليتمكن الشعب من العيش بالحد الادنى من الكرامة، وعدم السقوط في اتون الفقر والجوع والعوز الى حين عودة الامور الى طبيعتها، اقله في السنوات الخمس المقبلة، ما يساهم في منع الانفجار الاجتماعي  وما يخلّفه من انعكاسات امنية خطيرة. ما وصلنا اليه، اقتصاديا وماليا، كان جراء مسؤوليتنا جميعا.

نحن اصحاب الصمت الرهيب عما حصل ويحصل حتى آلت فوق رؤوسنا. لم نترك شيئا الا اختلفنا عليه، وطبعا من اجل هذا او ذاك وليس من اجل المنافسة على الخطط الافضل او البرامج الاحسن.

السؤال هو ماذا سنفعل الان بعدما صارت الازمة الاقتصادیة – المالیة مسألة وجودیة من شأنھا ان تغیّر المشھد اللبناني برمته. مبدأ حل ھذه الازمة ينطلق اولا باقرار الجمیع بخطأ السیاسات السابقة، وضرورة التعاون من اجل وضع التصورات المستقبلية لتخفيف وطأة الازمات المتراكمة وتخطيها بحد ادنى من الاضرار خصوصا من الناحية الانسانية والاخلاقية.

صمتنا الجَماعي عن اهوال نزلت بنظامنا الصحي، ادى الى نقص كبير في تقديم الخدمات الصحية، وحرَمَ الكثير، لا سيما الكبار من الطبابة.

صمتنا الجماعي عن الكوارث التي انزلت بالنظام التعليمي والتربوي الرسمي، ساهم في استنزاف اموال الشعب في التعليم الخاص، وجعلنا طائفيين قبل ان نكون مواطنين.

صمتنا الجَماعي عن السياسة المالية، اوصل الى ضرب العملة الرسمية في مقابل العملات الاجنبية، وخفّض من قيمتها الشرائية.

صمتنا الجَماعي من جعل جزءا من الادارات العامة قلاعا للفساد والرشى، واسقط مفهوم الدولة الحديثة المبنية على القانون والنزاهة والشفافية.

اخيرا، صمتنا الجماعي عن نوائب حلت في علاقاتنا كجماعات وكافراد، بسبب  خصومات تافهة ما كان ينقص لتصويبها الا شيء وحيد وبسيط: الا وهو تقديم المواطنة، وجعل العلم فيصلا وحكما في التباينات التي ما كانت تستأهل ان نصل الى وصلنا اليه.

مسلسل السقوط عندنا تزداد حلقاته طولا. هناك مَن بيننا لا يزال يدافع عن “مثاليين” سياسيين وماليين واقتصاديين واجتماعيين، فيما البلد ما عاد فيه اي ضمان صحي او اقتصادي او اجتماعي. الان اختفى كل الذين تاجروا بنا يمنة ويسرة، وسخّروا غرائز الناس في مشاحنات بلغت حد تهديد استقرار البلد لمرات ومرات. فما عاد حضورهم واستحضارهم بيننا على قدر من الاهمية، لاننا وعلى مآسينا والكوارث التي حلت بنا لن نُنشىء محاكم. لكن سيبقى هذا من شأن القضاء العادل والمستقل. قضاء لا يجعل من ادراج مكتبه وخزائنه مستودعات للقضايا التي يصيبها الجمود ولا تتحرك الا لاسباب لم تعد خافية على احد.

ما يجري في وطننا يكشف عمق القعر الذي بلغناه. ويا للاسف فإن البعض ما زال يعمل “غسّالة” لتبييض صورة هذا وذاك. كان صمتنا الجماعي عارا علينا جميعا، يجب الوقوف امامه لتحمل المسؤولية الكاملة عما يجب ان نفعله ونقوم به في المرحلة المقبلة كمواطنين اولا واخيرا وليس كقطعان.

في لبنان الكثير الكثير من المواد الدستورية والقوانين والتشريعات التي تكفل حرية العبادة، لكن ما ينقصنا هو ان نؤمن بذواتنا كافراد وكجماعات بأن ما من ضمان في الجوائح والنكبات الا الدولة المدنية العصرية.

(عن مجلة الأمن العام العدد 80 أيار 2020)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى