مقالات مختارة

أميرة بنت مسعود حسان عاصي

في جنوب لبنان و في منطقة ساحل الزهراني أتت عدة عائلات من البدو و سكنوا بها و عملوا عند أهالي المنطقة حتى أصبحوا جزءاً من المنطقة و تواصلوا مع باقي البلدات المحيطة بهم فنسجوا أجمل العلاقات و الصور لإنهم كانوا من العرب الأقحاح و لهجتهم البدوية قد تكون سر من أسرار إستلطافهم و فتح ضدور أهل الجنوب لهم و لأنهم كذلك من ذرية أبي ذر الغفاري و صحبه .

 

كان مسعود أحد رموز و وجهاء الربع و كان من أصحاب البصيرة و الحنكة ، رجل يعرف متى يتكلم و ماذا يقول كي يستطيع إجتياز كل صعوبات التأقلم في الواقع الذي إندمجوا به، فأرسل أولاده إلى مدارس المنطقة و أراد أن يبرزهم في المجتمع الجديد فدرسوا و تخالطوا مع أولاد القرى .

بالرعم من الإنصهار بالواقع الجديد إلا أن مسعود حافظ على تسمية أبنائه كما كانت العادات السابقة لأجداده و من بينهم كان عنده إبنة جميلة جداً و لما كانت عيناها مثل عيون المها منذ ولادتها فأسماها والدها بأميرة و لما صارت شابة و كان كل أهل حارتها يغنون لجمالها فأصابها الغرور و تخالطت مع أبناء القرى المجاورة حتي ظنها الكثيرون من أهل المنطقة و لكنها تعرف أن هذه البيئة ليست بيئة أهلها الحقيقية فكانت كلما خرجت بينهم إختالت و تراقصت حتى إعتقد الكل بأنها واحد منهم و إنصهرت معهم .

أميرة كانت دائما حذرة في تعاطيها لكنها كانت بحاجة إلى بروز نجمها كي تعوض عقدة النقص القابع في داخلها و التي لم يعلم بها أحد فكانت مستعدة لتنفيذ أي عمل يسهل عليها إكتساب الخبرات و تحسين وضعها الإجتماعي و بقيت هكذا إلى أن أتت فرصة نادرة لها فالمدرسة الخاصة في المنطقة كانت بحاجة إلى مدرسة و تقدمت إلى هذا المنصب و تعينت نظراً لإثارة إعجاب المدير في ذاك الوقت .

عندما إبتدأت بالتعليم كانت عيون تلامذتها تزوغ بالرؤية إلى بعض مفاتنها و التي كانت محط إعجاب المدير لكنها كانت تعطي أفضل العلامات لبعض التلامذة الذين كانوا يركضون خلفها و يحملون أي شيء أرادت نقله إلى السيارة التي وضعها المدير بخدمتها ، فأصبح هؤلاء التلامذة فجأة من أشطر الطلاب بعلاماتهم لكنهم لم يفطنوا بأن العلامات العالية لم تكن تؤسس لمستقبل جيد بينما أميرة كانت تحصل على هدايا المدير و أهالي الشطار الجدد في المدرسة .

في خلال السنة الدراسية و في فترة فصل الزهور الربيع طلبت المدرسة من أميرة المشاركة في إحياء الذكرى و بما أنها لم تستطع أن تخيب ظن المدير وافقت الحضور .

بينما كانت المدرسة متأهبة لإحياء الذكرى و كان المدير يريد كلمة الموعظة من الأستاذة أميرة تفاجأ الجميع بغيابها حتي أن طلب المناظر من إحد الأهالي الإتصال بها و كان الجواب أنها أصابها وجع مفاجئ و أبقاها بالفراش.

الموضوع لم يتقبله الأهالي لأن الكثير منهم يعرف أهلها و كيف يفكرون و بالرغم من عفة والدها مسعود إلا أنها إكتسبت من تجاربها الحياتية الخاصة كيف تستخدم الأفراد و ترميهم عندما تنتهي خدمتهم .

الكثير سخط من هذا الغياب و بدأ التلامذة يعلون صوتهم لأن الأستاذة أميرة كانت تعطي العلامات العالية لمن تشاء و ليس لمن تحق هذه العلامات و لجؤا إلى المناظر و إشتكوا إليه مقدمين حجتهم عليها و لما نقل هذه الشكوى إلى المدير فما كان من المدير المفتون إلا أن وبخ المناظر و دعاه إلى إحترام الأستاذة و العودة إلى موقعه و التلامذة إلى صفوفهم و كان ما شاء المدير .

و في يوم آخر لم تحضر الأستاذة أميرة و بدون تقديم أي عذر للمدرسة لطالما هناك مدير مفتون بها و يدافع عنها لكنها تركت الصف بدون أستاذ مما أثار غضب المناظر و دخل الصف بدون أي إيعاز للمدير و بدأ إعطاء الدرس للتلامذة و تفاعل معهم فإكتشف من في الصف يتابعه و يفهمه و من لا يتابعون و بعد رؤية سجل التلامذة إتضح له الأمر الغريب و في هذه الأثناء كان المدير متوجها إلى مكتب المناظر لمعاملات تخص الإدارة فلم يجده في مكتبه و لكنه سمع صوته مع التلامذة و يرددون وراءه الدرس فدخل و إكتشف بدوره كيف كان المناظر يقوم بإكمال واجب الأستاذة بدون أي إذن إذ كان واجبه الأبوي يحتم عليه فعله ففي الصف كان إبنه هناك و لم يرد أن يبق إبنه بدون تعليم فأعطى الدرس إلى الجميع كي لا يقال علّم إبنه و ترك الباقين .

المدير تفهم ما قام به المناظر و أثنى على ما فعل لكنه لم يستطع توبيخ الأستاذة كي لا تفتضح علاقته بها بينما هي و بعد إتصالها بالمدير أوضحت له أنها لن تعود قبل مدة إلى المدرسة و قبل أن يروق لها المزاج مما إضطر المدير أن يطلب من المناظر إكمال إعطاء الدروس حتى يتثنى له الوضع و يحل الأزمة .

و في يوم أتي المدير مستشرساً و نادى المناظر إلى مكتبه و صارحه بما كان يحدث معه فقد كان يعطيها الراتب مضاعفاً و أعطاها سيارة و كانت تطلب منه و تطلب ما يريد و هو كان ينفذ ما تريد كي لا تفضحه بين أهل المنطقة لكن المناظر كان يتفهمه و أشار إليه أن التلامذة لا يمكن أن يقعوا ضحية أميرته و عليه فوراً إستدعاء أستاذة جديدة و جديرة بالتعليم و إما أميرة فهي في بيتها و يستطيع المدير أن يفتح ملفاً تأدييبياً لها كي تتنحى عن المهمة و التعليم لكن خوف المدير من الفضيحة كان أقوى و لهذا رد المناظر أن جاءت الفضيحة عن لسان الرجال فما عليه إلا السكوت و هذا كأنه مفخرة للرجال الذين يستطيعون إغراء إمرأة و لو كانوا متزوجين و إن أتت عن لسان نساء فما الحجة إلا أنهن غيورات منها لأنها وصلت له بينما لم يعط إذناً لصغاء النساء دونها ، فتجرأ المدير و طلب إستاذة تحل محلها و لم ترمش له عين و لم يكترث بعد عن الأميرة.

و لما وصل الخبر لمسعود عن دور إبنته عز عليه الموت لأنه بنى طيلة حياته سمعة شهدت له كل أهل المنطقة لكنه إعترف بأنه أخطأ تربية إبنته و كان له تربية الغنم مجدية أكثر من تربية إبنته .

و من جملها المشهورة إلى يومنا هذا في التعليم ، إعطاء جملة مفيدة فيها كلمة ” ينابيع ” و كان جوابها ” بويا راح على صيدا و بقيت أنا و أمي في الدكان يَمّا تبيع ينابيع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى