مقالات مختارة

سيناريوهات خطيرة في لبنان… إحذروا عباس ضاهر

تقف عواصم القرار العالمي في نقطة حسّاسة فاصلة بين الحروب والتسويات. قد لا يكون مفهوم الحروب هو ذاته الآن، كما كان في سنوات وعقود زمنية مضت. لأنّ الضغوط الإقتصادية والعقوبات المالية والحصار الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على خصومها، توازي أهدافها نتائج الحروب العسكرية. لكن خيارات الحرب مطروحة وفق سيناريوهات تلك العواصم. فهل تكون مخرجاً للتسويات؟.

 

جاءت تداعيات كورونا لتفتح ابواب الولايات الأميركية على إبتزاز الصين، عبر دعاوى ستجر عقوبات ماليّة لوضع اليد على أموال بكّين والحد من نموّها وتمدّدها في العالم. ثم طرأت أزمة النفط العالمية فزادت من خيارات الحروب، بعدما رفعت من منسوب التدهور الإقتصادي لدول منتجة للنفط، كحال الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لا تبدو طهران انها في موقع الضعف الآن. فهي تستطيع أن تبتزّ الإدارة الأميركية في ملفّات عدة، وجرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مواجهة عسكريّة صعبة قد يدفع ثمنها في انتخاباته الرئاسية. مما يعني ان ايران ترغب بأن تفرض شروطها عبر إمساك ترامب باليد التي تؤلمه، خصوصاً أنّ الأزمة الإجتماعية الأميركيّة تزيد النقمة الداخليّة على ترامب في مرحلة الإنتخابات، بينما تستطيع طهران من خلال التصعيد ان تردّ كرة النار إلى بيت ترامب، فتحقق ايضاً رصّ صفوف المجتمع الإيراني بعد تدهور معيشي في الجمهورية الإسلاميّة جرّاء الحصار والعقوبات الترامبيّة. لم يعد هناك لإيران شيئاً تخسره بعد لعب الأميركيين وحلفائهم كل الأوراق التي بحوزتهم.

بالوقائع يُمكن الإستنتاج أن ما يحقّقه تراجع اسعار النفط من آلام إقتصادية روسية وإيرانية، يصيب ايضاً المجتمع الأميركي بآلام مشابهة قد تطيح بقدرات ترامب الساعي للبقاء في البيت الأبيض، لأن عوامل قوة الرئيس الأميركي هي إقتصادية، فإذا إستمر التدرج في البطالة وتراجع المؤشرات المعيشية، سيفشل ترامب في الوصول مجدداً لسدّة الرئاسة. فكيف إذا خاضت بلاده حرباً جديدة؟

واذا كان التركيز حصل لإخراج إيران من اللعبة السوريّة، فإنّ زيارة وزير الخارجية محمد جواد ظريف الى دمشق، ثم الإتصال الذي جرى بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني بشأن سوريا، أكدا أن دعم دمشق اولويّة متفق عليها بإنسجام بين الفريقين، ولا إمكانية لأي تغيير في السياسات المتّبعة حول الجمهورية العربية السورية.

هل ترفع ايران السقف إلى حد إستفزاز ترامب لجرّه إلى حرب فيخسر في إنتخاباته؟ أو تسوية تفرض فيها طهران شروط الخروج من أزمتها الإقتصاديّة؟ يبدو كذلك، بعدما إستنفذت كل جهودها في محاولة توظيف تداعيات كورونا للحصول على حقوقها الإنسانية والإقتصادية. بينما يتدرج التوتر في ظل إنشغال العالم بما يخلّفه كورونا من خسائر إقتصادية ومالية ضخمة في كل إتجاه. فتتوسع مساحات القلق من إضطرابات وثورات وإنتفاضات تطيح بالأنظمة التي لا هموم لديها الا دولها وكياناتها.

لذا، لا إهتمام بلبنان الذي يصبح هامشياً حالياً، سوى مما تطلبه إسرائيل في نزع الصواريخ الدقيقة التي هي بحوزة “حزب اللهوفرض امان حدودها الشمالية مع لبنان. ومن أجل هذين العنوانين تستطيع تل أبيب أن تفعّل ضغوط الأميركيين بحقّ بيروت. تترقّب واشنطن ولا تزال تفرض شروطها الإستراتيجية من خلال إبتزاز اللبنانيين في أوضاعهم الماليّة المتدهورة والإقتصاديّة المتهالكة، بعد الثبات السياسي اللبناني طويلاً، عبر تفاوض أجراه رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع الأميركيين بشكل مباشر لم يتنازل فيه عن حبّة تراب في البر، ولا نقطة مياه لبنانية في البحر، وبعد نجاح “حزب الله” في محطّات الردع الميداني، وآخرها رسالة قص الشريط الحدودي، لم يعد بالإمكان الاّ إستخدام العنوان المعيشي وتحريض اللبنانيين لخلق فوضى تطيح بالساحة الأساسية للحزب.

لا يعني ذلك ان اللبنانيين الثائرين ضد الفساد والغلاء هم ادوات، لا بل الاجندة الشعبيّة هي وطنيّة صافية ذات أبعاد معيشيّة، لكن ماذا عن توظيف تلك التحركات ولا سيما المدفوعة منها؟ هناك شك جدّي تتم دراسة أبعاده الآن. علماً أن نزع صواعق الإنفجار الشعبي تتم من خلال اجراءات عملية: تخفيض سعر الصرف، وقف ملفّات الهدر، ضبط الأسعار وتوقيف تجّار الأزمات، ووضع قانون انتخاب وطني لا طائفي.

واذا كانت المآخذ السياسية بدأت تتظهّر بشأن عمل الحكومة، وإتهام خصومها لها بأنها تتصرّف بكيديّة سيّاسية، فإن المعطيات أكدت تسرّع رئيس الحكومة حسان دياب بطرح إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل انضاج الملف. صحيح ان الخطوة شعبوية، لكن: من هو بديل سلامة؟ من يضمن الا يشطح الدولار الى حدود لا سقف لها؟ وتلك كانت أسئلة بري امام من راجعه، ولا سيما “حزب الله”. لكن اذا كان تصرف الوزراء المحسوبين على حركة “امل” وتيار “المردة” نابع من هواجس وطنية صرفة، فإن ردة فعل “المستقبلو”التقدمي الاشتراكي” انطلقت من دوافع أخرى ذات ابعاد سياسية، قد يتلاقى الأميركيون معها، اتبعها كل من رئيس حزب “القوات” سمير جعجع ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط بمواقف تصعيدية ضد “حزب الله” عبر احدى القنوات العربية الفضائية. فيما قاربت بكركي الملف من منطلقات هواجس مارونية بحتة. بجميع الأحوال، تم تجاوز عنوان الحاكميّة، وتبعتها مساع لتقريب وجهات النظر بين دياب وسلامة، ستظهر نتائجها الخميس المقبل بضخ دولار في السوق لتخفيض سعر الصرف. لكنّ الضغوط تتزايد تحت عناوين امّا معيشية محقة، او سياسية محدّدة في اطار لعبة التموضعات الداخلية، وقد يفلت الشارع كما اوحت لعبة قطع الطرق في مناطق عدة. لا يمكن لوم الناس الغاضبين، بعدما فقدوا معايير وسبل تأمين لقمة العيش جراء الغلاء وسعر الدولار. خصوصا ان ازمة كورونا زادت من البطالة والفقر ايضا.

ماذا يمنع أن يدخل طرف خارجي في تعزيز الفوضى، لفرض إرباك لبناني تلبية للشروط المذكورة أعلاه؟ لا سيما ان السيناريوهات الخطيرة لا تغيب عن اللبنانيين في حال توسعت الفوضى: من يضمن عدم دخول طابور خامس ينفّذ اعمالاً أمنية؟ كلها مخاوف تزيد من تداعياتها اوضاع لبنان المعيشية الصعبة، ليصبح البلد في مجهول قد تنمو معه سلطات محلية، تمارس الآن تحت عنوان مواجهة كورونا.

اذا كان اللبنانيون ينتظرون محطات خارجية في حسابات متعددة، فإن فترة الانتظار قد تكون قاتلة وتجر البلد الى الهاوية. وحدها المسؤولية الوطنية تفرض تسوية سياسية سريعة ولم الشمل والبحث عن سبل لتأمين حاجات المواطنين. من دون ذلك لا يمكن ان يعيش البلد سلاماً ولا يشهد علاجاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى